أزمة الثقة بين الآباء والمراهقين فجوة تحتاج إلى بناء
18 يناير، 2025
بناء الأسرة والمجتمع

بقلم : الدكتور مصطفى عبد الله باحث في العلوم الإنسانية
في حياة كل أسرة، هناك جسر غير مرئي يربط القلوب والعقول، يعرف بجسر الثقة.
هذا الجسر يصبح أحيانا هشّا مع تقدم الأبناء في العمر، خاصة في مرحلة المراهقة، حيث تصطدم الآراء وتتشابك الرؤى، وتنسج الفجوات بين الأجيال.
إنها المرحلة التي يكتشف فيها الأبناء العالم، ويمتزج فيها التمرد بالسعي لإثبات الذات.
ومن جهة أخرى، يقف الآباء بين مشاعر الحب والخوف المرهق من المجهول الذي قد يواجهه أبناؤهم.
المراهقة هي ثورة داخلية تعصف بالمشاعر والأفكار، تصنع أبطالا في أذهان أصحابها، وتخلق خوفا وتساؤلات في قلوب من حولهم.
إنها تلك المرحلة التي يرى فيها المراهق العالم من زاويته وحده، فيبحث عن ذاته بين أمواج الحياة المتلاطمة.
وبينما يرى الآباء هذه الأمواج تهدد سفينة أبنائهم، يهرعون للإمساك بالدفة، فيساء فهم النوايا، ويبنى جدار من الصمت أو الصراع.
وبناء الثقة بين الآباء والأبناء يعد الركيزة الأساسية لكل علاقة إنسانية ناجحة.
إنها الجسر الذي يعبر الأبناء عليه نحو والديهم حين يخطئون أو يتعثرون، دون أن يعوقهم خوف من اللوم أو العقاب.
تبدأ الثقة من الإصغاء، ذلك الإصغاء المفعم بالحب والاحترام.
وعلى الآباء أن يستمعوا لأبنائهم، لا بنية الرد أو النقد، بل بفهم وصادق لما يشغل أفكارهم ويثقل قلوبهم. وفي المقابل، ينبغي للأبناء أن يدركوا قيمة خبرة آبائهم، وأن يستوعبوا أن كل نصيحة تمنح لهم ما هي إلا تعبير عن حب ورغبة صادقة في رؤيتهم يسيرون بخطى ثابتة وآمنة.
ولا سيما أن الحوار هو النسيم العذب الذي يطفئ حرائق الخلافات، والجسر الذي يرمم ما تهدم من الثقة.
عندما يتحدث الآباء إلى أبنائهم بلغة حانية تخلو من الأوامر القاطعة أو النبرة المتعالية، وحين ينتقي الأبناء كلماتهم بصدق واحترام، تتلاشى الفجوات وتتقارب القلوب، هو ملاذ يجعل الأبناء يلجأون إلى والديهم عند كل منعطف في حياتهم.
حينما يدرك الأبناء أن أخطاءهم لا تقلل من حب والديهم لهم، تتفتح أبواب قلوبهم، وينكسر حاجز الخوف.
على الآباء أن يثبتوا دائما أن الحب أكبر من الخطأ، وأن العتاب ليس إلا وسيلة للإصلاح، لا أداة للهدم.
نداء إلى الآباء: تذكروا أن أبنائكم لا يبحثون عن الكمال، بل عن الأمان.
كونوا لهم مرآة يرون فيها أنفسهم في أجمل صورة، وكونوا لهم ملاذا يعودون إليه مهما ابتعدوا.
وإلى الأبناء: ثقوا أن آباءكم هم النور الذي يرشد خطواتكم، وإن بدا النور أحيانا ساطعا إلى حد الإزعاج، هم لكم وليس عليكم، وكل كلمة تخرج منهم تحمل حبّا يفوق التصور.