لماذا لا يجب على العالم إقناع المعاندين في كل شيء ؟
11 يناير، 2025
العلم والعلماء

بقلم الدكتور الشيخ / محمد سعيد صبحي السلمو ( الأزهرى البابي الحلبي )
من وحي الواقع
لماذا لا يجب على العالم إقناع المعاندين في كل شيء ؟
لماذا كثرة السؤال غير محمودة؟
لماذا كثرة التساؤل والاختلاف مكروهة ؟
لماذا لا يطلب من العالم ان يعطيك الدليل على كل شي؟
اقرأ ما يلي:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما نهيتكم عنه ، فاجتنبوه ، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم . رواه البخاري ومسلم .
وفي “مسند البزار ” عن ابن عباس ، قال: ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – ما سألوه إلا عن اثنتي عشرة مسألة، كلها في القرآن: يسألونك عن الخمر والميسر يسألونك عن الشهر الحرام ويسألونك عن اليتامى وذكر الحديث .
وعن ابن عمر ، قال: لا تسألوا عما لم يكن، فإني سمعت عمر لعن السائل عما لم يكن .
وقال الشعبي : سئل عمار عن مسألة فقال: هل كان هذا بعد؟ قالوا: لا، قال: فدعونا حتى يكون، فإذا كان تجشمناه لكم .
ويروى من حديث ثوبان عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “سيكون أقوام من أمتي يغلطون فقهاءهم بعضل المسائل، أولئك شرار أمتي ” .
وقال ابن وهب عن مالك : أدركت هذه البلدة، وإنهم ليكرهون هذا الإكثار الذي فيه الناس اليوم، يريد المسائل .
وقال أيضا: سمعت مالكا وهو يعيب كثرة الكلام وكثرة الفتيا، ثم قال: يتكلم كأنه جمل مغتلم يقول: هو كذا، هو كذا يهدر في كلامه .
وقال: وسمعت مالكا يكره الجواب في كثرة المسائل، وقال: قال الله عز وجل: ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي فلم يأته في ذلك جواب . وكان مالك يكره المجادلة عن السنن أيضا . قال الهيثم بن جميل: قلت لمالك : يا أبا عبد الله ، الرجل يكون عالما بالسنن يجادل عنها؟ قال: لا، ولكن يخبر بالسنة، فإن قبل منه، وإلا سكت .
وقال إسحاق بن عيسى: كان مالك يقول: المراء والجدال في العلم يذهب بنور العلم من قلب الرجل .
الكثير من أدلة الاحكام الفقهية لا يستوعبها من لم يدرس اصول الفقه واللغة العربية والقواعد الفقهية
فيكفينا قول ائمة المذاهب الاربعة ، فهي الدليل بالنسبة لنا كعامة
كل شيء يحكمون عليه بدعة
مع أن الادلة السابقة تنهى عن السؤال عما لم يكن ، و النهى فقط عما ورد فيه التحريم صراحة
مثل المصافحة بعد الصلاة
لم يرد فيها نهي
ولكن الادلة العامة تبيحها وتحث عليها
مثل فضل سلام المؤمن على أخيه المؤمن
حتى انهم لا يطلبون الدليل من مشايخهم ولا يطلبون الإقناع
يطلبون الدليل فقط ممن يخالفهم
فهذا زمن انقلاب الموازين
وزمن الفنانين والرياضيين
إذا عاد العلماء إلى مكانتهم وعزتهم فستعود الامة إلى زمن عزتها
*لماذا لا يجب على العالم إقناع المعاندين في كل شيء؟
من خلال هذه الأسئلة والتأملات، نلاحظ أن المعرفة العلمية والتعامل مع الاختلافات الفكرية في الأمة يتطلب حكمة وتوازنًا. لنأخذ هذه النقاط واحدة تلو الأخرى:
1. لماذا لا يجب على العالم إقناع المعاندين في كل شيء؟
– المعاند هو الذي يرفض الحق ويُصر على مخالفة الأدلة ولا يقبل النقاش.
العالم لا يُطلب منه إقناع المعاندين لأنه لا فائدة من الحوار مع من اتخذ قلبه مغلقًا ضد الحق، ولا يستجيب للعلم.
في الحديث الشريف:
– “إنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم.” (رواه البخاري ومسلم)
– هذه الكلمات تُبيّن أن كثرة الجدال والتساؤلات التي لا طائل منها تؤدي إلى الفتن والضلال، وبالتالي يجب على العالم أن يتجنب الجدال مع المعاندين.
– الهدف من العلم والدعوة ليس إقناع المكابرين الذين لا يريدون الوصول إلى الحقيقة، بل إرشاد الناس الذين يبحثون عن الحق.
2. لماذا كثرة السؤال غير محمودة؟
– كثرة الأسئلة غير المحمودة تكون عندما تصبح الأسئلة مجرد جدال أو مناقشة لمجرد النقاش، وليس طلبًا للحق.
– كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم.”
– من هذا الحديث نعلم أن كثرة الأسئلةالتي تتجاوز حدود الحاجة تؤدي إلى الفتن والاختلافات.
كان الصحابة يقتصرون على الأسئلة الضرورية التي تخدم دينهم وتساعدهم على فَهْمِ شريعتهم.
3. لماذا كثرة التساؤل والاختلاف مكروهة؟
– كثرة التساؤل والاختلاف تؤدي إلى تنمية الفتن بين المسلمين. عندما يكثر النقاش حول مسائل غير أساسية أو غير مهمة، فإن ذلك يُسهم في تشتيت الجهود والتركيز على القضايا الهامة.
– الأئمة الأربعة كانت آراؤهم في العديد من القضايا تختلف، لكن كل واحد منهم كان يركز على ما ينفع الأمة من خلال الوحدة والعمل على نشر العلم، وليس على نشر الخلافات.
– الاختلاف في الأمة كان يُدار بحكمة و علم، فلم يكن الهدف منه إحداث قتال فكري، بل كان الهدف هو التوجيه والإرشاد بما يتناسب مع الزمان والمكان.
4. لماذا لا يطلب من العالم أن يعطيك الدليل على كل شيء؟
– طلب الدليل في كل شيء ليس مطلوبًا أو ضروريًا في جميع الحالات.
في كثير من الأحيان، العالم لا يملك الوقت أو الوسائل لإثبات كل شيء، خاصة إذا كان السؤال يستهدف إحداث الخلاف أو المغالطة.
– الأئمة الأربعة وفهمهم للأدلة لم يُطلب منهم أن يضعوا دليلًا تفصيليًا على كل مسألة، بل اعتمدوا على القواعد والاصول والادلة العامة
وأدلتهم ليست في متناول فهم اي شخص.
فكلام الائمة الاربعة في مسألة هو الدليل بحد ذاته
– *لإيمان بالحق يجب أن يكون مرجعية أساسية، وليس الجدال حول كل قضية.
5. النقد والفتوى في زمننا:
– اليوم، في زمن الفتن والانقسام، أصبح هناك طلب دائم للدليل من العلماء، ولكن للأسف، في أغلب الأحيان، يأتي ذلك من أشخاص لا يريدون الحق.
– هؤلاء الأشخاص غالبًا ما يستخدمون الدليل كحجة لتحطيم آراء العلماء، وليس للتعلم أو الفهم.
– الأمة اليوم بحاجة إلى العودة إلى العلم الذي يُنير طريق المسلمين بعيدًا عن الفتن والخلافات.
العلماء ليسوا محاميين يجب عليهم إثبات كل شيء، بل هم مُرشدون يوضحون الحق ويسعون لتحقيق الوحدة بين المسلمين.
6. لماذا لا يطلب الدليل من المهندس والطبيب؟
– في التخصصات مثل الطب والهندسة، لا يُطلب من الناس دائمًا دليلًا على كل قرار يتخذونه، بل يُؤمن الناس بخبرة المتخصصين.
– نفس الشيء يجب أن يكون مع العلماء، حيث يُطلب منهم إرشاد الأمة في أمور الدين، دون أن يُشترط عليهم إثبات كل مسألة بشكل تفصيلي.
7. إهانة العلماء اليوم:
– للأسف، العلماء اليوم يُستهان بهم، ويُطلب منهم دائمًا إثبات كل شيء حتى في القضايا التي لا تحتاج إلى إثبات.
– في زمن الأنبياء والصحابة كان هناك تقدير كبير للعلماء، وكان العالم يُعتبر مرشدًا للأمة.
– ولكن اليوم، في ظل الفتن، أصبح العلماء هدفًا للهجوم من قبل المعاندين الذين لا يسعون إلا لإثارة الجدل والتفرقة.
الخلاصة:
– العالم ليس مطالبًا بأن يُقنع المعاندين أو أن يُثبت دليلًا على كل مسألة، بل يجب أن يُركز على الحق ويعمل على إرشاد الأمة نحو الوحدة والتقوى.
– كثرة السؤال والاختلاف في المسائل التي لا طائل منها تؤدي إلى الفتن والانقسام، لذا يجب على الأمة أن تُركّز على ما ينفع وأن تترك الجدل البيزنطي الذي لا ينتهي.
– الفتوى لا يجب أن تكون محل نزاع بل وسيلة لإيصال الحق وتوحيد الأمة، ولا ينبغي أن تكون وسيلة للجدل والتشكيك.
قالت امرأة لإبراهيم النخعي:
يا أبا عمران، أنتم العلماء أحَدُّ الناس (يعني صدوركم ليست وسيعة).
فقال لها: ما ذكرت من الحدَّة فإن العلم معنا والجهل مع مخالفينا،
وهم يأبون إلا دفع علمنا بجهلهم، فمن ذا يطيق الصبر على هذا؟