ليست مُجَرَّد صورة
6 يناير، 2025
منبر الدعاة, منوعات

بقلم : الشيخ سيد الشاعر الشافعي الأزهري
إذا جلستَ مع أحدهم مرة فوضع رأسه بين كتفيه وأطبق جفنيه ، فبدا لك ولغيرك أنه يَغُطُّ في سُبَاتٍ عميق ، فَحَرَّكْتَ جيوش ” الأنا ” في داخلك وأَعْلَنْتَ النَّفِير لمواجهة هذا المسكين الذي أتْعَبَتْهُ دنيا النَّاس فاستثقلهم ؛ واستثقلكَ أنتَ أيضاً ، ربما لكلامك الذي تقذفه من فمك كالحجارة فأسَلْتَ دَمَ رُوْحه وأنت لا تشعر ، أقول لك لا تتعجل وافهم فإنه ما فعل ذلك لِيُقَلِّلَ منك ؛ بل هرباً منك ، لم يكن نائماً بل هارباً ، أو إن شئتَ فقل إنه لم يجد نَفْسَه في هذه المُجَالسة فوضع رأسه بين كتفيه يُهَيئُ النَّفْسَ للانطلاق ، وأغمض عينيه ليتفادى هذه الرِّيْح التي هبَّتْ من تلك النفس عند الاقلاع ، فترك الناس والجُلَّاس وَهْوَ ما زال معهم ، وغادرهم وَهْوَ بين أيديهم ، أَلْجَمَ لِسَانَه وقلبُه يستغيث يصرخ بصوتٍ عالٍ يسمعه الكون كله إلا أنت.
لا تزال غاضِباً أليس كذلك؟!
لكني أردتُ أن أَجْلُوَ شيئاً من هذه الغشاوة التي تَلَفَّعَتْ بها بصيرتك ، حتى إذا نظرتَ إلى الأشياء لا تنظر إليها كأشكالٍ وصُوَر وألوان كلٌّ على هيئته وصورته ، فهذه رؤيا ـ سطحيةٌ جداً ـ أردتُ أن تنظر إلى ما وراء الصور فترى عجباً ، عندها تستطيع أن ترى بعيني قلبك هذه الدموع الراكدة الكامنة خلف هذا الوجه الباسم الضاحك ، وستشعر بنيران نفسٍ مُوْقَدَةٍ جاء صاحبُها يُلاطِفُك ويداعبك ليجبر خاطرك أو ليخفف عنك ، ولو ارتَقَيْتَ في منازل فقه النفوس كما ينبغي لَسَمِعْتَ فحيح الأفعى يصدر من فَمِ إنسان جاء يعتذر منك كأنه نادم على كوارث وطامَّات ارتكبها بحقك ؛ فصورته صورة إنسان نادم معتذر ؛ وحقيقته أفعى تَنْفُثُ السُّم.
كيف تعرف ذا الوجهين ـ وهو أشَرُّ الناس يوم القيامة ـ إذا كان آخر نظرك صورته ، ينتهي إليها بصرك ، وليس هذا بعجيب ، إنما العجب أين بصيرتك؟!!
وقد أخبرنا سيدنا ﷺ عن زمانٍ يأتي على الأمة يُكَذَّبُ فيه الصَّادق ويُصَدَّقُ فيه الكاذب ويُؤْتَمَن فيه الخائن ويُخَوَّنُ فيه الأمين ؛ وأنا سَائِلُك ـ بيني وبينك ـ أليس هذا الزمان زماننا؟!!
فإني رأيتُ من يُتَّهمُ بالحمق والتَّخَلُّفِ والرَّجعية بل ويقولون بلسانٍ عاميٍ بذيء ( أديم أوي )!! ـ كذا قالوا ـ لأنه لا يزال إلى الآن وفي هذا العصر يغار على عِرْضِه كأي رجل حُرٍّ في كل عصر ودهر.
وكلنا يرى التفاف الناس حول شابٍّ صغير غِرّ أو فتاةٍ مثله بنفس الوصف أو أشد ، خرج أحدهما على هاتف محمول يَبُثُّ في الناس أمراً فاحشاً ما كُنَّا نسمع عنه شيئاً في الصِّغَر ـ مجرد سماع ـ ، أو خرج أحدهما يتمايل ويتراقص كأنه ينزع أجزاءً من جسده ثم يُعِيدُها إلى أماكنها بسهولة وسلاسة ، حركات بهلوانية كأنها السِّحْر ، فيضحك بعضنا ويُقَلِّدُهم صغارنا ـ وكله أكل عيش ـ وقد دخلت بيوتنا رُغماً عنَّا ، وهذا بالنسبة لأصحاب ـ الميوعة ـ أو من رضيها ، أما غيرهم ممن لم تَرُق لهم هذه السخافات فماذا يفعلون؟! وما الذي يقدمونه لنا؟!
والأمر كله كما قلت لكم ـ أكل عيش ـ فقالوا لا بأس فالأمر هَيِّن!! فقام بعضهم ولبس لباس أهل العلم والورع لِيُصدر كل واحد منهم منفرداً فتاوى شرعية تلبية لرغبات الناس لا علاقة لها من قريب أو بعيد بشرط واحد من شروط الفتوى ولا حتى من شروط المفتي ، فزادوا الطين بلة ومزَّقوا في الأمة كلَّ مُمَزَّق ـ وكأنه كان ينقصنا هذا الجهبذ! ـ وهذا طبعاً في هذا الزمان أن تكون ذا بصيرة ؛ ولعلَّك تسلم!