بقلم الدكتور / احمد عبد الرحيم
الباحث فى التاريخ الاسلامى
سلسلة (زمن الدجال) : ورود لفظ (زمن الدجال) فى كتب السنن
المقال الثالث من سلسلة (زمن الدجال)
تزخر كتب التراث بالحديث عن علامات الساعة لاسيما فتنها التى تنذر بانقضاء الدنيا وتبشر بالاخرة او يوم الدين او الدينونة، ولقد تعرضت مؤلفو تلك الكتب الى ايراد ذلك اللفظ (زمن الدجال) عند الحديث عن الزمن الذى سيخرج فيه الدجال كما اوردوه عند كلامهم على الزمن الذى يسبق خروج الدجال مباشرة.
كما ورد فى كتاب السيرة الحلبية “انسان العيون فى سيرة الامين المأمون” لابو الفرج نور الدين على بن احمد الحلبى المتوفى 1044 هجري ما نصه: ” فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما “أن أمه أم الفضل مرت به صلى الله عليه وسلم، فقال: إنك حامل بغلام فإذا ولدتيه فائتيني به قالت: فلما ولدته أتيته به، فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى وألبأه. أي أسقاه اللبأ من ريقه – وسماه عبد الله، وقال اذهبي بأبي الخلفاء، فأخبرت العباس، فأتاه فذكر له فقال: هو ما أخبرتك هذا أبو الخلفاء، حتى يكون منهم السفاح، حتى يكون منهم المهدي أي الخليفة” وهو أبو الرشيد بدليل قوله: “حتى يكون منهم من يصلي بعيسى ابن مريم: أي وهو المهدي الذي يأتي آخر الزمان اسمه محمد بن عبد الله، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد” وفي رواية “إلا ليلة واحدة يطول الله ذلك حتى يبعث، وظهوره يكون بعد أن يكسف القمر في أول ليلة من رمضان، وتكسف الشمس في النصف منه مثل ذلك لم يوجد منذ خلق الله السموات والأرض عمره عشرون سنة، وقيل أربعون سنة، ووجهه كوكب دري على خده الأيمن خال أسود، يخرج في زمان الدجال، وينزل في زمانه عيسى ابن مريم”.
ـ وما أورده الشيخ عبد الحق بن سيف الدين بن سعد الدين البخارى الدهلوى الحنفى المتوفى 1052 هجرياً فى كتابه “لمعات التنقيح فى شرح مشكاة المصابيح” تعليقاً على حديث “إِنَّ الإيمَانَ لَيَأْرِزُ إِلَى الْمَدِينَةِ كَمَا تَأْرِزُ الحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا”. متفق عليه بقوله” قال العبد الضعيف: الأصح أنه إخبار عن زمان الدجال كما يدل عليه الأحاديث، واللَّه أعلم”.
ـ وما ورد فى كتاب المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ـ لابو زكريا محى الدين يحى بن شرف النووى المتوفى 676 هـ فى باب (المدينة تنفى خبثها وتسمى طابة وطيبة) : ” قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فِي الْمَدِينَةِ انها تنفى خبثها وشرارها كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ) وفى الرواية الاخرى (كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ خَبَثُ الْحَدِيدِ وَالْفِضَّةِ هُوَ وَسَخُهُمَا وَقَذَرُهُمَا) حيث رجح النووى ان زمان هذا الحديث سيكون فى زمن الدجال لا زمن النبى صلى الله عليه وسلم كما ذهب اليه القاضى.
واليك نص كلام النووى (قَالَ الْقَاضِي الْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا مُخْتَصٌّ بِزَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصْبِرُ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْمَقَامِ مَعَهُ إِلَّا مَنْ ثَبَتَ إِيمَانُهُ وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ وَجَهَلَةُ الْأَعْرَابِ فَلَا يَصْبِرُونَ عَلَى شِدَّةِ الْمَدِينَةِ وَلَا يَحْتَسِبُونَ الْأَجْرَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ الَّذِي أَصَابَهُ الْوَعَكُ أَقِلْنِي بَيْعَتِي هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ الْأَظْهَرُ لَيْسَ بِالْأَظْهَرِ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْأَوَّلُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْفِيَ الْمَدِينَةُ شِرَارَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِي زَمَنِ الدَّجَّالِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ فِي أَحَادِيثِ الدَّجَّالِ أَنَّهُ يَقْصِدُ الْمَدِينَةَ فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ يُخْرِجُ اللَّهُ بِهَا مِنْهَا كُلَّ كَافِرٍ وَمُنَافِقٍ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِزَمَنِ الدَّجَّالِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ فِي أَزْمَانٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ). وقد نقل كلام النووى كثير من المؤلفين المتقدمين فى مصنفاتهم.
ـ وورد فى كتاب “فتح البارى بشرح صحيح البخارى” لابن رجب البغدادى السلامى الحنبلى المتوفى 795 هـ فى حديث أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج – وهو القتل القتل -، [حتى يكثر فيكم المال فيفيض] “. وقال “هذا قطعة من حديث طويل، قد خرجه بتمامه في ” كتاب الفتن ” وقبض العلم، قد سبق الكلام عليه بما فيه وتقارب الزمان، فسر بقصر الأعمار، وفسر بقصر الأيام في زمن الدجال. وقد روي في ذلك أحاديث متعددة، الله أعلم بصحتها”.
ـ وجاء فى كتاب “ارشاد السارى بشرح صحيح البخارى” لابى العباس شهاب الدين القسطلانى المصرى المتوفى 923 هـ فى حديث حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: “تَصَدَّقُوا فَسَيَأْتِى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَمْشِى الرَّجُلُ بِصَدَقَتِهِ فَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهَا” قال معقباً على الحديث “وهذا إنما يكون في الوقت الذي يستغني الناس فيه عن المال لاشتغالهم بأنفسهم عند الفتنة، وهذا في زمن الدجال”.
ـ وجاء فى كتاب ” كتاب تاريخ الخميس فى احوال أنفس النفيس” للديار البكرى المتوفى 966 هجرى قوله “وروى أن التسبيح والتهليل يجزى عن الطعام فى زمن الدجال ويعيش بالتسبيح والتكبير ويجزئ ذلك مجزى الطعام* وفى صحيح مسلم يجزئ المسلمين من الطعام التسبيح والتهليل فقيل يا رسول الله انا لنعجن عجينا فنخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمن يومئذ قال يجزيهم ما يجزى أهل السماء من التسبيح والتهليل”.
ـ وجاء فى كتاب “مرقاة المصابيح شرح مشكاة المصابيح” للملا على القارى المتوفى 1014 هـ (كتاب الرؤيا) فى حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ يَكَدْ يَكْذِبُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ” : قَالَ صَاحِبُ الْفَائِقِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ، أَحَدُهَا: أَنَّهُ أَرَادَ آخِرَ الزَّمَانِ وَاقْتِرَابَ السَّاعَةِ ; لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا قَلَّ وَتَقَاصَرَ تَقَارَبَتْ أَطْرَافُهُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمُقْتَصِرِ مُتَقَارِبٌ، وَيَقُولُونَ: تَقَارَبَتْ إِبِلُ فُلَانٍ إِذَا قَلَّتْ، وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ (فِي آخِرِ الزَّمَانِ لَا تَكَادُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ) . وَثَانِيهَا: أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ اسْتِوَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِزَعْمِ الْعَابِرِينَ أَنَّ أَصْدَقَ الْأَزْمَانِ لِوُقُوعِ الْعِبَارَةِ وَقْتُ انْفِتَاقِ الْأَنْوَارِ، وَزَمَانُ إِدْرَاكِ الْأَثْمَارِ، وَحِينَئِذٍ يَسْتَوِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ. ثَالِثُهَا أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ حَتَّى تَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ، وَالْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ، وَالْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ. قَالُوا: يُرِيدُ بِهِ زَمَنَ خُرُوجِ الْمَهْدِيِّ، وَبَسْطِ الْعَدْلِ، وَذَلِكَ زَمَانٌ يَسْتَقْصِرُ لِاسْتِلْذَاذِهِ فَيَتَقَارَبُ أَطْرَافُهُ قُلْتُ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ زَمَنُ الدَّجَّالِ وَأَيَّامُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، فَإِنَّهُ مِنْ كَثْرَةِ التَّعَبِ وَالْآلَامِ، وَعَدَمِ الشُّعُورِ بِأَزْمِنَةِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ، تَتَقَارَبُ أَطْرَافُهُ فِي الْأَعْوَامِ، وَأَيْضًا يَحْتَاجُ الْمُؤْمِنُ حِينَئِذٍ إِلَى مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى مَطْلُوبِهِ، وَيَسْتَأْنِسُ بِهِ فِي طَرِيقِ مَحْبُوبِهِ، فَيُعَانُ لَهُ بِجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ، وَشُعْبَةٍ مِنْ شُعَبِ أَرْبَابِ الْوِلَايَةِ”.
ـ وجاء ايضاً فى مرقاة المصابيح فى الاثر المروى عن الزبير بن عدى قال: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ ـ ابن يوسف الثقفى ـ فَقَالَ: اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ أَشَرُّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ ” قيل: هذا الاطلاق يشكل بزمن عمر بن عبد العزيز فانه بعد زمن الدجال بيسير وبزمن المهدى وعيسى عليه الصلاة والسلام وأجيب : بأنه محمول على الاكثر الأغلب وأن المراد بالأزمنة الفاضلة فى السوء من زمن الحجاج الى زمن الدجال”.
ـ وجاء فى كتاب “فتح الودود فى شرح سنن ابى داود” لابى الحسن السندى فى حديث ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “يُوشِكُ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُحَاصَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، حَتَّى يَكُونَ أَبْعَدَ مَسَالِحِهِمْ سَلَاحِ” قيل: لعل هذا زمن الدجال”.
ـ وجاء فى كتاب “التنوير فى شرح الجامع الصغير” للصنعانى المعروف بالامير (فى حرف اللام) فى حديث أم سلمة “ليأتين على الناس زمان يكذب فيه الصادق ويصدق فيه الكاذب ويخون فيه الأمين ويؤتمن الخئون ويشهد المرء ولم يستشهد ويحلف وإن لم يستحلف ويكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع لا يؤمن بالله ورسوله”. قال : وذلك لغلبة سوء الظن وخبث الطباع ويحتمل أنه أريد به زمن الدجال الذي يكذب فيه أهل الإيمان”.
وجاء فى كتاب “لوامع الانوار البهية وسواطع الاسرار الاثرية فى شرح الدرة البهية فى عقد الفرقة المرضية” لشمس الدين ابو العون السفارينى الحنبلى المتوفى 1188 هجرى فى العلامة الثامنة طلوع الشمس من مغربها ما نصه : “كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا “لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ» ” الْحَدِيثَ وَفِيهِ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ” وَعَلَى هَذَا يَكُونُ تَقَارُبُ الزَّمَانِ وَتَقَاصُرُ الْأَيَّامِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً زَمَنَ الدَّجَّالِ ثُمَّ تَرْجِعُ بَرَكَةُ الْأَرْضِ وَطُولُ الْأَيَّامِ إِلَى حَالِهَا، ثُمَّ تَتَنَاقَصُ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِنَا عِيسَى عليه السلام إِلَى أَنْ تَصِيرَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ”.