إسقاط القدوة وأثره على الأمة
31 ديسمبر، 2024
العلم والعلماء

بقلم الدكتور الشيخ / محمد سعيد صبحي السلمو ( الأزهرى البابي الحلبي )
من وحي الواقع : إسقاط القدوة وأثره على الأمة
في هذه الكلمات التي تُعبّر عن واقع مؤلم، نجد دعوة صادقة للتفكير في وضع الأئمة والخطباء في المجتمع العربي والإسلامي. تلك الشريحة العظيمة التي كانت في الماضي ركيزة أساسية في بناء المجتمع، وصلة الوصل بين الدين و الواقع الاجتماعي، أصبحت اليوم مهمشة، بل مقيدة في كثير من الأحيان.
دور الإمام في الماضي:
كان الإمام والخطيب في الماضي أحد أعمدة المجتمع، ليس فقط في إقامة الصلاة، بل كان مرشدًا و مصلحًا و مربيًا و موجهًا. كان الإمام هو القدوة التي يحتذى بها، وكان الناس في الحي يلجؤون إليه في كل أمر، سواء كان دينيًا أو اجتماعيًا. كان لديه صلاحيات كبيرة في التهذيب و الإصلاح، وكان يُحترم ويُقدر من الجميع، سواء كانوا فقراء أو أغنياء، مواطنين أو حكامًا.
التحول إلى موظف حكومي:
لكن مع مرور الزمن، أصبح الإمام في العديد من البلدان العربية، بما في ذلك سوريا و الأردن، مجرد موظف حكومي. لا يملك من الحرية ما يمكنه من أداء رسالته كما يجب. أصبح دوره مقتصرًا على الصلاة، و الخطبة، وأصبح يتعامل مع الناس فقط في حدود المناسبات الدينية، دون أن يكون له تأثير حقيقي في الترابط الاجتماعي أو الإصلاح المجتمعي.
والأكثر إيلامًا أن الإمام أصبح مقيدًا و مهمشًا، لا يُسمح له بالتفرغ لمهامه الروحية والدينية، بل يُعاني من الضغط المادي، ولا يجد الوقت المناسب لممارسة العلاقات الاجتماعية أو الإنسانية، ناهيك عن الانخراط في القضايا الاجتماعية و التربوية التي كان من المفترض أن تكون جزءًا من دوره. الإمام أصبح في كثير من الحالات موظفًا على الهامش، يتقاضى راتبًا ضعيفًا، ويُحاصر في مواقف صعبة لا تسمح له بالقيام بدوره الصحيح.
أزمة الأئمة في المجتمع العربي:
هذه المعضلة ليست مقتصرة على سوريا أو الأردن فقط، بل هي ظاهرة عامة في معظم البلدان العربية. حيث يتم إسقاط القدوة عن الزعماء الدينيين أو الأئمة، ويُقلل من مقامهم في المجتمع، حتى أصبح الناس في كثير من الأحيان لا يُقدرون علمهم و إخلاصهم في أداء رسالتهم.
في الماضي، كان الإمام هو حامل الأمانة، صوت الحق، و مدافعًا عن المبادئ. أما الآن، فإن الضغوط التي يتعرض لها الأئمة، سواء من السلطات الحاكمة أو من الناس، قد جعلت الدور الديني أكثر ضبابية و محدودية، وأصبح الكثير من الأئمة يشعرون بأنهم مجرد أداة في يد السلطات، لا يستطيعون التعبير عن آرائهم أو الانخراط في قضايا الأمة.
أهمية الإصلاح في واقع الأئمة:
الحديث عن حقوق الأئمة و الخطباء يجب أن يكون أولوية في الخطاب الديني و الإصلاح الاجتماعي. الإمام يجب أن يكون قدوة في أخلاقه و تعليمه و مواقفه. يجب أن يعود له دوره الريادي في الإصلاح الاجتماعي و التوجيه الروحي. إذا لم يتم إعادة تقدير مكانة الإمام في المجتمع، فإننا نواجه خطرًا حقيقيًا في فقدان الأخلاق و الروحانية في مجتمعاتنا.
إن إصلاح واقع الأئمة يتطلب دعمًا ماديًا و معنويًا من الدولة و المجتمع، وتوفير الحرية لهم في أداء رسالتهم دون قيود. يجب أن يُمنح الأئمة الفرصة لتطوير علمهم و تعليمهم، وأن يتم تقدير دورهم في إصلاح المجتمع بدلًا من أن يُنظر إليهم فقط كـ موظفين حكوميين.
خلاصة القول:
إن إسقاط القدوة عن الأئمة والخطباء هو أحد الأسباب الرئيسية في دمار الأمة. إذا لم يُعطَ هؤلاء الأئمة الدور الذي يستحقونه في إصلاح المجتمع، فإننا سوف نعيش في مجتمعات مفككة، فاقدة للقدوة، تسير نحو الضياع. الحديث عن حقوق الأئمة و ضرورة احترامهم يجب أن يصبح جزءًا من الخطاب الإصلاحي الذي يهدف إلى إعادة بناء الأمة على أسس دينية و أخلاقية صحيحة.
اللهم اجعلنا من أهل الحق والصلاح، وأعد للأئمة والخطباء مكانتهم في المجتمع.