
بقلم الشيخ / محمود عطا
ماجستير في العلوم الانسانية
نتحدث عن مفهوم الزواج من خلال منظورين مختلفين: الشراكة واللباس، وسوف نقارن بينهما لنبين المفهوم الإسلامي الأصيل للعلاقة الزوجية مقابل المفهوم الغربي الذي تبنته بعض الثقافات المعاصرة.
التحليل والمقارنة بين مفهوم الشراكة واللباس
أول ما يلفت الانتباه هو توضيح الفرق الجوهري بين مفهوم “الشراكة” الذي هو نتاجًا للفلسفة الرأسمالية، ومفهوم “اللباس” الذي يعكس رؤية القرآن الكريم للعلاقة الزوجية.
فالشراكة تقوم على التساوي الكامل بين الزوجين في كل شيء: المسؤوليات، الحقوق، الواجبات، وحتى الماديات. وهذا المفهوم نابع من الفكر الغربي، الذي يُعلي من شأن المساواة المادية والقانونية بين الأطراف،
على الجانب الآخر نري مفهوم “اللباس” القرآني، الذي يصف العلاقة الزوجية بوحدة وتكامل بين الزوجين، حيث يصبح كل طرف مكملاً للآخر. فاللباس في القرآن لا يقتصر على كونه مجرد وصف بلاغي، بل يحمل دلالات عميقة تشمل الستر، الحماية، الجمال، والقرب. وفقًا لهذا المفهوم، الزواج ليس معادلة رياضية تقوم على حسابات الربح والخسارة، بل علاقة عاطفية وروحية تقوم على التكامل والوحدة، وهو ما يفوق بكثير فكرة الشراكة الباردة التي تعتمد على المساواة المادية فقط.
الشراكة: مفهوم مادي.
وفي تفصيل مفهوم الشراكة، نشير إلى أن اعتماد هذا المفهوم ينقل العلاقات الاجتماعية إلى نطاق مادي.
فكما في الشراكات التجارية، يتساوى الشريكان في الحقوق والواجبات، ويتشاركان في كل شيء، من الممتلكات إلى المسؤوليات. ولكن هذه النظرة، تتجاهل الفروقات الطبيعية بين الرجل والمرأة، وتضعهما في موضع متساوٍ بشكل مطلق، مما قد يؤدي إلى صراعات داخل الأسرة، إذ قد يرى كل طرف نفسه شريكًا متساويًا في القرار والتوجيه. كما أن مفهوم الشراكة قد يفتح الباب لدخول طرف ثالث في العلاقة الزوجية، كما يحدث في بعض الدول التي تسمح بالاتفاقيات الخاصة في الشراكات الزوجية.
أما مفهوم اللباس: فمفهوم روحي وتكاملي
مفهوم “اللباس” هو صورة للعلاقة الزوجية المتكاملة، حيث يكون كل طرف للآخر غطاء وسندًا. فالعلاقة هنا مبنية على المودة والرحمة، وهي المبادئ التي تضمن الاستمرارية والاستقرار.
اللباس يعني التغطية والستر، وهو رمز للتلاحم العميق بين الزوجين، حيث لا يتعاملان من منطلق المنفعة، بل من منطلق الحب والتضحية المتبادلة. هنا، يتجلى مفهوم القيادة في الأسرة، حيث يكون الرجل قائدًا وفق القوامة الشرعية، والمرأة تعاونه وتسانده في إطار من الاحترام المتبادل والطاعة بالمعروف.
ميثاق غليظ، لا عقد شراكة
وهذه أحد أهم النقاط ألا وهي الفرق بين “العقد” و”الميثاق الغليظ”. فالزواج في الإسلام ليس مجرد عقد قانوني ينتهي بقرار أحد الطرفين، بل هو “ميثاق غليظ” كما وصفه القرآن، وهو التزام عميق ودائم. الزواج ليس اتفاقية محددة بمدة زمنية أو بشروط قابلة للإلغاء بسهولة، بل هو عهد قوي يقوم على التفاهم والتضحية.
القوامة والطاعة: تكامل وليس تسلط
ومن خلال مفهوم “اللباس”، نعيد تعريف مفهوم القوامة والطاعة. فالقوامة ليست تسلطًا أو سيطرة، بل هي رعاية ومسؤولية، بينما الطاعة تأتي بالمعروف وفي إطار من الاحترام المتبادل. كل هذه المفاهيم تتماشى مع طبيعة العلاقة الزوجية الإسلامية التي تركز على العدل وعدم الظلم، وتجعل المرجعية في كل قرار هو القرآن والسنة، وليس مجرد اتفاق بين الطرفين بناءً على رغبات شخصية.
تأثير الثقافة الغربية
أحد النقاط التي يجب علينا أن ننتبه إليها ألا وهي التأثير الكبير للثقافة الغربية على مفهوم الزواج في المجتمعات الإسلامية المعاصرة. مع انتشار الأفكار الحديثة عن المساواة بين الجنسين، وتغير القيم الاجتماعية من خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، أصبح البعض ينظر إلى الزواج كعلاقة قائمة على الصراع والتحدي بين الطرفين.
هذه النظرة، التي تختلف عن الفهم الإسلامي التقليدي، ساهمت في زيادة حالات الطلاق والانفصال.
وختاما:الزواج كلباس، وليس شراكة
نختتم الحديث بدعوة للعودة إلى الفهم الإسلامي الأصيل للعلاقة الزوجية، وهو مفهوم “اللباس”. فالزواج وفق هذا التصور هو وحدة متكاملة تقوم على الحب والمودة، وتضمن الاستقرار والسعادة إذا ما التزم الزوجان بمبادئه. وبدلاً من الانغماس في مفاهيم الشراكة المادية، وأدعو الجميع إلى إعادة النظر في القيم الإسلامية التي تقوم على التضحية والتفاهم، وهو ما يضمن بركة ونجاح الزواج.
وبنظرة شاملة فإن الحديث في هذه السطور
يعكس نظرة عميقة إلى الزواج من منظور إسلامي، حيث نعيد توجيه النقاش بعيدًا عن المفاهيم المادية إلى القيم الروحية والمعنوية. ونحن بذلك نقدم رؤية قائمة على التفاهم والتعاون بدلًا من المنافسة، وندعو الجميع ونحثهم على استعادة المعاني الأصيلة التي تحفظ للأسرة تماسكها وسعادتها.