خالد منتصر والتغريب: حين يصبح المستورد مقدّسًا، والمحلّي محرّمًا!

بقلم : محمد نجيب نبهان ( كاتب وناقد و باحث تاريخي )

إذا كنت تعتقد أن التغريب هو مجرد حالة ثقافية بريئة تهدف إلى الاقتباس من الغرب المتقدم، فأنت واهم.

التغريب، يا عزيزي، هو مرض فكري عضال يصيب بعض النخب الثقافية العربية، يجعلها ترى في كل ما يأتي من الغرب كمالًا مطلقًا، وفي كل ما ينبع من الشرق رجعية وتأخّرًا.

إنه ذلك الفيروس الذي يجعل المريض يتنازل عن هويته طواعية، ويقدّمها قربانًا على مذبح الحداثة المزيّفة.

وأحد أبرز المصابين بهذا المرض هو خالد منتصر، ذلك الصوت الذي لا يهدأ في مهاجمة كل ما هو أصيل، والترويج لكل ما هو غريب، ولو كان مضرًا أو سخيفًا.

التغريب: عندما تتحول الهوية إلى تهمة

التغريب ليس مجرد انبهار بالغرب، بل هو حالة ذهنية تجعل المصاب به يرفض الاعتراف بأي قيمة لما يملكه. هذه الحالة تجعله يُشهر سيف النقد، ليس لتحسين مجتمعه، بل لجلده بوحشية. التغريب هو أن تعيش في حالة من إنكار الذات، وتؤمن أن خلاصك الوحيد يأتي على يد الغرب المتحضر، وكأن شعوب العالم الثالث محكومة أبديًا بالبقاء في مرتبة “التابع”.

الغريب في الأمر أن الغرب نفسه لا يطالبنا بالتغريب. هم يطالبوننا بالتعامل بندية، بالاعتراف بإنجازاتهم والاستفادة منها، لكنهم في الوقت ذاته يحترمون كل شعوب العالم التي تتمسك بهويتها.

أما المُغرّبون لدينا، فهم مستعدون أن يقدّموا أنفسهم على طبق من فضة، مقابل كلمة إشادة من مستشرق لم يسمع يومًا باسمهم.

خالد منتصر: سيد التناقضات بلا منازع

لنتحدث عن خالد منتصر، ذلك الرجل الذي نصّب نفسه متحدثًا باسم العقل والتنوير، رغم أن خطابه مليء بالتناقضات التي تثير الحيرة قبل الضحك. خالد منتصر يهاجم المؤسسات الإسلامية، وعلى رأسها الأزهر، في كل مناسبة، متهمًا إياها بأنها سبب التخلف والرجعية. لكنه في اللحظة التي حاول فيها الأزهر تقديم خطوة جريئة لتعريب مناهج الطب والصيدلة، تحوّل إلى مدافع شرس عن المناهج الغربية، وكأن ترجمة هذه الكتب إلى العربية سيحوّل الأطباء إلى دراويش!

لنطرح بعض الأسئلة:

هل يعتقد خالد منتصر أن اللغة العربية عاجزة عن استيعاب العلوم الحديثة؟

أم أنه يرى أن تعريب المناهج سيهدد “قدسية” اللغة الإنجليزية التي أصبحت رمزًا للحداثة المزيفة؟

ولماذا لا يهاجم فرنسا وألمانيا واليابان التي تُدرّس العلوم بلغاتها؟ هل لأن هذه الدول “غربية محترمة” بينما نحن مجرد “عرب متخلّفين”؟

اللغة العربية كضحية للتغريب

أحد أبرز أوجه التغريب هو العداء للغة العربية، وكأنها لغة لا تصلح إلا للشعر والرثاء. خالد منتصر وأمثاله يروجون لفكرة أن التقدّم لا يتحقق إلا من خلال اللغة الإنجليزية، متناسين أن اللغة ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي وعاء الحضارة والفكر.

فلنتذكر أن الغرب نفسه نهض عندما استعاد التراث العربي الإسلامي المترجم إلى اللاتينية. الأطباء الأوروبيون في القرون الوسطى كانوا يدرسون الطب من كتب الرازي وابن سينا المكتوبة بالعربية. فكيف يأتي خالد منتصر ليقول إن العربية عاجزة عن استيعاب العلوم؟

الأمر ليس متعلقًا باللغة فحسب، بل بموقف نفسي بائس من كل ما يمثّل الهوية العربية. خالد منتصر يرى في أي محاولة للتمسك بالهوية جريمة تستحق العقاب، ويُروّج لفكرة أن الحل الوحيد هو الذوبان الكامل في الغرب، حتى لو كان هذا الذوبان يعني فقدان الذات.

التغريب في سياق أوسع: هل نحن أمام استعمار فكري جديد؟

التغريب ليس ظاهرة جديدة.

جذوره تعود إلى فترة الاستعمار، عندما بدأ المستعمر في غرس فكرة أن الشعوب المستعمَرة غير قادرة على تحقيق النهضة بنفسها. لكن المشكلة أن هذه الفكرة وجدت من يتبناها داخل المجتمعات العربية نفسها. خالد منتصر وأمثاله هم امتداد لهذه العقلية، حيث تحولوا إلى أدوات مجانية لنشر نفس الخطاب الاستعماري.

التغريب اليوم يتخذ أشكالًا جديدة. لم يعد مرتبطًا فقط بالسياسة أو الاقتصاد، بل أصبح يتسلل إلى كل مجالات الحياة.

في التعليم، يرفض المُغرّبون فكرة تطوير المناهج المحلية، لأنهم يؤمنون أن “التعليم الغربي” هو الحل الوحيد.

في الفن، ترى المُغرّبين يصفقون لأي فيلم أجنبي بغض النظر عن قيمته، بينما يهاجمون أي إنتاج عربي مهما كان متميزًا.

في الإعلام، يتحوّل التغريب إلى منصة للتهكم على القيم المجتمعية، وكأن التقدم لا يتحقق إلا بتدمير الأخلاق والتقاليد.

رسالة إلى خالد منتصر وأمثاله

يا خالد، دعنا نتحدث بصراحة. الحضارة ليست مجرد استيراد للأفكار، بل هي عملية بناء تتطلب احترام الجذور والتفاعل مع العالم بطريقة ذكية. الغرب نفسه لا يُملي علينا التخلي عن هويتنا، فلماذا تصرّ أنت على تقديم هذا الطرح؟

إذا كنت تؤمن بالغرب إلى هذا الحد، فلماذا لا تتبنى موقفه تجاه هويته؟ الغرب يعلّم العلوم بلغاته الأصلية، ويفخر بتاريخه وتراثه، حتى عندما يرتكب أخطاء. أما أنت، فتصر على مهاجمة كل ما هو عربي، وكأنك تعاني من شعور بالذنب تجاه انتمائك.

خالد منتصر والمستقبل!

خالد منتصر وأمثاله ليسوا خطرًا حقيقيًا، لأن المجتمعات دائمًا قادرة على تجاوزهم. لكنهم يمثلون حالة تستحق الدراسة، لأنهم يكشفون عن أوجه متعددة لمرض التغريب. هم لا يدركون أنهم يعيشون في تناقض دائم: يهاجمون الهوية باسم الحداثة، لكنهم لا يُقدمون بديلًا حقيقيًا.

في النهاية، نقول لخالد منتصر: إذا أردت أن تكون مُغرّبًا حقيقيًا، فعلى الأقل تعلم من الغرب قيمة احترام الذات. وإذا كنت لا تؤمن بقدرة العرب على النهضة، فاسمح لنا أن نستمر في المحاولة دون أن تكون حجر عثرة في الطريق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *