مِنْ حُلُولِ مُشْكِلَةِ التَّفَكُّكِ الْأُسَرِيِّ

بقلم أ : إيمان مسعود حجازي ( واعظة بوزارة الأوقاف المصرية )

لِكُلِّ مُشْكِلَةٍ حُلُولٌ، وَوَسَائِلُ لِلْوِقَايَةِ؛ فَمِنْ حُلُولِ مُشْكِلَةِ التَّفَكُّكِ الْأُسَرِيِّ:

نَشْأَةُ الْأُسْرَةِ عَلَى التَّقْوَى وَالْإِيمَانِ، وَهَذَا يَقِيهَا مِنَ التَّفَكُّكِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ فَالزَّوْجُ يَخَافُ اللهَ -تَعَالَى- وَالزَّوْجَةُ كَذَلِكَ، وَكُلٌّ يَعْرِفُ حُقُوقَ زَوْجِهِ عَلَيْهِ، وَمِنْ هُنَا رَاعَى الشَّرْعُ مَبْدَأَ تَكْوِينِ الْأُسْرَةِ الصَّالِحَةِ، وَنَبَّهَ إِلَى حُسْنِ الِاخْتِيَارِ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ؛ فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي اخْتِيَارِ الزَّوْجِ: “إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ”(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي اخْتِيَارِ الزَّوْجَةِ: “تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ َلأرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا؛ فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ”(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

فَالزَّوْجَةُ الصَّالِحَةُ تُرَاعِي حَقَّ اللهِ فِي زَوْجِهَا، وَالزَّوْجُ الصَّالِحُ يُرَاعِي حَقَّ اللهِ فِي زَوْجَتِهِ؛ قَالَ رَسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ”(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَفِي ظِلِّ هَذَا الصَّلَاحِ يَنْشَأُ الْأَبْنَاءُ نَشْأَةً طَيِّبَةً صَالِحَةً.

وَمِـنَ الْحُلُــولِ: أَنْ تُحَلَّ الْخِلَافَاتُ الزَّوْجِيَّةُ وَفْقَ شَرْعِ اللهِ -تَعَالَى-، بَعِيدًا عَنِ الَّذِينَ يَزِيدُونَ الْمَشَاكِلَ تَعْقِيدًا؛ بِتَحْرِيضِهِمْ وَتَهْيِيجِهِمْ وَإِذْكَاءِ نَارِ الْفِتْنَةِ، وَتَأَمَّلْ كَيْفَ وَجَّهَنَا الْقُرْآنُ إِلَى حَلِّ الْمَشَاكِلِ الزَّوْجِيَّةِ الْمُتَفَاقِمَةِ؛ فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)أَيْ: “رَجُلَيْنِ مُكَلَّفَيْنِ مُسْلِمَيْنِ عَدْلَيْنِ عَاقِلَيْنِ، يَعْرِفَانِ مَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَيَعْرِفَانِ الْجَمْعَ وَالتَّفْرِيقَ… فَيَنْظُرَانِ مَا يَنْقِمُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ يُلْزِمَانِ كُلًّا مِنْهُمَا مَا يَجِبُ”(تَفْسِيرُ السَّعْدِيِّ)، وَلَا بَأْسَ مِنْ مُرَاجَعَةِ الْمُخْتَصِّينَ وَالِاسْتِشَارِيِّينَ فِي مَجَالِ الْأُسْرَةِ؛ لِتَقْرِيبِ وِجْهَاتِ النَّظَرِ وَوَضْعِ حُلُولٍ لِبَعْضِ الْمُشْكِلَاتِ.

وَمِنَ الْحُلُولِ: تَخْصِيصُ وَقْتٍ كَافٍ لِجُلُوسِ الْأَبِ مَعَ زَوْجِهِ وَأَوْلَادِهِ، يُحَدِّثُهُمْ وَيُحَدِّثُونَهُ، وَيُحَاوِرُهُمْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِشُؤُونِهِمْ؛ فَإِنَّ أَفْرَادَ الْأُسْرَةِ بِحَاجَةٍ إِلَى مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْهِمْ، وَيَجْلِسُ مَعَهُمْ، وَالْأَبُ هُوَ الْمَسْؤُولُ وَالْقَائِمُ عَلَيْهَا، وَيُحِبُّ الْأَبْنَاءُ أَنْ يَتَحَلَّقُوا حَوْلَهُ وَيَسْتَمِعُوا لِحَدِيثِهِ؛ فَلَا يَنْبَغِي حِرْمَانُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْحَنَانِ الْأَبَوِيِّ.

وَمِنْهَـا: التَّوَسُّطُ فِي التَّرْبِيَةِ؛ فَلَا إِفْرَاطَ وَلَا تَفْرِيطَ، مَعَ إِشْبَاعِ الْجَانِبِ الْعَاطِفِيِّ فِي الْأُسْرَةِ، يَقُولُ أَحَدُ الْمُتَخَصِّصِينَ: “كُلَّمَا زَادَ الْحُبُّ لِلْأَبْنَاءِ؛ زَادَتْ فُرْصَةُ حِفْظِهِمْ مِنَ الضَّيَاعِ”، وَبِحَسَبِ دِرَاسَاتٍ لِوَاقِعِ انْحِرَافَاتِ كَثِيرٍ مِنَ الْفَتَيَاتِ فَإِنَّ السَّبَبَ الرَّئِيسَ هُوَ الْقَسْوَةُ الزَّائِدَةُ مِنَ الْوَالِدَيْنِ، وَعَدَمُ إِشْبَاعِ عَوَاطِفِهِنَّ وَلَوْ بِكَلِمَاتِ وُدٍّ وَمَحَبَّةٍ؛ فَسُرْعَانَ مَا تَنْجَرِفُ مَعَ مَنْ يُسْمِعُهَا ذَلِكَ مِنْ خَارِجِ الْبَيْتِ، وَيُشْعِرُهَا بِبَعْضِ الِاهْتِمَامِ، خَاصَّةً مَعَ الِانْفِتَاحِ الرَّقَمِيِّ عَبْرَ شَبَكَاتِ النِّتِّ وَالْجَوَّالِ.

أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ: إِنَّ عَلَى الْوَالِدَيْنِ أَنْ يُدْرِكَا عِظَمَ الْمَسْؤُولِيَّةِ الْمُلْقَاةِ عَلَيْهِمَا تِجَاهَ أَبْنَائِهِمْ، خَاصَّةً فِي هَذَا الْوَقْتِ؛ فَالتَّرْبِيَةُ صَعْبَةٌ، وَالْمُعَوِّقَاتُ كَثِيرَةٌ، يَقُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ”(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

فَاحْفَظُوا أُسَرَكُمْ بِالْقِيَامِ بِمَا أَمَرَ اللهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْعَدْلِ وَالتَّسَامُحِ وَالتَّعَاوُنِ، وَلَا تَسْمَحُوا لِخِلَافَاتِكُمْ أَنْ تَظْهَرَ، فََيَتَصَدَّعَ كِيَانُ الْأُسْرَةِ، وَيَتَعَرَّضَ لِلتَّفَكُّكِ.

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ، الَّذِي أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *