بقلم الأستاذ الدكتور : مجدي إبراهيم
أستاذ الفلسفة الإسلامية والتصوف جامعة أسوان
مَنْ لا يكون عالماً بما وَرَدَ عليه من الله، يُوشك أن لا يكون عالماً بما وَرَدَ على الله تعالى منه ، فكل ما هو واردٌ على الله من العبد أعماله.
وكل ما هو واردٌ على العبد من الله أفضاله
فمن أطاع الله ولم يَخِفْهُ ، فقد أطاعه في العمل وعَصَاهُ في ترك الخوف، فكيف بمن يعصيه ولا يخافه؟!
وفي هذا المعنى يقول الإمام عليّ بن أبي طالب ، كرّم الله وجهه : (أحذر أن يراك الله عند معصيته، وأن يفتقدك عند طاعته؛ فإنّ قويت فأقو على الطاعة، وإنْ ضعفت فأضعف عن المعصية) فكل ما من شأنه أن يرد من الله على العبد ليس موضوعاً نظرياًّ ، بل هو موضوع حيوي مباشر ذي حياة.
عملي هو في غاية الأهميّة يعرفه أهل الذكر من أهل الله .. في مفهوم الأولياء من حيث ديدن أعمالهم : أن شهر رجب شهر الاستغفار ، وشهر شعبان شهر الصلاة والتسليم على خير الأنبياء والمرسلين، وشهر رمضان، شهر الله، شهر الذكر ب (لا إله إلا الله).
ولكل خصائص للذكر: فللاستغفار خصائص وسمات، وللصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله، خصائص وسمات، ولذكر التوحيد والتهليل خصائص وسمات.
ولكل ذكر أيضاً واردات من النور : ولا يوجد ذكر لله إلا وفيه نور، وهذا النور مجلى إلهي لا ينقطع ولا يزول؛ إذْ سُرعان ما يَعم قلب الذاكر وينفذ إلى أغواره، ينفذ من السّطح الظاهر إلى الغور الباطن، ومطية الأنوار هي بلوغ الأغوار، هى مستقرها وموطنها .. فمن الأنوار إلى الأغوار تتقلب القلوب العارفة لمفعول الذكر فيها حتى أن لشهر رجب هذا خصوصيته بالنسبة للذاكرين من حيث يقول الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي رضى الله عنه ونفعنا بأنواره :
“وفي رجب تعظم الواردات من حيث الواهب لا من حيث ذاتها، وهو مقام الفردانية ؛ فلا يكون له فيه غيرٌ يحجبه ، فيلزمه أن يطرّده، أو يقاتِله”. ومعنى ذلك، كما نفهم من نصّ كلام شيخنا، أن الواردات في ذاتها لا شيء، وإنما الذي يعظمها في نفسها هو واهبها، وبما أنها من الواهب فقد عظمت وبلغت من العظمة ذروتها ، من حيث تفرُّدها بما لا يقابلها في ذاتها غير ٌولا سوى بوجه من الوجوه.
فهذه الفردانية عطايا الواهب في شهر رجب، شهر عِظم الواردات على أهل الله.
ويقول الشيخ أحمد زروق رضى الله عنه، في تعريف الواردات الإلهية تعريفاً اصطلاحياً دقيقاً :
هي ما يتجلى للقلوب من المعارف التي تبرز عنها الحقائق، فإذا وردت هذه الواردات على القلب لم يبق فيه متسع لغيرها، فتأخذ بمجامع العبد، وتسري أنوارها في كُلِّية العبد؛ فينبعث بها طوعاً أو كرهاً، لسطوة وتمكن تلك الواردات وخلوّ القلب عمّا سواها.
حقيقة من علامات الولاية كما تقرر في عطاياهم المعرفية :
الإنفاق بلا حساب بمعنى السَّخاء ، وكظم الغيظ ،العفو عن الناس : بمعنى الحلم والتسامح ، ثم الإحسان إلى من أساء إليك، أو أغضبك. واهم خاصّة لا تفارق الولي هى الاستغفار والمُسارعة في التوبة.