ذو القرنين (3)

بقلم الشيخ : أحمد عزت

٥- لم يكتف “ذو القرنين” بهذه الفتوحات وهذا المـُلك العريض، فواصل جهاده طلبًا في توسيع رقعة الدولة الإسلامية رغبة في إيصال العدل والإحسان والنفع للناس؛ فلم تكن لهمة بهذا المستوى أن تقنع بالدون.

وهنا توجه ذو القرنين باتجاه آخر، حيث لا توجد إشارة غير سلاسل جبلية وعرة لا يستطيع شعب أن يسكنها، ولا جيش أن يعبرها، بينهما ممرٌّ للعبور.

وقد ورد في كتب الجغرافيا للجغرافيين المسلمين نص يفيد بأن ذا القرنين عندما وصل إلى المغرب شكا له أهل الأندلس من هجمات المغاربة، وطلبوا منه عمل حاجز بينهما، فجمع المهندسين وقاسوا منسوب ماء البحر المحيط -المحيط الأطلسي- وماء بحر الروم -البحر المتوسط- فكانت النسبة في مستوى الماءين متقاربة، فأمر بشق قناة بين البحر والمحيط، فكان مضيق جبل طارق، وتم الفصل بين المغاربة وأهل الأندلس، ويقال: إن البحر المحيط غمر مناطق كثيرة ومدنًا كانت على شاطئ البحر المتوسط؛ لأن منسوبه كان أعلى، ﴿ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا﴾، فقد حاد عن الشرق وعن الغرب ليرى أطراف الأرض الأخرى فيذرعها بتطوافه،

﴿حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا﴾ أي: أشد تخلفًا من سابقيهم، والظاهر أنهم من أمة المغول، فكلامهم في مراحل تكوينه الأول، فلا يجيدون الكلام إلا فيما بينهم، أما لغة غيرهم فمن المحال فهمها، ومهما قرَّبت لهم اللغة وذللتها للفهم فإنها تستعصي عليهم، لكن ذا القرنين بما آتاه الله من الأسباب استطاع التفاهم معهم، واستمع إلى مطالبهم، وما يحسن حالهم، فكان طلبهم الذي ألحوا عليه هو الشكوى من جيرانهم الذين آذوهم، ﴿قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا﴾، وكان هؤلاء الجيران من قوم يأجوج ومأجوج، فهل كانوا قبيلتين أم قبيلة واحدة؟

فقيل: يأجوج من الترك، ومأجوج من الجبل والديلم، وقيل: قبيلة واحدة، حملت هذا الاسم؛ لأنهم ينتسبون إلى يافث بن نوح، فما حقيقة إفسادهم؟

قيل: كانوا يخرجون إلى أرض القوم المجاورين لهم في الربيع فلا يدعون فيها شيئًا أخضر إلا أكلوه، وقيل: كانوا يأكلون البشر، وقيل: كانوا يمارسون القتل والظلم والتعدي على جيرانهم، وهذا الذي ذكر عنهم يجعلهم مبالغين في الشر، وتجنبهم أولى؛ لذلك طلبوا من ذي القرنين أن يعطوه مالًا ليقيم سدًّا حاجزًا بينهم وبين يأجوج ومأجوج، أقول: إذا كان معهم المال فلمَ لم يقيموا هم السد؟

لعل هناك صعوبات تعترضهم، منها: عدم وجود الخبرة في بناء السد، وربما كان خصومهم لا يمكنونهم من إقامته، فيحتاج إلى قوة كبيرة تحميه؛ ولهذا بذلوا له المال، ﴿قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا﴾، وهنا نسب القوة لله، والعون على هذا العمل منه جلَّت قدرته، فالله أعطاني القوى، ومكنني من تنفيذ أشق الأعمال، فذلك خيرٌ منه ومَنٌّ، ومع ذلك فلا بد لكم من بذل الجهد والعمل لكي تعملوا معي بقوة وجد؛ فالسد لصالحكم، وعليكم أن تبذلوا الجهد لإقامته؛ لكي تشعروا بقيمة العمل وأن البناء لا يأتي من فراغ أو كسل، وإنما يأتي بالكد والجد، وهكذا استعان ذو القرنين بالله أولًا ثم بمشاركة أصحاب المنفعة، فخطط مع مَن معه من أهل الخبرة والهندسة لإقامة سد قوي عجيب الصنعة، لا مثيل له من قبل ولا من بعد، ووزع العمل كل في قدرته وتخصصه، ﴿آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ﴾ قطع الحديد الضخمة والكتل الكبيرة، ﴿حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ﴾ صف القطع بعضها قرب بعض ما بين الجبلين كما يصف البناء من اللبن أو الحجارة طبقة فوق طبقة، إلى أن ارتفع البناء من قطع الحديد، ﴿قَالَ انْفُخُوا﴾ والنَّفخ يعني صنع الكير من الجلد، فإذا سحبوه امتلأ هواء، وإذا ضغطوه أخرج الهواء بقوة، فيعين في إشعال النار بقوة، وكذلك أتوه بالفحم الذي وضع بعناية محسوبة مع الحديد وبين قطعه فأشعلوها نارًا حامية جعلت الحديد يذوب وينصهر فيلتصق بعضه ببعض ليكون كتلة واحدة، وهم على هذه الحال من المرحلة الأولى إذا به قد أعد المرحلة الثانية، ﴿حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا﴾ فكان أن سكب فوقه النحاس المذاب؛ إمعانًا في القوة والتماسك، ولكيلا يصيبه الصدأ، ومثل هذا السد يصور لنا قوة منفِّذه، وارتقاء علمه؛ فعادة ما تبنى السدود بالحجارة لحجز المياه، وهذا السد بني بالحديد والنحاس، ومن المعلوم أن الفحم المحترق مع الحديد يعطي الحديد صلابة وقوة، ومن هذين العنصرين يصنع الفولاذ؛ لذلك عقب بعد الانتهاء والفراغ منه، ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾ إذًا كان هذا السد لأغراض خاصة غير حجز المياه؛ فقد قطع عليهم طريق غزو جيرانهم، وكان ناعمًا أملس شديد الارتفاع لا يستطيعون ارتقاءه، فهذا صعب، والأصعب من ذلك أنهم لا يستطيعون نقبه، وهذا بادٍ من كلمتي “اسطاعوا واستطاعوا”؛ فزيادة المبنى في الكلمة تدل على زيادة المعنى، وأخرج البخاري معلقًا: أن رجلًا أتى النبي ﷺ فقال: رأيت السد، قال: وكيف رأيته؟، قال: مثل البرد المحبرة -أي المخططة- فقال: رأيته هكذا،

وأخرج ابن جرير عن قتادة: أن رجلًا قال: يا رسول الله، قد رأيتُ سد يأجوج ومأجوج، قال: انعَتْه لي، قال: كالبرد المحبرة، طريقة سوداء وطريقة حمراء، قال: قد رأيتَه؛ أي: وافقه على الوصف، والبرد: مفردها بردة، وهي العباءة، وهذا يعني أنه كما وُصف مؤلف من طبقة حديد حتى إذا صهرت بالفحم وضع فوقها طبقة من النحاس المذاب، وهكذا طبقة من الحديد ثم فوقها أخرى من النحاس، إلى أن بلغ قمم الجبلين ارتفاعًا ليسد ما بينهما.

﴿قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا﴾، رحمة لأولئك الجيران المتشكين وللأمم المجاورة، بحيث كف أذى هؤلاء الأشرار عنهم، وجعلهم يعيشون بأمان، ولكن إلى أجل، فإذا انقضى هذا الأجل فإن السد سينصدع ويتداعى، فينفتح الطريق ليأجوج ومأجوج في آخر الدهر لينطلقوا من محبسهم وإسارهم للتخريب الذي فطروا عليه والأذية التي لا تقف أمامها قوة كالتي كانت لذي القرنين حين كف أذاهم عن الجيران، بل وعن العالم، ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ . وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ فهذا الحجز وراء السد سيكون محضن تكاثر وتفريخ، فإذا ما أتيح لهم الخروج فسوف يتدفقون أفواجًا لا عدَّ لها، ﴿وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا﴾، وهذا دليل تكاثرهم المفرط.

٦- رحلة ذو القرنين الثالثة:

تختلف عن الرحلتين السابقتين من حيث طبيعة الأرض والتعامل مع البشر وكان المنطقة، ومن حيث الأعمال التي قام بها، فلم يقتصر فيها على الأعمال الجهادية لكبح جماح الأشرار والمفسدين، بل قام بعمل عمراني هائل، أما الأرض فوعرة المسالك، وأما السكان ـ وكأن وعورة الأرض قد أثرت في طبائعهم، وطريقة تخاطبهم مع غيرهم ـ ففي التفاهم والمخاطبة لا يكاد الإنسان منهم يقدر على التعبير عما في نفسه، ولا أن يفقه ما يحدثه به غيره من غير بني قومه: “وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لَّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا”.
واشتكى هؤلاء السكان من بطش يأجوج ومأجوج، فما كان من ذي القرنين إلا أن استغل طاقات هؤلاء المعطلة واستعملهم، وأشركهم في العمل معهم، ولم يدعهم يشاهدون ما يحدث ويقفون موقف المتفرج، بل موقف العامل المؤثر في الأحداث.
إذن فهو قوّى هؤلاء الضعفاء الذين كان يهاجمهم يأجوج ومأجوج، بأن علمهم كيف يعينون أنفسهم وكيف يبنون السد وجعلهم هم الذين يشتركون في البناء وهم الذين يقيمونه، وأعانهم هو بخبرته وعلمه فقط، ليأخذوا الثقة في أنفسهم بأنهم يستطيعون حماية أنفسهم وليتعلموا ما يعينهم ويحميهم، والإسلام ينهانا أن نعوّد الناس على الكسل أو نعطيهم أجرًا بلا عمل -البطالة المُقنّعة-؛ لأن ذلك هو الذي يفسد المجتمع، فالإنسان متى تقاضى أجرًا بلا عمل لا يمكن أن يعمل بعد ذلك أبدًا.
إن ذا القرنين قام بمهمة الحاكم الممكن له في الأرض، فقوّى المستضعفين وجعله قادرًا على حماية أنفسهم من العدوان ولا يعتمد على حماية أحد، ولم يترك الناس في مقاعد المتفرجين بل نقلهم إلى ساحة العاملين. فعندما تحرك القوم المستضعفون نحو العمل بقيادة ذي القرنين، وصلوا إلى هدفهم المنشود، وغايتهم المطلوبة.
ونقف مع ذي القرنين بعد أن تمّ بناء السد:
– نظر ذو القرنين إلى العمل الضخم الذي قام به فلم يأخذه البطر والغرور، ولم تسكره نشوة القوة والعلم، ولكنه ذكر الله فشكره، ورد إليه العمل الصالح الذي وفقه إليه.
– ذكر ذي القرنين لربه عند انجاز عمله، يعلمنا كيف يكون ذكر الله سبحانه، فإن من أعظم صور الذكر، هي أن يذكر العبد ربه عند توفيقه في عمل، فيستشعر أن هذا بأمر ربه، فيتواضع ويعدل ويذكر ويشكر. فالتوفيق من الله وعلى كل قائد ناجح أن يعلم أنه لولا توفيق الله له ما كان لينجح ولذلك قال ذو القرنين: (قال هذا رحمة من ربي)
– كان بناء السد رحمة من الله تعالى، وقد استخدم ذو القرنين علمه الذي علمه الله إياه، وتمكينه الذي مكنه الله له، استخدمه في مساعدة الناس وتقديم الخير لهم، منع العدوان عنهم، فكان علمه رحمة من ربه، وكان استخدامه له رحمة من ربه.
– كان القوم مهدّدين بيأجوج ومأجوج، معرضين لإفسادهم ولم يحمهم منهم إلا الله ببناء السد، فكان السد رحمة من الله لهم، وكان خلاصًا لهم وإنقاذًا بإذن الله، فلو لم يتم عمل ولا جهد ولا حركة، لما انقذوا أنفسهم من الخطر؛ لأن الإنقاذ لا يتم إلا بالعمل والجهد المتواصل وتكاتف الجهود والانقياد الطوعي للشعوب لشرع الله خلف القيادة الربانية. “فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا”.
وتجلى كل ذلك عن طريق العمل الجماعي: وهذا بين في قوله (فأعينوني ..)، والتوظيف الأمثل للطاقات البشرية: فلقد وظف ذو القرنين طاقات القوم فيما يحسنوا وطلب منهم العون بالقوة وليس بالمال أو العلم، واستغلال الموارد المتاحة؛ فلقد استخدم ما لديهم من مواد مثل الحديد والنحاس وغيرها. ووضوح التعليمات والأوامر الصادرة من القيادة؛ فلقد كان ذو القرنين محددًا فيما يطلبه وواضحًا وضوحًا شديدًا كما في قوله (آتوني، انفخوا..)
وبهذا يمكننا أن نتخيل إمبراطورية “ذو القرنين” وهي تمتد من حدود الصين شرقا عبورًا بالهند والسند وفارس، ثم أرض العراق والشام وآسيا الوسطى، عبورًا بمصر وشمال أفريقيا حتى بلاد المغرب والأندلس، ومن ثم ضمت تحت ظلالها شعوبًا وحضارات وثقافات عدة، وكانت من أقوى الدول في زمنها، وقد تأسست في فترة وجيزة قد لا تتجاوز متوسط العمر الطبيعي (٦٠- ٧٠) عامًا، وبقائد مسلم فذ.
إن قيام حضارة كبيرة ودولة واسعة ليس بالأمر الصعب إذا ما وجدت القيادة القادرة صاحبة الإرادة التي تمتلك من خصائص الشخصية والأخلاق ما يجعلها صانعة للمجد
٧- الدروس والعبر
قصة ذي القرنين صفحة واحدة من كتاب الله في سورة الكهف اشتملت على أكثر من عشرين صفة من صفات القائد الناجح فقد جمعت جمعًا عجيبًا بين الصفات الفنية والأخلاقية الواجب توافرها في القائد وهي:
التمكين: أول ما يستوجب تمام القيادة أن يكون القائد ذو صلاحيات تمكنه من تحقيق الأهداف المطلوبة منه ولهذا كانت بداية القصة (إنا مكنّا له في الأرض) وهذا التمكين يكون عن طريق العلم:
فالعلم وسيلة يصل بها الإنسان إلي ما يريد وسبب لتحقيق الأهداف وتحصيل النتائج لذا كان على القادة بذل الجهد في تحصيل العلم الذي يحقق متطلبات عملهم. (وآتيناه من كل شئ سببا). والأخذ بأسباب العلم ووسائله:
لم يكتف القرآن بتحديد العلم فقط كصفة قيادة ولكنه أتبعه بضرورة العمل بهذا العلم والأخذ بأسبابه فقال (فأتبع سببا) التعليم والتوجيه: فلقد علّمهم ذو القرنين كيفية بناء سد منيع.
التعليم بالعمل: وأشركهم في العمل ليكون التعليم واقعًا عمليًا ملموسًا وليس نظريًا.
أ ـ الدستور العادل:
إن المنهجية التي سار عليها ذو القرنين كحاكم مؤمن جعلته يلتزم بمعاني العدل المطلق في كل أحواله وسكناته ولذلك ساق الناس والأمم والشعوب التي حكمها بسيرة العدل، فلم يعامل الأقوام التي تغلب عليها في حروبه بالظلم والجور والتعسف والتجبر والطغيان والبطش، وإنما عملهم بهذا المنهج الرباني، قال تعالى: “قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا . وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا” (الكهف: ٨٧: ٨٨).
وهذا المنهج الرباني الذي سار عليه يدل على إيمانه وتقواه، وعلى فطنته وذكائه، وعلى عدله ورحمته، لأن الناس الذين قهرهم وفتح بلادهم، ليسوا على مستوى واحد، ولا على صفات واحدة، ولذلك لا يجوز أن يعاملوا جميعاً معاملة واحدة، فمنهم المؤمن ومنهم الكافر، ومنهم الصالح، ومنهم الطالح، فهل يستوون في المعاملة؟ ذو القرنين: أما الظالم الكافر وسوف نعذبه لظلمه وكفره، وهذا التعذيب عقوبة له، فنحن عادلون في تعذيبه في الدنيا، ثم مرده إلى خالقه لينال عذابه الأخروي.
ب ـ المنهج التربوي للشعوب:
إن الله تعالى أوجب العقوبة الدنيوية على من ارتكب الفساد في المجتمع وكلف أهل الإيمان ممن مكن لهم في الأرض أن يحرصوا على تنفيذ العقوبات للمفسد والظالم لكي تستقيم الحياة في الدنيا.
إن ذا القرنين يقدم لكل مسئول أو حاكم أو قائد منهجًا أساسيًا، وطريقة عملية لتربية الشعوب على الاستقامة والسعي بها نحو العمل لتحقيق العبودية الكاملة لله تعالى.
إن التربية العملية للقيادة الراشدة هي التي تجعل الحوافز المشجعات هدية للمحسن ليزداد في إحسانه وتفجر طاقة الخير العاملة على زيادة الإحسان وتشعره بالاحترام والتقدير وتأخذ على يد المسيء لتضرب على يده، حتى يترك الإساءة وتعمل على توسيع دوائر الخير والإحسان في أوساط المجتمع وتضييق حلقات الشر إلى أبعد حد وفق قانون الثواب والعقاب المستمد من الواحد الديان .
يقال أن ذو القرنين وصل إلى منطقة فيها قبائل بدائية، لا يفقهون قولا، ولا يجيدون الزراعة، ولا حياكة الملابس، ولا بناء المنازل، حفاةً عراة، اتخذوا الجحور مساكن لهم، وعلى الفور باشر ذو القرنين في جمع هؤلاء الناس، وبدأ في تعليمهم القراءة والكتابة والزراعة وبناء المنازل والسدود، لجمع المياه وصناعة الملابس، فجاء أحد القادة الدينيين إلى ذو القرنين، وقال له: ألا ندعوهم أولا لعبادة الله الواحد القهار، حتى لا نصنع الخير في غير أهله؟!
فالتفت إليه ذو القرنين قائلاً: “فلنستر عورتهم ونُشبع بطونهم، وبعدها سوف نتحدث عن هذا الأمر”.
ومكث فيهم ذو القرنين مدة من الزمن، حتى أصبح هؤلاء الناس يجيدون اللغة والزراعة والصناعة، وأصبحوا مجتمع مختلف تمامًا عن ما كانوا عليه.
عندها باشر ذو القرنين في جمع جنوده، وأمرهم بالاستعداد للرحيل، وما أن سمع أهل تلك المنطقة الخبرذهبوا إلى ذو القرنين يسألونه عن الدين الذي يتبع، والرب الذي يعبد!!؟
فقام ذو القرنين يشرح لهم، وأخبرهم عن الله الواحد الأحد، ولم يكد ينهي حديثه، حتى آمن كل أبناء تلك القبائل برب ذو القرنين.
عندها التفت ذو القرنين إلى ذلك القائد الديني وقال له: دع عملك وأخلاقك تحدث الناس عن دينك وما تعبد
إنها ديناميكية الحركة
٨- ديناميكية الحركة:
إن القائد الناجح هو الذي يجوب نطاق عمله من أوله إلي آخره ولا يجلس في مقر قيادته وينتظر من ينقل إليه الأخبار ولذا طاف ذو القرنين في أرجاء ملكه شرقًا وغربًا ليحقق ما أراد الله منه باستخلافه على الأرض (حتي إذا بلغ مغرب الشمس …) (حتي إذا بلغ مطلع الشمس ….)
ج ـ الاهتمام بالعلوم المادية والمعنوية وتوظيفها في الخير:
قصة ذي القرنين تدل على وجوب الأخذ بالأسباب وبيان أن ذلك ضروري للنهوض الحضاري للأمم، وقد قدم القرآن الكريم “ذا القرنين” أنموذجًا متجسدًا لربط الأسباب بالمسببات والمقدمات بالنتائج واعتبر ذلك مقدمة لابد منها للنهوض والإنجاز الحضاري، قال تعالى: “إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا” إنه شخص مكن له رب السماوات والأرض الخالق المدبر المتصرف في شؤون الكون، رب العزة والجبروت مكن له في الأرض وآتاه من كل شيء سببًا، وينصرف ذهن السامع أو القارئ إلى وجوه التمكين له في الأرض. مكن له في العلوم والمعرفة واستقراء سنن الأمم والشعوب صعوداً وهبوطاً. ومكن له في سياسة النفوس أفرادًا وجماعات تهذيبًا وتربية وانتظاماً. ومكن له في أسباب القوة من الاسلحة والجيوش وأسباب القوة والمنعة والظفر. ومكن له في أسباب العمران وتخطيط المدن وشق القنوات وإنماء الزراعة.
ومهما قيل ومهما تصور من أسباب التمكين الحسنة التي تليق برجل رباني قد مكن له في هذه الأرض يمكن أن يدخل تحت قوله تعالى: “إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا”، ويبقى للتصور مجال وللخيال سعة لاستشفاف صورة هذا التمكن وأشكاله، وذلك من خلال المؤكدات العدة التي وردت في الآية الكريمة. لقد كان ذو القرنين على علم باخبار الغيب التي جاءت بها الشرائع، ومع ذلك لم يتخذ من الأقدار تكئة لتبرير القعود والهوان، فقد بنى السد وبذل فيه الجهد، مع علمه بأن له أجلاً سوف ينهدم فيه لا يعلمه إلا الله.
د ـ فقهه في إحياء الشعوب:
إن حركة ذي القرنين الدعوية والجهادية جعلته يحتك بالشعوب والأمم وتكلم القرآن الكريم عن رحلاته:
– الرحلة الأولى: لم يحدد القرآن الكريم نقطة الانطلاق فيها وحدد النهاية إلى مغرب الشمس ووجد عندها قوماً، فدعاهم إلى الله تعالى، وسار فيهم بسيرة العدل والإصلاح. قال تعالى: “أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا . وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا”. إنه التحفيز لإجادة العمل وشكر من أحسن عمله يكون حافزًا له على الإجادة والصلاح وقد يكون أيضًا بتذكيره بمردود هذا العمل عليه في الدنيا أو الآخرة (فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا)
– الرحلة الثانية: وهي رحلة المشرق حيث يصل إلى مكان يبرز لعين الرائي أن الشمس تطلع من خلف الأفق، ولم يحدد السياق أهو بحر أم يابسة، إلا أن القوم الذين كانوا عند مطلع الشمس كانوا في أرض مكشوفة بحيث لا يحجبهم عند شروقها مرتفعات جبلية أو أشجار سامقة، وذهب الشيخ محمد متولي الشعراوي إلى أن المقصود بقوله تعالى: “لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا”، هي بلاد القطب الذي تكون فيه الشمس ستة شهور لا تغيب طوال هذه الشهور ولا يوجد ظلام يستر الشمس في هذه الأماكن. ونظرًا لوضوح سياسة ذي القرنين في الشعوب التي تمكن منها وهو الدستور المعلن في رحلة الغرب لم يكرر هنا إعلان مبادئه لأنها منهج حياة ودستور دولة مترامية الأطراف وسياسة أمم فهو ملتزم بها أينما حل أو ارتحل.
– العدل:
الحكم بين الناس بالعدل مبدأ يكفل راحة وطمأنينة الرعية والمرؤوسين ومن شاكلهم فالظالم يؤخذ على يديه لتستقر الحياة ويأمن الناس (حتى إذا بلغ مغرب الشمس … أما من ظلم فسوف نعذبه…) إنها سياسة العدل التي تورث التمكين في الحكم والسلطة وفي قلوب الناس الحب والتكريم للمستقيمين، وإدخال الرعب في قلوب أهل الفساد والظلم، فالمؤمن المستقيم يجد الكرامة والود والقرب من الحاكم، ويكون بطانته وموضع عطفه وثقته ورعاية مصالحه وتيسير أموره، أما المعتدي المتجاوز للحد، المنحرف الذي يريد الفساد في الأرض فسيجد العذاب الرادع من الحاكم في الحياة ثم يرد إلى ربه يوم القيامة ليلقى العقوبة الأنكى بما اقترفت يداه في حياته الأولى.

– المرجعية:

فالقيادة وفق منهج واضح المعالم قائم على نظرية الثواب والعقاب ولا يترك الناس لهواهم (قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا) أيضًا نلاحظ مبدأ غلق باب الكسب غير المشروع أمام القادة، فلا يحق للقائد أخذ أجر على عمل مكلف به إلا ممن كلفه بالعمل فلا يقبل هدية أو عطية بسبب منصبه أو ما مكنه الله له، ولعل أبرز الصفات التي يجب أن يتحلى بها كل مسؤل هي

العفة وطهارة اليد: فالقائد الحق هو من لا يستغل حاجات رعيته وينهب ثرواتهم بحجة أنه يقوم على رعايتهم وتحقيق مصلحتهم.

أيضًا نلاحظ مبدأً هامًا من أهم مبادئ القيادة الناجحة وهو: التواصل والاستماع للشكوى:

فلابد للقائد الناجح من فتح قنوات اتصال بينه وبين من هو مسؤول عنهم وأن يستمع إليهم على كافة درجاتهم وطوائفهم وأن يكون الاتصال مباشرًا دون عائق (قالوا يا ذا القرنين..) (قال ما مكني..) ثم يأتي موقف يمر عليه الكثيرون مرورًا عابرًا ولكنه يرسم مجموعة من الصفات الأخلاقية في القائد عندما يعرض عليه رعيته مكسبًا دنيويًا مقابل القيام بعمل لهم فيرفض رفضًا قاطعًا ويفضل ثواب الله عليه، ومن الصفات المستنبطة من هذا الموقف الرائع.

– الإحساس بالمسؤولية:

عندما يشعر القائد بالمسؤولية تجاه من يقودهم فإن هذا يكون دافعًا لتحقيق مصالحهم دون التكسب من وراء ذلك.

– نصرة المظلوم: فنصرة المظلوم واجب لا يحتاج إلى مقابل، وهذا ما ظهر واضحًا لدى ذي القرنين. ولا ينبغي أن يحيد عن هذه الأهداف حتى ولو اضطر إلى استخدام القوة في التعمير والإصلاح.

– تحقيق المطلوب بأيسر الطرق وأقل خسارة ممكنة:

فلقد كان ممكنًا لذي القرنين أن يقاتل يأجوج ومأجوج ولكنه فضل عزلهم ودفع شرهم بأبسط الطرق.

هـ ـ إحاطة الله علمًا بذي القرنين وجيشه:

التوازن المدهش والخلاب في شخصية ذي القرنين سببه إيمانه بالله تعالى واليوم الآخر، ولذلك لم تطغ قوته على عدالته ولا سلطانه على رحمته، ولا غناه على تواضعه، وأصبح مستحقاً لتأييد الله وعونه.

إن قصة ذي القرنين تدل على وجوب الأخذ بالأسباب وبيان أن ذلك ضروري للنهوض الحضاري للأمم، وقد قدم القرآن الكريم “ذا القرنين” أنموذجًا متجسدًا لربط الأسباب بالمسببات والمقدمات بالنتائج واعتبر ذلك مقدمة لابد منها للنهوض والإنجاز الحضاري وبذلك لم يكتف القرآن بتأكيد موضوع السنن. والأسباب نظريًا، لقد مكن الله له في الأرض فأعطاه سلطانًا وطيد الدعائم ويسّر له أسباب الحكم والفتح وأسباب البناء والعمران، وأسباب السلطان والمتاع، وسائر ما هو من شأن البشر أن يمكنوا فيه في هذه الحياة “فَأَتْبَعَ سَبَبًا”.

إن قصة ذي القرنين من قصص القرآن التي يتمثل بها من الدلالة على القدرة الفائقة لأصحابها ومدى ما كانوا عليه من قوة وتمكين، ولكن بواسطة ما سنّة الله من أسباب في هذا الكون، ووسائل تؤدي إلى غاياتها المراد منها، لتمثل بذلك أنموذجاً لكل مسلم يريد أن يسلك في هذه الحياة على هدي من الفهم لسنن الله في الخلق، وليتقين كل أحد أن التمكين في الأرض والسعادة في الآخرة، إنما يتحصل بأسباب ووسائط سواء المادي منها والمعنوي، من ما تحقق به ذو القرنين.

وـ أخلاقه القيادية:

إن شخصية ذي القرنين تميزت بأخلاق رفيعة ساعدته على تحقيق رسالته الدعوية والجهادية في الحياة ومن أهم هذه الأخلاق:

الصبر:

فقد كان جلدًا صابرًا على مشاق الرحلات، فمثلاً تلك الحملات التي كان يقوم بها تحتاج إلى جهود جبارة في التنظيم والنقل والتحرك والتأمين، فالأعمال التي كان يعملها تحتاج إلى جيوش ضخمة، وإلى عقلية يقظة، وذكاء وقاد، وصبر عظيم وآلات ضخمة وأسباب معينة على الفتح والنصر والتملك.

مهابته:كانت له مهابة ونجابة يستشعرها من يراه لأول مرة، ولكنها ليست مهابة الملوك الظلمة الجبارين فعندما بلغ بين السدين ووجد القوم المستضعفين، استأنسوا به، ووجدوا فيه مخلصًا من الظلم والقهر الواقع عليهم فبادروه بسؤال المعونة فمن الذي أدراهم بأنه لن يكون مفسداً مثل المفسدين أو الظالمين، ومعه من القوة والعدة ما ليس لمثلهم.

١٠- الشجاعة:
كان قوي القلب جسورًا غير هياب من التبعات الضخمة والمسؤوليات العظيمة إذا كان في ذلك مرضاة الله سبحانه، فإن ما طلب من إقامة السد كان عملاً عظيماً في ذاته، حيث أن القوم المفسدين كان من الممكن أن يوجهوا إفسادهم إليه وإلى جنوده ولكنه أقدم وأقبل غير متأخر ولا مدبر.
التوازن في شخصيته:
فلم تؤثر شجاعته على حكمته، ولم ينقص حزمه من رحمته، ولا حسمه من رفقه وعدالته، ولم تكن الدنيا كلها -وقد سخرت له- كافية لإثنائه عن تواضعه وطهارته وعفته.
كثير الشكر:
لأنه كان صاحب قلب حي موصول بالله تعالى، فلم تسكره نشوة النصر، وحلاوة الغلبة بعدما أذل كبرياء المفسدين، بل نسب الفضل إلى ربه سبحانه وقال: “هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي”.
العفة:
كان مترفعًا عن مال لا يحتاجه ومتاع لا ينفعه، فإن القوم المستضعفين لما شكوا إليه فساد المفسدين، عرضوا عليه الخراج، فأجابهم بعفة وديانة وصلاح: إن الذي أعطاني الله من الملك والتمكين خير لي من الذي تجمعونه، وما أنا فيه خير من الذي تبذلونه.
إن التوازن المدهش والخلاب في شخصية ذي القرنين سببه إيمانه بالله تعالى واليوم الآخر، ولذلك لم تطغ قوته على عدالته ولا سلطانه على رحمته، ولا غناه على تواضعه، وأصبح مستحقاً لتأييد الله وعونه، ولذلك أكرمه الله تعالى بالأخذ بأسباب التمكين والغلبة، وهو تفضل من الله تعالى على عبده الصالح، فجعل له مكنة وقدرة على التصرف في الأرض من حيث التدبير والرأي وكثرة الجنود والهيبة والوقار.
وكذلك أكرمه الله بكثرة الأعوان والجنود وقذف الرعب في قلوب الأعداء وتسهيل السير عليه، وتعريفه فجاج الأرض واستيلائه على برها وبحرها ، وتمكنه بذلك من تملك المشارق والمغارب من الأرض، فكل هذه الأمور لا تعطي لشخص عادي، ولا يمكن أن يحققها حاكم بحوله وقوته وذكائه مهما بلغ، إلا أن يكون مؤيداً من الله، ذلك التأييد الذي ينصر الله به عباده المؤمنين، ويدل على هذه العناية أيضاً ضمير العظمة في قوله: “وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا”، أي: أمده بكل ما أراده من مهمات ملكه ومقاصده المتعلقة بسلطانه، فزوده بعلم منازل الأرض وأعلامها وعرفه ألسنة الأقوام الذين كان يغزوهم فكان لا يغزو قوماً إلا كلمهم بلسانهم.
لقد أعطاه الله تعالى من كل شيء سبباً، وينصرف ذهن السامع أو القارئ إلى وجوه التمكين له في الأرض، وأسبابه من العلوم والمعرفة واستقراء سنن الأمم والشعوب صعودًا وهبوطًا، وفي سياسة النفوس أفرادًا وجماعات تهذيبًا وتربية وانتظامًا، وأعطاه من أسباب القوة من الأسلحة والجيوش وأسباب القوة والمنعة والظفر، وأسباب العمران وتخطيط المدن وشق القنوات وإنماء الزراعة، وقيل: مهما تصور من أسباب التمكين التي تليق برجل رباني قد مكن له في هذه الأرض. يمكن أن يدخل تحت قوله تعالى: “إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا”.
لقد كانت رعاية الله تعالى لذي القرنين عظيمة بسبب إيمانه بالله تعالى واستعداده لليوم الآخر، ولذلك فتح له باب التوفيق وفق ما سعى إليه من أهداف وغاية سامية. لقد بذل ذو القرنين ما في وسعه من أجل دعوة الناس إلى عبادة الله فقد جمع بين الفتوحات العظيمة بحد السيف، وفتوحات القلوب بالإيمان والإحسان، فكان إذا ظفر بأمة أو شعب دعاهم إلى الحق والإيمان بالله تعالى قبل العقاب أو الثواب، وكان حريصاً على الأعمال الإصلاحية في كافة الأقاليم والبلدان التي فتحها، فسعى في بسط سلطان الحق والعدالة في الارض شرقاً وغرباً، وكان صاحب ولاء ومحبة لأهل الإيمان، مثلما كان معادياً لأهل الكفران.
الأخذ بالأسباب في القرآن الكريم
سنن الله في كونه وشرعه تحتم علينا الأخذ بالأسباب كما فعل ذلك أقوى الناس إيماناً بالله وقضائه وقدره وهو الرسول عليه الصلاة والسلام، لقد قاوم الفقر بالعمل، وقاوم الجهل بالعلم.
في معنى العبادة وشروطها وحقيقتها
دائرةَ العبادةَ التي خلق الله لها الإنسان، وجعلها غايته في الحياة، ومهمته في الأرض دائرةٌ رحبةٌ واسعةٌ، إنها تشمل شؤون الإنسان كلها، وتستوعبُ حياته جميعاً، وتستغرقُ مناشطه، وأعماله كافة.
قبره ذكر الهمداني في كتابه صفة الجزيرة عن وجود قبر ذي القرنين في مدينة أبها فقال: «وهي أبها وبها قبر ذي القرنين فيما يقال عثر عليه على رأس ثلاثمئة من تاريخ الهجرة،»، وله مسجد بالقرب من القبر على طراز قديم جدًا ينسب إليه.

اترك تعليقاً