خطبة بعنوان “فما ظنكم برب العالمين (صناعة الامل)” للشيخ أحمد عبدالله عطوه

خطبة( الجمعة القادمة) “فما ظنكم برب العالمين (صناعة الامل)”
( بتاريخ ٣من رجب ١٤٤٦هـ ٣من يناير٢٠٢٥م )

اعداد وترتيب الشيخ / احمد عبدالله عطوه إمام بأوقاف الشرقية

عناصر الخطبة٠٠٠٠٠٠؟
1- معنى وأهمية حُسْن الظَّنِّ بالله.
2- أوقات وأحوال يتأكد فيها حُسْن الظَّنِّ بالله.
3- فوائد وثمرات حُسْن الظَّنِّ بالله.
4- قصص ومواقف مشرِّفة في حُسْن الظَّنِّ بالله تعالى.

المقدمة:-
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، اصطفَى من عبادِهِ الموَحِّدِينَ، وَوَعَدَهُمْ بالنَّصرِ والعِزَّةِ والتَّمْكِينِ، فأحسنُوا به الظنَّ، وأخلصُوا له الدِّين، سبحانَه الهادي لمن استهداهُ والكافي لمن تولاهُ، اهتَدَى بفضلِهِ المهتدونَ، وفازَ بِرَحْمَتِهِ الْمُحْسِنُونَ، سبحانَهُ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23].
وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ:
فاتّقُوا اللهَ أَيُّهَا المؤمنونَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102].

عبادَ اللهِ: -!

حديثنا اليوم عن عبادة جليلة من عبادات القلوب عبادة بها يدر الله عز وجل على هذا الإنسان خيره في الدنيا والآخرة، عبادة من عبادات القلوب بها يستجلب الإنسان مصالح الدين والدنيا وبها يصلح الإنسان عاجله وآجله، إنها عبادة حسن الظن بالله تعالى، فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:87]، ماذا يعتقد الإنسان في الله، ما هو ظنه في الله، فإن الله عز وجل يعامل العبد بمقتضى ظنه به فكما تظن بالله تجد، وهذا ما دل عليه قوله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي الذي رواه الشيخان: البخاري و مسلم ، ( يقول الله سبحانه وتعالى: أنا عند ظن عبدي بي, وأنا معه حين يذكرني )، (أنا عند ظن عبدي بي)، قال العلماء معناه: أنا قادر على أن أفعل به ما يظن فمن ظن أن الله سيغفر له غفر له، ومن ظن أن الله سيفرج كربه فرج كربه، ومن ظن أن الله سيشفي مريضه شفى مريضه ومن ظن بأن الله لا يغير عليه الحال لم يغيره ومن ظن بأن الله لا يقدر على تفريج كربته عامله الله عز وجل بظنه؛ فلم يفرج من كربه شيئاً: ( أنا عند ظن عبدي بي, فليظن بي ما شاء )، هذه العبادة الجليلة حسن الظن بالله تعالى، أن يحسن الإنسان تصوره في الله، أن يحسن الإنسان ظنه بالله، العبادة الصحيحة القائمة على معرفة الله المعرفة التي جاء بها الكتاب، والتي جاءت بها السنة

جاءَ في الصّحيحينِ مِن حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه أنّ النبيَّ ﷺ قالَ: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأَنَا معهُ إذا ذَكَرَنِي..) أخرجه البخاري وجعلَ النبيَّ ﷺ إحسانَ الظنِّ من إحسانِ العبادةِ، قال ﷺ: (إنَّ حُسنَ الظَّنِّ مِن حُسنِ العِبادَةِ)

أيُّهَا المؤمنونَ: إنّ إحسانَ الظنِّ باللهِ عزّ وجل من آكدِ أعمالِ القلوبِ، وهو زادُ المتَّقِينَ والعُبّادِ، وديدنُ الصالحينَ وأولي الألبابِ، وهو فرعٌ عن معرفةِ اللهِ عزَّ وجلَّ والعلمِ به، فَعَلَى قدرِ معرفةِ العبدِ بربّهِ، يكونُ ظنُّهُ بِهِ سبحانهُ، وعلى قدرِ يقينِ الدَّاعِي بقربِ اللهِ عزَّ وجلَّ مِمَّنْ دَعَاهُ، وإجابَتِهِ لِمَنْ نَادَاهُ، تَكُونُ الإجابةُ، فمن أيقنَ بسعةِ رحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وقُدْرتِهِ، وإحسانِهِ، ولُطْفِهِ بعبادِهِ وحِكْمَتِهِ في أَقْدَارِهِ، أثمرَ هذا اليقينُ لدى العبدِ إحسانَ الظنِّ بخالقِهِ سبحانه.

ففي الصحيحينِ أنَّ امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قدْ تَحْلُبُ ثَدْيَها تَسْقِي، إذا وجَدَتْ صَبِيًّا في السَّبْيِ أخَذَتْهُ، فألْصَقَتْهُ ببَطْنِها وأَرْضَعَتْهُ، فَقالَ النَّبيُّ ﷺ لأصحابه: (أتُرَوْنَ هذِه طارِحَةً ولَدَها في النّارِ؟) قالوا: لا، وهي تَقْدِرُ على ألّا تَطْرَحَهُ، فَقالَ ﷺ: (لَلَّهُ أرْحَمُ بعِبادِهِ مِن هذِه بوَلَدِها) أخرجه البخاري
عبادَ اللهِ: إنّ إحسانَ الظنِّ يعني: قوةَ اليقينِ بما وَعَدَ اللهُ تعالى عبادَهُ من سِعَةِ كرمِهِ ورحمتِهِ، ورجاءَ حصولِ ذلكَ وهو ينفعُ صاحبَهُ متى اقترنَ بِحُسْنِ العملِ والخوف من اللهِ عزّ وجلَّ الباعثِ على تركِ المنكرِ وهذا هو الرجاءُ المحمودُ.

وأمّا مَنْ يُحْسِنُ الظَّنَّ باللهِ، وهو مقيمٌ على المنكراتِ، ومُفَرِّطٌ في الواجباتِ، فهذا قدْ أَِمنَ مَكْرَ اللهِ {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}[الأعراف: 99].

قالَ الحسنُ البصريُّ: (إِنَّ قَوْمًا أَلْهَتْهُمْ أَمَانِيّ الْمَغْفِرَةِ حَتَّى خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا وَلَا حَسَنَةَ لَهُمْ، وَقَالُوا: نُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ، وَكَذَبُوا، لَوْ أَحْسَنُوا الظَّنَّ لَأَحْسَنُوا الْعَمَلَ).

أيُّهَا المؤْمِنُونَ: لمّا كانَ الأنبياءُ والرُّسُلُ هم أعرفُ الْخَلْقِ بربِّهِمْ سبحانَهُ، ضَرَبُوا أَرْوَعَ الأمثلةِ فِي حُسْن الظَّنِّ، واليقينِ بما عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، فهذا الخليلُ إبراهيمُ عليه الصلاةُ والسلامُ ألقاهُ قومُهُ في النارِ لمّا حَطَّمَ أحجارَهم التي عبَدُوهَا مِنْ دونِ اللهِ وبينمَا هو بينَ ألسنةِ اللَّهَبِ يُرَدِّدُ: (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)

فكانت النَّارُ بَرْدًا وَسَلَامًا، وهذا من إحسانِ الظَّنِّ باللهِ، واليقينِ بمعيتهِ ونصرِهِ ولما انصرفَ قَافِلًا تَارِكًا زوجتَهُ ورضيعَهُ بمكانٍ قَفْرٍ لا ماءَ فيهِ ولا حياة، ما كان ذلك إلا بحسنِ الظَّنِّ باللهِ، وأنُّه سبحانه كافيهِ، وكافٍ أهلَهُ رَغْمَ انعدامِ أسبابِ الحياةِ ولذا قالتْ له زوجته: آللَّهُ أَمركَ بِهذَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَت: إِذًا لاَ يُضَيِّعُنا.

ونبيُّ اللهِ يعقوب فقدَ وَلَدَهُ يوسفَ، عليهما الصلاة والسلام، وبكى عليه حتى ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ، فقال له أبناؤُهُ: (تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} فردّ عليهم بقلبِ المؤمنِ الذي يُحسنُ الظنَّ بربِّهِ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} يوسف: [86].

وهذا موسى عليه الصَّلاةُ والسَّلام، لمّا تَبِعَهُ فرعونُ وجنوده، واعترضَ طريقَهُ البحرَ بأمواجِهِ، قال له بنو إسرائيل: {إِنَّا لَمُدْرَكُون} يردَّ عليهم بصوتِ المؤمنِ الواثقِ في معيَّةِ اللهِ ونصرِهِ، قائلًا: { كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} الشعراء: [62].

وهذا نبيُّنَا محمدٌ ﷺ في الغارِ مع صاحبِهِ، يَقِفُ المشركونَ على رؤوسِهِم، فيقولُ أبو بكرٍ رضي الله عنه كما في الصحيحين: (يا رسول الله، لو أنَّ أحدَهم نظر موضعَ قدمِه لأبصرَنا، فقال ﷺ: ما ظنُّك باثنَينِ اللهُ ثالثُهما) أخرجه البخاري (٣٦٥٣)، ومسلم (٢٣٨١).

أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51].

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذكْرِ الحكيمِ، فاستغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، الداعي إلى رضوانِهِ، صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا أمَّا بــــــعــــــــــدُ:

فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ: واعلموا أنَّ سوءَ الظَّنِّ باللهِ عزَّ وجلَّ كبيرةٌ من كبائِرِ الذُّنُوبِ قَالَ تَعَالَى: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [الفتح: 6].

عباد الله: وثَمَّةَ مواطنُ وأحوالٌ يتأكَّدُ فيها حُسْنُ الظَّنِّ باللهِ عزَّ وجلَّ، ومنها ما يلي:
أولًا: عند الموت؛ لحديث جابر رضي الله عنه أنه قال: سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: (لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلّا وَهو يُحْسِنُ الظَّنَّ باللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) أخرجه مسلم

ودخل النبيُّ ﷺ على شابٍ وَهوَ في الموتِ فقالَ: (كيفَ تجدُكَ)؟ قالَ: واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ إنِّي أرجو اللَّهَ وإنِّي أخافُ ذنوبي، فقالَ ﷺ: (لا يَجْتَمِعانِ فِي قَلْبِ عبدٍ في مثلِ هذا الموطِنِ إلّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ) أخرجه الترمذي (983)،

ثانيًا: في المصائِب والْمُلِمَّاتِ، قالَ تعالَى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} البقرة: [214].

ثالثًا: عند التوبة، فيُوقنُ التَّائِبُ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقبَلُ توبَتَهُ، ويغفِرُ ذَنْبَهُ، متى صَدَقَ في تَوْبَتِهِ، قال ﷺ: (أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا، فَعَلِمَ أنَّ له رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ، اعْمَلْ ما شِئْتَ فقَدْ غَفَرْتُ لَكَ) أخرجه مسلم

رابعًا: عند ضيق الرزقِ، وكدر ِالعيشِ، قال ﷺ: (من نزَلَت بهِ فاقَةٌ فأَنزَلَها بالناسِ لم تُسَدَّ فاقَتُهُ. ومَن نزَلتْ به فاقَةٌ فأنزَلَها باللهِ فيوشِكُ اللهُ لهُ برزْقٍ عاجِلٍ أو آجِلٍ) أخرجه أبو داود (١٦٤٥)، والترمذي (٢٣٢٦) وأحمد (٣٦٩٦)

خامسًا: إحسانُ الظنِّ باللهِ عندَ الدُّعَاءِ وهو من أهمِّ أسبابِ الإجابةِ قال ﷺ: (ادعوا اللَّهَ وأنتُم موقِنونَ بالإجابَةِ..) أخرجه الترمذي

أسأل الله أن يرزقَنا حُسْنَ الإيمانِ بِهِ، وصِدْقَ التَوَكُّلِ عليهِ، وأن يُوَفِّقَنَا لحُسْنِ الظَّنِّ، وحُسْنِ العمل.

هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفى فقد أَمَرَكم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ من قائلٍ عليماً: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[الأحزاب:56].ش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *