العاقبة للحق

بقلم الشيخ : محمد مصطفى صالح
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف

 حول الصراعِ بين الحق والباطل :

يقول الله تعالى: “وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَٰتِهِۦ وَيَقۡطَعَ دَابِرَ ٱلۡكَٰفِرِينَ* لِيُحِقَّ ٱلۡحَقَّ وَيُبۡطِلَ ٱلۡبَٰطِلَ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُجۡرِمُونَ  ” [ الأنفال ]

أخي القارئ : الحديث عن الحقِّ في القرآنِ الكريمِ حديثٌ طويل والحديث عن الصراع بين الحق والباطل حديثٌ متكرر والحديث عن العاقبة للحق حديثٌ واضح

قال الله تعالى : ” قُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَمَا يُبۡدِئُ ٱلۡبَٰطِلُ وَمَا يُعِيدُ ” [سبأ :  ٤٩ ]
“وَقُلۡ جَآءَ ٱلۡحَقُّ وَزَهَقَ ٱلۡبَٰطِلُۚ إِنَّ ٱلۡبَٰطِلَ كَانَ زَهُوقٗا  ” [الإسراء :٨١]

في حوار دار بين الحق والباطل:

قال الباطل للحق : أنا أعلى منك شأنًا .
فرد عليه الحق قائلًا  : وأنا أثبت منك قدمًا .

قال الباطل : أنا أقوى منك . 

فرد عليه الحق : أنا أتقى منك .
قال الباطل  :يتبعني الأقوياء والمترفون .

فرد عليه الحق :  “وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا فِي كُلِّ قَرۡيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجۡرِمِيهَا لِيَمۡكُرُواْ فِيهَاۖ وَمَا يَمۡكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ  ” [ الأنعام :١٢٣]

قال الباطل :  أستطيع أن أقتلك الآن .
فرد عليه الحق : سيأتي أبنائي من بعدي ويقتلونك :

فالصراع بين الحق والباطل : بالبيان حينًا  ، وبالسِّنان حينًا ، سنة ماضية في هذه الحياة الدنيا ، لم تُرْفَع بموتِ الرسل ، ولا بموت أعدائهم ، مات الرسل وبقي صراع الحق والباطل قائمًا ، ولا تتوقف هذه السنة باستشهاد رجال الحق ، ولا بزهوق أهل الباطل  ، بل هي سنة ماضية باقية

قال الله تعالى عن المشركين والكفرة : “وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمۡ عَن دِينِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَٰعُواْ  ” [ البقرة :٢١٧]
[لا يزالون] : صيغة مضارع ، فأتباع الرحمن وهم أهل الحق يعملون وأتباع الشيطان وهم أهل الباطل يعملون أيضًا ,

أخرج سعيدُ بنُ منصورٍ في سننه عن أنس مالك رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله ﷺ : ” والجِهادُ ماضٍ منذُ بعثَني اللَّهُ إلى أن يقاتِلَ آخرُ أمَّتي الدَّجَّالَ لا يبطلُهُ جورُ جائرٍ ولا عدلُ عادلٍ والإيمانُ بالأقدارِ .

 عاقبةُ أعداءِ الحق :

قال تعالى : ” كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡحَقَّ وَٱلۡبَٰطِلَۚ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذۡهَبُ جُفَآءٗۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمۡكُثُ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ  ” [الرعد :١٧]
ففي قصة سيدنا موسى وفرعون الكثير والكثير ، وقد تكرر ذكرها في القرآن الكريم فكم قتل الباطلُ من أبناءِ الحق وكم زبد ورعد وسحر وانتفخ فماذا كانت العاقبة ؟!

فقال تعالى :  “وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۖ فَإِذَا هِيَ تَلۡقَفُ مَا يَأۡفِكُونَ * فَوَقَعَ ٱلۡحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ * فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَٱنقَلَبُواْ صَٰغِرِينَ  ” [الأعراف ١١٧ – ١١٩]

وماذا كانت العاقبة في قصة سيدنا إبراهيم مع النمرود 
“فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ  ” [البقرة :٢٥٨ ]

وماذا كانت العاقبة في قصة نوح مع أهل الباطل 
“فَفَتَحۡنَآ أَبۡوَٰبَ ٱلسَّمَآءِ بِمَآءٖ مُّنۡهَمِرٖ *وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُيُونٗا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَآءُ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ قَدۡ قُدِرَ * وَحَمَلۡنَٰهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلۡوَٰحٖ وَدُسُرٖ * تَجۡرِي بِأَعۡيُنِنَا جَزَآءٗ لِّمَن كَانَ كُفِرَ * وَلَقَد تَّرَكۡنَٰهَآ ءَايَةٗ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِرٖ * فَكَيۡفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ  ” [القمر :١١ -١٦  ]

وماذا كانت العاقبةُ في قصةِ شعيب مع الظالمين
“وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا شُعَيۡبٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَأَخَذَتِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيۡحَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دِيَٰرِهِمۡ جَٰثِمِينَ * كَأَن لَّمۡ يَغۡنَوۡاْ فِيهَآۗ أَلَا بُعۡدٗا لِّمَدۡيَنَ كَمَا بَعِدَتۡ ثَمُودُ ” [ هود :٩٤ – ٩٥]

وقُلْ مثلُ ذلك في صالحٍ وهودٍ ولوطٍ مع أهل الباطل
“فَكُلًّا أَخَذۡنَا بِذَنۢبِهِۦۖ فَمِنۡهُم مَّنۡ أَرۡسَلۡنَا عَلَيۡهِ حَاصِبٗا وَمِنۡهُم مَّنۡ أَخَذَتۡهُ ٱلصَّيۡحَةُ وَمِنۡهُم مَّنۡ خَسَفۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ وَمِنۡهُم مَّنۡ أَغۡرَقۡنَاۚ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ  ” [العنكبوت : ٤٠]

 أسباب تأخر نصرة الحق :

أخي القارئ : مادام الصراعُ بين الحقِّ والباطِلِ سنة ، وما دامتِ العاقبة للحق وهي سنة فلماذا لا يُسرِع اللهُ عز وجل في أن يظهر عاقبة الخير والحق؟!

يتأخر ظهور عاقبة المتقين الحسنة : لأن الله يريد أن يميز الخبيث من الطيب ،  حيث يقول الله تعالى فى كتابه العزيز :“مَّا كَانَ ٱللَّهُ لِيَذَرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ عَلَىٰ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ ٱلۡخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُطۡلِعَكُمۡ عَلَى ٱلۡغَيۡبِ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَجۡتَبِي مِن رُّسُلِهِۦ مَن يَشَآءُۖ فَـَٔامِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦۚ وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمۡ أَجۡرٌ عَظِيمٞ [ آل عمران :١٧٩ ]

يتأخر ظهور عاقبة المتقين الحسنة : لأن الله يريد أن يصف صفوف المؤمنين من المنافقين حيث يقول رب العزة جل وعلا : “وَمَآ أَصَٰبَكُمۡ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِ فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيَعۡلَمَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ * وَلِيَعۡلَمَ ٱلَّذِينَ نَافَقُواْۚ وَقِيلَ لَهُمۡ تَعَالَوۡاْ قَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوِ ٱدۡفَعُواْۖ قَالُواْ لَوۡ نَعۡلَمُ قِتَالٗا لَّٱتَّبَعۡنَٰكُمۡۗ هُمۡ لِلۡكُفۡرِ يَوۡمَئِذٍ أَقۡرَبُ مِنۡهُمۡ لِلۡإِيمَٰنِۚ يَقُولُونَ بِأَفۡوَٰهِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا يَكۡتُمُونَ  ” [ آل عمران :١٦٦ -١٦٧ ]

يتأخرُ ظهورُ عاقبةِ المتقين الحسنة : لأن الله يريد أن يتَّخذ من المؤمنين شهداء , فيقول تعالى فى محكم التنزيل :“وَتِلۡكَ ٱلۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ  ” [ آل عمران :١٤٠ ]

يتأخرُ ظهورُ عاقبةِ المتقين الحسنة : لأن الله تعالى يريد أن يَهْلِك من هَلَكَ عن بينة لكي لا يقول قائل لماذا خلق الله النار ولماذا يقاتل المسلمون ويحاربون غيرهم حرام والله هذا القتل ولماذا أهلك الله هؤلاء الأقوام قال تعالى : وَلَٰكِن لِّيَقۡضِيَ ٱللَّهُ أَمۡرٗا كَانَ مَفۡعُولٗا لِّيَهۡلِكَ مَنۡ هَلَكَ عَنۢ بَيِّنَةٖ وَيَحۡيَىٰ مَنۡ حَيَّ عَنۢ بَيِّنَةٖۗ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ  ” [ الأنفال : ٤٢]

 ما واجبنا تجاه ما يحدث في غزة :

أخي القارئ : اليوم في صِراعِ أهل فلسطين ولبنان وغيرِها مع الصهاينة المغتصين تعود سنة التدافع بين الحق والباطل لتظهرَ من جديد ، وستعود سنةُ العاقبة للحق للظهور بإذن الله تعالى , حيث يقول الله تعالى فى كتابه العزيز :“وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُواْ يَحۡذَرُونَ  ” [القصص :٥ – ٦ ]

والكلام عزيزى القارئ :  لكل واحد منا ,  ولكل من سيقرأ أو سيسمع لنا أن نُدْرِكَ أمورًا ثلاثة :

أولًا: نحن نعيشُ في أزْمةٍ ربما لم نعش مثلها من قبل ، والفاجعة الكبرى في الآلافِ المؤلفة التي قتلت بكافة الطرق الوحشية ، ولم يراعى فيها الكبار ولا النساء ، ولا الأطفال ، ولا حتى الفارين إلى الصحارى والطرقات
، تعقب في المدن تعقب في الطرقات ، تعقب في التهجير كأنني معكم ومع كثيرون تأكدوا أنه  “لَيۡسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ ” [النجم: ٥٨]

ومن هنا نذكر أنفسنا بأن نلجأ إلى الله سبحانه نصرة لإخواننا “كُلَّمَآ أَوۡقَدُواْ نَارٗا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَاالله ” [المائدة ]


ثانيًا:
لا نسمي ما يجري في غزة حربًا ، وإنما هي جريمةُ إبادةٍ جماعية  لا مثيل لها  ، أيضًا لأننا نفهم أن الحرب الحقيقية تكون بين جيشين يقتتلان بكامل الأسلحة  ، فحدثني عن الجيشِ الفلسطيني أين هو؟

غزة فيها جيشٌ واحدٌ فقط وهو جيش الكيان الصهيوني ، وهو الجيش المدرع والمددج بأشرسِ الأسلحة ،  هل رأينا جيشًا على أرضِ غزة؟
ليست حربًا إنما يريدون الأرض وإبادتها ولذلك ينفذون الإبادة حتى في الحيوانات

والحقُّ: ” إنَّ الأرضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ ” [ الأعراف : ١٢٨]

فالزم الحق وأهله أخى القارئ واعلم أن العاقبة للحق 100% إذا لزمت الحق ستكون مع هذه العاقبة الحسنة وإذا ذهبت نحو الباطل لا قدر الله فالعاقبة مخزيةواذكر قول الله تعالى “ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ هُوَ ٱلۡبَٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ  ” [لقمان : ٣٠ ]

فكن في جانب الله تعالى طاعةً لأمرِهِ ، وإقامةً لشرعِهِ وَنُصْرَةً لدينِهِ في أنفسِكم وفي بيوتكِم وفي أسواقِكُم ، وفي مجتمعِكُم .

ثالثًا:بالتأمل نجد أن هذه الأمور وخاصة في مثلِ هذه المواقع لها أمران
البدايات والمآلات وقد تختلف المالآت جذريًّا عن فلسفةِ البدايات ، ففى  البدايات يوميًا نجد مئات القتلى والجرحى من الأطفال ومن النساء ، وقد تسمع صراخ الطفل وهم يجرون له عملية جراحية بدون بنجٍ أو تخدير ، وهم يقصدون الإيلام إيلامنا ، نحن وإيلام الأسرة ، وإيلام المجتمع ، وبقدر ما نتألمُ نحن بقدر ما يستمتعون هم بالمآلات أرى أنها في صالِحِنَا لماذا؟

لأن القضية الفلسطينية كادت تُنْسَى لأنه لايوجد كتابًا في مدارسنا يشرح هذه القضية للتلاميذ ، ربما تجد إنسانًا متخرجٌ من الجامعة ولا يعرف الفرق بين المسجد الأقصى وقبة الصخرة .

ونطرح سؤالًا: هل أولادُهم كاولادِنا؟ هم يلقِّنونَ أوْلادَهُمْ ويعلمونهم منذُ الصغر أن عدوك هو العربي وفلسطين هي أرضك العمل على الجهة الأخرى يَقِظ وعنده خطط وأهداف هذه الخطط والأهداف لم يتحقق منها شيءغزة كما هي والشعبُ كما هو .

العجب أنك ترى جيشًا جهنمي كامل التسليح يضرب ليل نهار في شعبٍ أعزل ولا يزال الشعب موجود ويجبرونه على إخراجه من أرضه ولا يزال واقفًا على أرضه حتى الآن إذن هذه هزيمة للكيان الصهيوني لن ينتصر لأنه لن يحقق أهدافه إذا كنا سنقيس بل انتصرت القضية الفلسطينية وانتصر أهل فلسطين لأنهم يقفون على أرضهم ويفضلون الموت حتى آخر شخص يعانقون المنايا ويبيعون أرواحهم بثمنٍ هو الجنة ، وما حدث ويحدث هزيمة لكل هذه الأسلحة وكل هذه المؤسسات التي وقفت بجانب الكيان الصهيوني .

وفي الختام نسأل الله أن يؤمنا في أوطاننا وأن يلطف بمصرنا وشامنا ويمننا وأهلنا بفلسطين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *