[ بالعقل ] بدايتي معه !

 بقلم الدكتور : محمد محمد هيكل

إستشاري تطوير الذات والعلاقات الإنسانية والتخطيط الإستراتيجي للموارد البشرية..

في صباح اليوم وبعد أن انتهيت من إفطاري..

كنت ممسكًا بكوب الشاي الذي أصبح جزءًا من حياتي اليومية ، وباليد الأخرى أتصفح رسائل الواتساب ، حتى ظهر أمامي رسالة من أحد أصدقائي القدامى والذي انقطعت أخباره عني منذ فترة ليست بقصيرة ، ربما هي الحياة التي شغلت كل منا بكثرة تفاصيلها التي تزداد يومًا بعد يوم .

بعد أن قرأت رسالته وتواصلت معه وتجاذبنا معًا أطراف الحديث ثم عاد كل منا ليصارع الحياة من جديد .

أبت الذكريات أن تتركني لأمارس مهامي اليومية ، فأخذتني وعادت بي مسرعة لأكثر من ثلاثة وعشرون عامًا .

وقتها كنت أجلس ذات صباح على كرسي في مكتبي ، حين وجدت صديقي علي واقفًا أمامي وأنا أقرأ في القرآن الكريم ، وبعد أن انتهيت ، سألني علي : ماذا كنت تفعل؟

أجبته متعجبًا.. كنت أقرأ القرآن كما تعودت كل يوم أقرأ ما تيسر لي وإن كانت صفحة أو صفحتين!!

قال لي مبتسمًا , أعلم أعلم أنك تقرأ القرآن ولكن هل لك أن تفسر لي ما قرأته الآن؟

أجبته متلعثمًا وكأني جاهل أمام لجنة امتحان .. أنا أقرأ ولكن لم أهتم كثيرًا بالتفسير كما يجب..

جلس بجواري ورتب على كتفي وقال أنصحك يا صديقي بأن تفهم ما تقرأ وستجد الأمر مختلفًا تمامًا ، يمكنك أن تشتري كتاب تفسير الجلالين لتفسير القرآن الكريم ..

لم أترك نُصحه لي يذهب معه ، ولكنني أخذته على محمل الجد .

 في اليوم التالي كنت ذاهبًا لإنجاز بعض الأعمال بالإسكندرية وقررت أن أبحث عن كتاب تفسير الجلالين الذي نصحني علي باقتنائه، وبالفعل وجدته بإحدى المكتبات، وقتها شعرت بأنني بدأت السير في طريق مختلف ولكنني كنت سعيدًا جدًا بذلك فما أجمل طريق العلم خاصة وإن كان تعلم القرآن الكريم .

قبل أن أبدأ التجول بين صفحات الكتاب ، سألت نفسي ، من أين سأبدأ؟

لأجدها تجيبني في نفس اللحظة .. إبدأ من البداية .. إقرأ ..

أقنعتني نفسي بإجابتها السريعة ، وقررت أن أبدأ من هنا بالفعل

قررت أيضًا أن أقوم بتفسير صفحة واحدة أو سورة قصيرة كل يوم ولتكن البداية سورة العلق .

كنت أقول لنفسي أنه بإمكاني تفسير القرآن الكريم كاملاً خلال عام وحتى وإن وصل بي الأمر لعامين فهذا جيد جدًا .

لم أكن لأتخيل أبدًا ولو للحظة واحده بأنني سأمضي أكثر من ثلاثة وعشرون عامًا وما زلت أحاول تفسير أول كلمة بالقرآن الكريم ولم أتوصل لتفسيرها بعد ( إقرأ.. )!!

فسرتها بأن الله يخاطب نبيه الكريم ويخاطبنا بالتبعية بأن نقرأ ما يتنزل من القرآن الكريم بعد هذا الأمر.

فحدثني شئ بداخلي وإن كان الأمر مجرد القراءة فلماذا طلب منك صديقك علي بأن تفهم ما تقرأ , لماذا طلب منك شراء كتاب التفسير هذا ؟

إذًا علي أن أقرأ وأفهم ما أقرأ ، إذًا المقصود هو استخدام العقل .. ومن هنا بدأت تنهال فوق رأسي أسئلة واستفسارات , مما يتركب العقل؟ كيف يعمل العقل؟

ما الذي يؤثر به؟

هل العقل هو الذي يقود ويتحكم بالإنسان أم أن هناك شئ آخر؟

هل العقل مجرد عضو عادي بالجسد تظهر آليات عمله كباقي الأعضاء الأخرى من خلال الأشعة والتحاليل والفحوصات أم أنه مرتبط بالروح والروح من أمر ربي؟

 ومن هنا كانت بدايتي معه , نعم كانت بدايتي مع العقل ، دخلت في دراسات أخرى تختلف عن مجال عملي ، دراسات وأبحاث وقراءات وتطبيقات عملية ، كلما شعرت بأنني قد وصلت لشئ أجد نفسي ما زلت في البداية.

 وصدق ربنا الكريم حين قال في كتابه العزيز:

(قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا)      صدق الله العظيم    الآية 109 سورة الكهف

قد يندهش الكثيرون كون أنني مكثت طوال هذه السنوات أفسر وأفهم كلمة واحدة بالقرآن الكريم ، تذكروا جيدًا أن الأمر لوكان فهم ما جاء بالقرآن الكريم فلن تستطيع البشرية كلها منذ أن خلقها الله عز وجل وحتى يبعثها مرة أخرى أن تفسر وتطبق كلمة اقرأ، أتدرون لماذا لأن الله قال في كتابه الكريم:  (مافرطنا في الكتاب من شئ) الآية 38 سورة الأنعام

معنى ذلك أن القرآن الكريم يشمل جميع العلوم التي لا حصر لها والتي يعمل بها آلاف العلماء ولهم آلاف الأبحاث والاكتشافات منذ آلاف السنين ولم يصلوا لنهاية العلم بل أن أمامهم الكثير والكثير، ومع كل ذلك يقول ربنا في كتابه الكريم:

 (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) الآية 85 سورة الإسراء

 إنه القرآن الكريم وإعجازه في كل شئ

اللهم علمنا ما ينفعنا وأنفعنا بما علمتنا يا الله يا علام الغيوب..

 انتظروني فما زال للحديث بقية،،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *