التدين المادي الجاف والصراع مع الإلحاد: أزمة الهوية والروح
29 ديسمبر، 2024
العلمانية وغزو بلاد العرب

بقلم الدكتور الشيخ / محمد سعيد صبحي السلمو ( الأزهرى البابي الحلبي )
من وحي الواقع
التدين المادي الجاف والصراع مع الإلحاد: أزمة الهوية والروح :
إن ما نراه من تحول في فكر بعض شبابنا، خاصة المغتربين منهم، نحو الإلحاد أو الشكوك العميقة في الدين، هو نتيجة مركبة لعدة عوامل، يتداخل فيها ما هو ( نفسي واجتماعي وثقافي وفكري ).
يعيش كثير من هؤلاء الشباب في صراع داخلي بين الشبهات التي يطرحها الملحدون ، وبين الردود السطحية التي يقدمها بعض العلماء أو المشاهير، وبين العقيدة الدينية التي قد لا تكون قد تم تأسيسها بشكل صحيح في عقولهم وقلوبهم.
وقد يتفاقم هذا الصراع عندما يواجهون العالم الغربي، الذي يروج للعلوم التجريبية و الفلسفات الحديثة، فينظرون إلى هؤلاء الفلاسفة والعلماء الغربيين على أنهم الأكثر فهمًا و الأكثر علمًا، ما يزرع فيهم الشبهات حول الإيمان و الدين، ويغذي لديهم أزمة الهوية.
التدين المادي الجاف: أزمة فهم الدين
إن التدين المادي الجاف الذي ترعرع عليه البعض، هو تدين سطحي يعتمد على الظاهر و الشكل أكثر من جوهر الإيمان.
قد يتمثل هذا في شخص يتقيد ببعض الطقوس الدينية كالصلاة والصوم، ولكن دون أن يكون له فهم عميق لما وراء هذه العبادة من قيم روحية و علاقة حقيقية بالله تعالى. هذا النوع من التدين يعتمد بشكل كبير على التقليد، ولا يعكس الفهم الواعي للأمور الدينية.
غالبًا ما يرتبط هذا النوع من التدين بـ المناهج الدراسية الأكاديمية التي تركز على العلوم التجريبية و الفلسفات الغربية، حيث يتم إظهار فلاسفة الغرب وعلمائه على أنهم القدوة المثالية في الفهم و العقلانية.
هذا التوجه قد يزرع في نفوس الشباب شعورًا بأن الإسلام، بمفهومه التقليدي، ليس ملائمًا للعصر الحديث أو ليس مواكبًا للتطورات العلمية.
لكن ما يغفل عنه الكثيرون هو أن الإسلام، منذ نشأته، كان الدين الذي لا يتناقض مع العقل، و (الذي يتناغم مع العقلانية الحقيقية) .
فالإسلام لا يعارض العلم، بل يدعو إلى التفكير و التدبر و البحث.
والفرق بين العقلانية الإسلامية و العقلانية الغربية يكمن في أن الإسلام يعترف بوجود الروح و الجانب الغيبي، وهو ما لا يعترف به الفكر الغربي المادي الذي يقتصر على المعرفة التجريبية.
الصراع بين الإلحاد والإيمان
عندما يذهب الشاب إلى أوروبا أو يعيش في بيئة غربية، ويواجه الشبهات الإلحادية، يواجه تحديًا حقيقيًا في موازنة الأفكار.
هذا الشاب قد يكون قد نشأ في بيئة دينية، ولكنه لا يمتلك الأساس العقدي القوي الذي يربطه بدينه. ومن ثم، عندما يواجه هذه الشبهات التي قد تبدو قوية على السطح، مثل شبهة التطور أو شبهة التناقضات في النصوص الدينية، أو حتى الوجود الغيبي لله، فإن ردود الفعل السطحية التي يراها في بعض الخطابات الدعوية قد لا تكون كافية لإقناعه، بل قد تثير لديه الشكوك.
هذه الآية توضح أن التقوى هي المعيار الحقيقي عند الله، وليس العرق أو المال أو المكانة الاجتماعية.
وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في خطبته الشهيرة في حجة الوداع، حين قال:
“يا أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود، إلا بالتقوى.”
لذلك، فإن الإسلام هو الدين الذي ألغى الفوارق التي يسعى الغرب أحيانًا إلى تأكيدها، ويعزز المساواة الحقيقية بين الناس.
الخلاصة:
إن التدين المادي الجاف الذي يفتقر إلى الروح و الفهم العميق للدين هو السبب الرئيس في أزمة الهوية التي يعاني منها بعض شبابنا، خاصة المغتربين. وعندما يواجهون شبهات الإلحاد والانتقادات الفكرية في الغرب، فإنهم يحتاجون إلى أساس عقدي قوي و ردود علمية و منطقية على هذه الشبهات. وفي هذا السياق، يجب على المسلمين أن يعودوا إلى فهم دينهم بشكل أعمق وأكثر عقلانية، وأن يدركوا أن الإسلام هو الدين الذي يقدم الحرية الحقيقية ويكسر الفوارق العرقية والطبقية، ويقدم إجابات شافية للأسئلة الوجودية التي قد تواجههم.