الإسلام في شخص علم من أعلامه

بقلم الشيخ : عبدالله أحمد محمد زينة – عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف

في أسفار التاريخ وبطونه كنوز ونفائس تتجلى فيها المثل العليا في العلم والاستقامة والزهد والأدب جدير بكل طموح أن يقلب النظر فيها حتى يتزود منها ويقتدي بها ويدفع بها إلى أعلى المراتب .. ومن هؤلاء الإمام الجليل النُّعْمَان بن ثَابت بن زوطي المكنى بأبي حنيفة 

لقد كان أبو حنيفة رضى الله عنه مثال الرجل العالم الجامع لمتفرقات العلوم في عهده من الفقه والحديث الكلام والعربية, وإن كانت شهرته بالفقه هي التي بقيت له. 

ولقد كان على قدر كبير من المروءة والسخاء والزهد والشجاعة النادرة كل هذا اجتمع في نفس صادقة مؤمنة مجاهدة, حتى استوت له شخصية زاحمت شخصيات الملوك والخلفاء والفقهاء بحق هم السلاطين والسادات والأمراء كما قال الشاعر. 

ولد أبو حنيفة رضى الله عنه سنة ثمانين هجرية فهو من أعلام القرن الأول والثاني وكان من أفذاذ هذين العصرين وكانت العلوم والمعارف تموج موجًا وتنافس الناس في طلب الحديث والفقه , ولم يكن النعمان من العرب وقد امتاز غير العرب في ذلك العهد بأن الكثرة الكاثرة منهم من حملة ألوية العلم والثقافة ، وذلك لأنهم أرادوا منافسة العرب بما يرفع الإسلام وهو الخلق والعلم, وكان أبو حنيفة رضى الله عنه من هؤلاء الموالي وأبوه ثابت ولد على الإسلام وهو من أهل كابل وجده زوطي كان مَمْلُوكا لبنِيّ تيم الله بن ثَعْلَبَة فَأعتق. 

وقد شغف بالعلم شغفا شديدًا، وطلبه عند رجاله من أئمة العلم فانصرف إلى حماد يطلب الفقه يقول شريك عَن حُصَيْن قَالَ جَاءَت امْرَأَة إِلَى حَلقَة أبي حنيفَة وَكَانَ يطْلب الْكَلَام فَسَأَلته عَن مَسْأَلَة فَلم يحسنوا فِيهَا شَيْئا من الْجَواب فَانْصَرَفت إِلَى حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان فَسَأَلته فأجابها فَرَجَعت إِلَيْهِ فَقَالَت غررتموني سَمِعت كلامكم وَلم تحسنوا شَيْئا فَقَامَ أَبُو حنيفَة فَأتى حمادَ فَقَالَ لَهُ مَا جَاءَ بك قَالَ أطلب الْفِقْه قَالَ تعلم كل يَوْم ثَلَاث مسَائِل وَلَا تزد عَلَيْهَا شَيْئا حَتَّى ينتفق لَك شَيْء من الْعلم فَفعل وَلزِمَ الْحلقَة حَتَّى فقه فَكَانَ النَّاس يشيرون إِلَيْهِ بالأصابع.

وقد بلغ من الصيت والشهرة مبلغًا جعله لا يُزَاحم. وساعد على ذلك أدب وطيب نفس, وسخاء وزهد مع الثراء من دكانه فإنه كان خزازا. 

لقد كتب كثير من العلماء في هذا الإمام العظيم فأكثروا, وجدير بمثل هذا الإمام أن يكثر الكاتبون فيه, وأن يكتبوا بإسهاب عنه, وجدير بمثله أن يقرأ القارئون عنه, وأن يقرأوا باستيعاب, لكثرة خصاله الطيبة وما خلف من ذكريات خصبة وأسس حسنة كريمة. 

ومن خصاله 

الزهد ويدلك على ذلك شهادة عبدالله بن المبارك فيه وكفى بها شهادة قال الْحسن بن حَمَّاد: سَمِعت ابْن الْمُبَارك يَقُول وَذكر أبا حنيفَة فَقَالَ مَا تقدرون تَقولُونَ فِي رجل عرضت عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَالْأَمْوَال الْعَظِيمَة فنبذها وَرَاء ظَهره فَضرب السِّيَاط وَقيل لَهُ خُذ الدُّنْيَا فَصَبر على السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَلم يدْخل فِيمَا كَانَ غَيره يَطْلُبهُ ويتمناه وَالله لقد كَانَ على خلاف من ادركناه يطْلبُونَ الدُّنْيَا وَالدُّنْيَا تهرب مِنْهُم وتأتيه الدُّنْيَا فيهرب مِنْهَا. 

الأمانة وقد ورى فيها الكثير فأثنى الناس على أمانته وذكروا بعض المواقف التي تسحر الألباب بفعاله رحمه الله قال مليح: سَمِعت أبي يَقُول كَانَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ عَظِيم الْأَمَانَة جَلِيلًا فِي نَفسه يُؤثر ربه على كل شَيْء وَلَو أَخَذته السيوف فِي الله لاحتمل

ويذكر الإمام الصيمري الحنفى (ت: 436ه) في أخبار أبي حنيفة هذا الخبر فيقول: خَارِجَة بن مُصعب يَقُول خرجت إِلَى الْحَج وخلفت جَارِيَة لي عِنْد أبي حنيفَة وَكنت قد أَقمت بِمَكَّة نَحوا من أَرْبَعَة أشهر فَلَمَّا قدمت قلت لأبي حنيفَة كَيفَ وجدت خدمَة هَذِه الْجَارِيَة وخلقها فَقَالَ لي من قَرَأَ الْقُرْآن وَحفظ على النَّاس علم الْحَلَال وَالْحرَام احْتَاجَ ان يصون نَفسه عَن الْفِتْنَة وَالله مَا رَأَيْت جاريتك مُنْذُ خرجت إِلَى أَن رجعت قَالَ فَسَأَلت الْجَارِيَة عَنهُ وَعَن أخلاقه فِي منزله فَقَالَت مَا رَأَيْت وَمَا سَمِعت مثله مَا رَأَيْته نَام على فرش مُنْذُ دخلت إِلَيْهِ وَلَا رَأَيْته اغْتسل فِي ليل وَلَا نَهَار من جَنَابَة وَلَقَد كَانَ يَوْم الْجُمُعَةيخرج فَيصَلي صَلَاة الصُّبْح ثمَّ يدْخل إِلَى منزله فَيصَلي صَلَاة الضُّحَى صَلَاة خَفِيفَة وَذَلِكَ أَنه كَانَ يبكر إِلَى الْجَامِع فيغتسل غسل الْجُمُعَة ويمس شَيْئا من دهن ثمَّ يمْضِي إِلَى الصَّلَاة وَمَا رَأَيْته يفْطر بالنهار قطّ وَكَانَ يَأْكُل آخر اللَّيْل ثمَّ يرقد رقدة خَفِيفَة ثمَّ يخرج إِلَى الصَّلَاة.

وللحديث بقية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *