إن القصص القرآني في كل مشاهده لا يساق لذاته بل لما ينطوى عليه من عبر تهدى للخير وترتفع بالسلوك الإنساني حين تشتبه المسالك وتوحش الدروب،
ولقد قصّ القرآن الكريم على المسلمين الكثير من القصص، بعضها قصص للأنبياء وبعضها قصص لغير الأنبياء، وقصص غير الأنبياء منها قصص لرجال صالحين، ومنها قصص لغير الصالحين،
والغرض من هذه القصص أن يأخذ المسلمون العِظة والعبرة، ويتعلموا ويأخذوا الخبرة من هذه القصص؛ كيلا يقعوا فيما وقعت به الأمم السابقة من الأخطاء من جهة،
ويستفيدوا من الصواب من جهةٍ أخرى، فالحياة تجارب، والإنسان العاقل يتّعظ بما حدثَ مع غيره من خيرٍ وشر، ويستفيد من هذهِ الدروس السابقة، فالتجارب المشتركة بين البشر كمصابيح الهداية تضيىء للناس الطريق.
وقد ألحقت قصة أصحاب الكهف بما يجب التقيد به من هدى رباني، ونصح سماوي في مثل قول الله: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاءَ الله …) ومن المعلوم أن الله لا يعرض علينا أمرًا أو نهيًا أو قصة إلا ليكون عبرة للمعتبرين، وعظة للمبصرين، وآية تثبيت للمؤمنين، يقول الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف: ١١١]،
إضافةً إلى ما في هذهِ القصص من تثبيتٍ لقلبِ النبي ﷺ، “وكلّا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك” وتثبيت لقلوب الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم.
معنى القصص في القرآن
ورد لفظ القصّ والقصص في القرآن الكريم بعدة مواضع في القرآن الكريم تَدلُّ في مُجملها على أنّ معنى قصَّ أي تَتبّع، وعندما يُقال قَصَص السابقين، فالمعنى تَتبُّع أخبار السابقين وما كان من أحوالهم، وعلى هذا فإن لفظة القص أو القصص أينما وردت في القرآن الكريم فهي تدلّ على التتبّع واتِّباعُ الأَثَر، وفي القرآن الكريم أمثلة واقعية حسية ذات تأثير بالغ، وعبرة عظيمة، قصد بإيرادها تصوير المواقف، وتثبيت الإيمان أو غرسه، ومن هذه الأمثلة: سورة الكهف التي اشتملت على العديد من القصص الذي فيه صلاح الفرد والجماعة والمجتمع.
فضل سورة الكهف
قد وردت في فضل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة عدة أحاديث –تبلغ روايتها ستين رواية كما في الباحث الحديثي- يخبرنا فيها رسول الله ﷺ أنه من قرأ هذه السورة المباركة أضاء الله له من النور في أسبوعه كله، وهذا النور سبب من أسباب انشراح الصدر لتقبل اﻹسلام، وتطبيق أحكامه؛ قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ الله صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الله أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ الزمر: ٢٢، ومن هذه الأحاديث:
١- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «مَنْ قَرَأَ سورة الكهفِ يومَ الجمعةِ أَضاءَ له مِنَ النُّورِ ما بيْنَ الجُمعتينِ». راوه الحاكم، المستدرك على الصحيحين (٣٤٣٦) • وقال: صحيح الإسناد، والسيوطي في الجامع الصغير (٨٩١٠) • صحيح • أخرجه البيهقي (٦٢٠٩) واللفظ له
٢- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ “من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق”. رواه البيهقي والحاكم. وعن هُشَيمٍ وقالَ فيه: “أضاءَ لَهُ منَ النُّورِ ما بينَهُ وبينَ البيتِ العتيقِ.”
وعن هشيمٍ. موقوفًا وقالَ: “ما بينَهُ وبينَ البيتِ” ومرفوعًا ولفظُهُ “من قرأَ سورةَ الْكَهفِ كما أُنزِلَت كانت لَهُ نورًا يومَ القيامةِ. الذهبي، المهذب في اختصار السنن (٣/١١٨١) • وقفه أصح • أخرجه البيهقي (٦٢٠٩) واللفظ له، وأخرجه الحاكم (٣٣٩٢) باختلاف يسير. وقوله: “أضاء له من النور …” أخرجه موقوفاً أبو عبيد القاسم بن سلام في (فضائل القرآن) (ص٢٤٤)، والخطيب في (تاريخ بغداد) (٤/١٣٤) واللفظ لهما، وأخرجه الدارمي (٣٤٠٧) باختلاف يسير. وقوله: (من قرأ سورة الكهف كما أنزلت من قرأ سورة الكهف كما أنزلت كانت له نورًا يوم القيامة) أخرجه الحاكم (٢٠٧٢) واللفظ له، والنسائي في (السنن الكبرى) (٩٩٠٩، ١٠٧٨٨) مفرقاً باختلاف يسير، والطبراني في (المعجم الأوسط) (١٤٥٥) باختلاف يسير
٣- وعنه أيضًا: “من قرأ الكهفَ كما أُنزِلَت كانت له نورًا يومَ القيامةِ من مَقامِه إلى مكةَ، ومن قرأ عشرَ آياتٍ من آخرِها ثم خرج الدَّجالُ لم يُسلَّطْ عليه، ومن توضأ ثم قال: “سبحانك اللهم وبحمدِك لا إله إلا أنت أستغفرك أتوبُ إليك كُتِبَ في رِقٍّ ثم طُبِعَ بطابعٍ فلم يُكسَرْ إلى يومِ القيامةِ” صحيح لغيره أخرجه الحاكم (٢٠٧٢) واللفظ له، وأخرجه النسائي في (السنن الكبرى) (٩٩٠٩، ١٠٧٨٨) مفرقاً باختلاف يسير، والطبراني في (المعجم الأوسط) (١٤٥٥) باختلاف يسير
٤- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: “من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يضيء له يوم القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين”. أخرجه المنذري في الترغيب والترهيب
إن قِراءَةُ القُرآنِ فيها الخَيرُ والبَرَكةُ ولها فَضلٌ كَبيرٌ؛ فهو حَبْلُ اللهِ المَوصولُ، وفيهِ طُمَأنينةُ النَّفْسِ، وعِظَمُ الأَجْرِ، وتَتفاضَلُ سُوَرُه وآياتُه بحَسَبِ حِكمةِ اللهِ تَعالَى؛ لِما تَحتويهِ بعضُ السُّوَرِ مِن مَعانٍ ومَدلولاتٍ، لا تَشمَلُها بعضُ السُّوَرِ الأُخْرى، وقد خَصَّ اللهُ بالفَضلِ بَعضَ السُّوَرِ والآياتِ بمَزيدِ فَضلٍ، وخُصوصًا إذا قُرِئتْ في وَقتٍ مُعيَّنٍ، كما إذا قُرِئتْ سُورةُ الكَهفِ يَومَ الجُمُعةِ، أو في لَيلتها وتَبدَأُ لَيلةُ الجُمُعةِ مِن غُروبِ شَمسِ يَومِ الخَميسِ، ويَنتَهي يَومُ الجُمُعةِ بغُروبِ شَمسِه، أضاءَ له هذا النُّورُ ما بَينَه وبَينَ الكَعبةِ المُشرَّفةِ التي هي البَيتُ العتيقُ، وهذه الإضاءةُ يُحتمَلُ أنَّها في الدُّنيا، يَحُفُّه النُّورُ هذه المَسافةَ، ويَكونُ عَلامةً لِلمَلائِكةِ على قَبولِ عَمَلِه، ويَدفَعُ عنه الشَّياطينَ،
ويُحتَمَلُ أنْ يَكونَ هذا النُّورُ يَقذِفُه اللهُ في قَلبِ القارئِ، أو في بَصَرِه، أو بَصيرَتِه، أو في كُلِّ أحوالِه،
أو هو نُورٌ يَصعَدُ له مع أعمالِه إلى السَّماءِ، أو تُشاهِدُه المَلائِكةُ،
أو يَسطَعُ له في الآخِرةِ نُورٌ، زيادةً على غَيرِه يَومَ القيامةِ، يَكونُ هذا النُّورُ بقَدرِ المَسافةِ بَينَ القارئِ وبَينَ البَيتِ الحَرامِ والكَعبةِ. وفي الحَديثِ التَّرغيبُ والحَثُّ على قِراءةِ سُورةِ الكَهفِ يَومَ الجُمُعةِ.
ويُخبِرُنا النَّبيُّ ﷺ أنَّ مَن قرَأَ سُورةَ الكَهْفِ، «كما أُنزِلتْ»؛ والمرادُ: أنَّه يَقرَؤُها مُراعيًا لأحكامِ التِّلاوةِ، مُصاحبًا للتَّدبُّرِ والخشوعِ، كان أجْرُه يَومَ القيامةِ أنْ يَجعَلَ اللهُ له نورًا يُضيءُ له كما بيْنَ مَقامِه إلى مكَّةَ، والمرادُ بالقراءةِ: الاعتيادُ والتَّكرارُ والمواظَبةُ. وقيلَ: حِفْظُها، كما في رِوايةِ مُسلِمٍ، مِن حَديثِ أبي الدَّرْداءِ رضِيَ اللهُ عنه.
ثُمَّ أخبَرَ النَّبيُّ ﷺ أنَّ مَن قرَأَ عشْرَ آياتٍ مِن آخِرِ سُورةِ الكَهْفِ-وفي رِوايةِ مُسلِمٍ السَّابقةِ: «مَن حَفِظَ عشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورةِ الكَهْفِ»- وصادَفَ زَمانُه زمَنَ خُروجِ الدَّجَّالِ؛ «لمْ يُسلَّطْ عليه»؛ أي: لمْ يَستطِعِ الدَّجَّالُ فِتْنتَه، أو قَتْلَه، وحَفِظَه اللهُ، ووَقاهُ مِن شرِّه، وإنَّما كانَ قِراءةُ هذه الآياتِ أو حِفْظُها سَببًا للعِصمةِ مِنَ الدَّجَّالِ؛ لِمَا في هذه الآياتِ مِنَ العَجائبِ والمعجِزاتِ؛ فمَن عَلِمَهما لا يَستغرِبُ أمْرَ الدَّجَّالِ، ولا يُفتتَنُ به، ويَسهُلُ عليه الصَّبْرُ على فِتَنِ الدَّجَّالِ بما يَظهَرُ مِن نَعيمِه وعَذابِه، أو تكونُ العِصمةُ مِنَ الدَّجَّالِ مِن خَصائصِ اللهِ لِمَن حَفِظ هذه الآياتِ. (موقع الدرر السنية)
فضل قراءة سورة الكهف الأيام الأخري
– سببٌ لتنزّل السكينة قال رسول الله ﷺ (كانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الكَهْفِ، وإلَى جانِبِهِ حِصانٌ مَرْبُوطٌ بشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحابَةٌ، فَجَعَلَتْ تَدْنُو وتَدْنُو وجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ، فَلَمَّا أصْبَحَ أتَى النبيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذلكَ له فقالَ: تِلكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ بالقُرْآنِ) فقال ﷺ : هذه السَّحابةَ كان فيها المَلائكةُ وعليهمُ السَّكينةُ نزَلوا يَستَمِعونَ للقُرْآنِ؛ ولذلك نفَرَتِ الدَّابَّةُ عندمَّا رَأتْهم، وهذا يدل علي فَضلُ قِراءتها، وأنَّها سَببُ لنُزولِ الرَّحمةِ والسكينة ، وحُضورِ المَلائكةِ.
– سبب للعصمة من فتنة المسيخ الدجال قال رسول الله ﷺ: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف وتدبرها، عُصم من الدجال) -كما سنوضحها فيما بعد-؛ وذلك لاشتمالها علي آيات يمنع تدبرها من فتنته، والمسيخ الدجال يخرج آخر الزمان مدعيا الألوهية لخوارق تظهر على يده -بإذن الله- وهي فتنة عظيمة كيف ذلك؟
– إن فواتحها تتحدث عن فرار الفتية بدينهم من فتنة الملك، واعتصامهم بالكهف المانع من إطلاع الملك عليهم، وهو يناسب تمام المناسبة حال فرار المؤمنين من المسيح الدجال، واعتصامهم بالجبال عنه -كما أخبر رسول الله ﷺ بذلك-، فقال: (ليفرن الناس من الدجال في الجبال)، قالت أم شريكٍ: يا رسول الله، فأين العرب يومئذٍ؟ قال: (هم قليلٌ) رواه مسلم.