أطفال بلا طفولة

بقلم الدكتور : مصطفى عبد الله – باحث في العلوم الإنسانية

في متاهة الحياة، حيث تتشابك الخيوط بين الفقر والظلم، تقبع أرواح صغيرة تنبض بالحياة، لكن دون أن تمنح فرصة ليعيشوا كأطفال.

أطفال يصرخون في صمت، ويلعبون في الخفاء، لكن ابتساماتهم تتلاشى مثل دخان، ومع كل خطوة يخطونها على أرض قاسية، تتلاشى طفولتهم وتغيب عنهم معالم البراءة.

كيف يمكن أن يكون هناك طفل لا يعرف ما هو الفرح؟ كيف يستطيع طفل أن ينام وهو يحمل هموم الكبار؟ كيف تقتل الضحكة حينما يكون الفقر هو الرفيق الدائم؟ أين تذهب براءة العينين عندما تتلوث بالدماء والدموع؟

إننا نقتل الطفولة حينما نسمح لتلك الأرواح الصغيرة بأن تسحق تحت وطأة الحياة القاسية.

ليس الجوع وحده هو من يعذب الأطفال، بل هناك ما هو أقسى وأشد وقعا:

الكلمات الجارحة، النظرات المشفقة، الرفض الاجتماعي، والعنف الأسري الذي يطعن في قلب الطفولة.

عندما يربت على كتف الحلم كف قاس، فإن الحلم يتحول إلى رماد، وتغيب معه الأمل الذي من المفترض أن يولد مع كل طفل.

في اروقة الشوارع والميادين، هناك طفل لا يعرف طعم النوم لأنه لا يملك سريرا، وآخر يبيع براءته مقابل بضعة قروش ليحصل على ما يسد جوعه.

وطفلة تدفن داخل جدران منزل مظلم، حيث لا شيء سوى الصمت الثقيل، وتظل تتساءل: لماذا؟ لماذا نحن؟ لماذا يولد الأطفال ليعيشوا في جحيم؟

هؤلاء الأطفال هم بشر يمتلكون حقا في الحياة، في اللعب، في أن يحبوا وأن يربوا في بيئة تمنحهم الفرص لتحقيق أحلامهم.

كيف لنا أن نتفاخر بالتقدم في حين أننا نتجاهل أولئك الذين لا يستطيعون حتى الحصول على فرصة للعيش كما يجب؟

كيف للمجتمع أن يزعم التقدم وهو يترك خلفه أجيالا من الأطفال المكسورة أحلامهم؟

إن هذه التناقضات يجب أن تزال، فلا يمكن لنا أن نعيش في حياة تنادي بالإنسانية ثم نسكت على معاناة الأطفال.

هم ليسوا مجرد مشاهد مؤلمة أو صورا نراها في الأخبار، بل هم أرواح تطالب بحقوقها، تطالب بالحب، بالحرية، بالأمان. إنهم أبطال في معركة الحياة، لكننا نحن من اختار أن يكتب فصول معاناتهم بيدينا، والسؤال الحقيقي الآن هو: متى نكتب النهاية؟

نحن بحاجة إلى ثورة، ليست ثورة يطلقها السياسيون ولا يقودها أصحاب المصالح، بل ثورة إنسانية تحركها ضمائر الأفراد.

ثورة تبدأ بتعليم طفل، بحماية براءة، بإعادة الأمل لمن فقده.

إنها ثورة تكون فيها كل خطوة نحو إنقاذ طفل هي خطوة نحو إنقاذ الإنسانية.

“أطفال بلا طفولة” هو جرس إنذار لكل قلب حي، دعوة لاختيار الطريق الصحيح، الحياة لن تكون أفضل إلا إذا منحنا هؤلاء الأطفال ما يستحقونه: طفولة كاملة.

وعلينا أن نكون من يجيب على هذا النداء.

نكون من يقف في وجه الظلم، من يواجه التقاعس، ومن يعيد للأطفال حقهم في الحياة.

لنمنحهم حقهم في أن يكونوا أطفالا.

لنمنحهم عالما لا يسحقهم، لا يقتلعهم من جذورهم.

ولنكتب تاريخا جديدا حيث لا تسرق الطفولة من أحد.

لأن إنقاذ طفلا واحدا هو إنقاذ للبشرية كلها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *