التَّصَوفُ جَاءَ بِهِ الوحيُ السَّماويُّ
10 نوفمبر، 2024
التصوف الإسلامى
إعداد الشيخ / طارق الجعار
يقول فضيلة الشيخ محمد زكي إبراهيم:
(التَّصَوفُ جَاءَ بِهِ الوحيُ السَّماويُّ)
القائلون بأنَّ التصوف بدعة، أو منكر مفتعل في الدين، أظنهم لا يعنون أبدًا تصوفَ المسلمين، وإنما يعنون هذا الرُّكامَ المتنافر من الفلسفات الإلحادية، والمذاهب الانحلالية بما فيها من النزوات والنزغات التي وفدت مع التبطن والشُّعوبية، والقرمطة، والتسلل الانحرافي بمختلف مستوياته، ثم اندست في خضم هذا العلم، وليس هذا بمنطبق أبدًا على التصوف الإسلامي النقي، ولا على الصفوة من رجاله بحمد الله.
ولا نحبُّ أنْ ندافع هنا عن أشخاص بالذات، ولكننا نحبُّ أن نُحسنَ الظنَّ بالناس، وأنْ نتأول المنسوب إليهم، ما دام إلى ذلك سبيلٌ من معقول أو منقول، ونرى أنَّ التحوط في مثل ذلك هو مقتضى الأدب والعلم والحكمة.
وحين لا يكون إلى تأول من سبيل فهم بَشرٌ يجتهدون، فيخطئون أو يصيبون، وحسابهم على الله، والخطأُ لا يخرج المخطئَ من دين الله، ولا يحرمه فضل الله، وكونه أخطأ في جانب، لا يمنع أنه أصاب في جوانب.
وفي الحديث المشهور بالبخاري ومسلم : أنَّ جبريل جاء يعلم الناس مراتب الدين الثلاثة: الإسلام، والإيمان، والإحسان. وقد اتفق السلف والخلف على تسمية مقام الإحسان باسم التصوف، فيكون معنى هذا أنَّ التصوف مؤَسَّسٌ بالوحي ، وأنَّ الطريقة الصوفية الشرعية مما نزل به وحي السماء من هذه الوجهة.
ثم إذا عرفنا أنَّ موضوع التصوف هو تصحيح العبودية للرحمن بالتحقق بأوصاف عباده عِبَادِ الرَّحْمَنِ، مع معاناة الإيمان بالغيب، وممارسة ما أمر به الله في كتابه من نحو الذكر، والصبر، والمحبة، والتوكل، والتوبة، والإيثار، والمجاهدة المرتبطة بأحوال النفس، والتطهر من نقائص الحسد والمكر، ومختلف الرذائل ، ودراسة أحوال الولاية والصديقية، ورعاية الأنفاس ، وحفظ القلوب، وما إلى ذلك مما يتعلق إجمالاً وتفصيلاً بالفضائل والعبادة ، والسلوك ، وقدس الغيب ، وحقوق الألوهية.
إذا عرفنا أنَّ هذا جميعًا من القرآن الكريم، قلنا أيضًا: بأنَّ التصوف أو الطرق الشرعية قد أسسها الوحي السماوي مرتين، مرةً بالقرآن ، ومرةً بالحديث كما رأيت، وما أسسه الوحي فهو دين الله.
والوحيُ لا يؤسس الأمور لتُهمَلَ وتتهم، ولكن لتُمارس وتحترم، ولا علينا من تسمية هذا المستوى الإسلامي الأعلى بالتصوف أو الطريقة أو غير ذلك؛ فهذه اصطلاحات، لا تتأثر بها حقائق المسميات وماهياتها.
ثم إنَّ مراتب الدين التي فصَّلها الوحي في الحديث المتفق عليه كما قلنا ثلاث:
أولهـــا : الإســلام وقــد تكفــل بخــدمته علماءُ الفقه في مسائل العبادات والمعاملات.
وثانيها: الإيمان وقــد تكفــل بخدمتـه علمـاء العقـائد في مسـائل التوحيد والسمعيات.
وثالثها: الإحسان، وقد تكفل بخدمته علماء التصوف في مسائل السلوك والآداب العامة والخاصة، وأحوال القلوب.
ومرجع ثلاثتهــا بالضــرورة الفطــرية إلى علــوم التفسيــر والحديث، ومقتضاهما من العلوم الأخرى أي إلى الكتاب والسنة وعلومهما.
وبهذا يثبت ثبوتا علميًّا قاطعًا أنَّ البدعـة كل البدعــة ، وأنَّ المعصية كل المعصية إنما هي في ترك التصوف، وفي الدعوة إلى تركه وفي الحملة الآثمة عليه وعلى رجاله الأبرار، من حيث إنه عبادة وخُلُقٌ وسلوكٌ جاء بها الكتاب والسنة كما رأيت.
مدرسة الإمام الرائد لتخريج القادة