بقلم الشيخ : محمد رجب أبو تليح اﻷزهري الشاذلي
وقفنا في اللقاء السابق عند سؤال وهو: لماذا تحب شيخك الشاذلي ؟ قلت: أحببت إمامنا وذبت فيه حبا لأنني رأيت فيه أحوال جده النبي ﷺ فعلمت أنهم لما وصفوه فقالوا : ( الشاذلي على قدم النبي ﷺ ) ما كان قولهم مجاملة . بل كان على التحقيق فرأيته نورا من نور رسول الله ﷺ حاله كحاله ﷺ فتشرفنا بحبه وافتخرنا بنسبه لأنه رضي الله عنه كان وريثا عظيما للنبي ﷺ
ذكر ابن عياد في كتابه: ( المفاخر العلية ) أنه كان رضي الله عنه يقول: أخذت ميراثي من رسول الله ﷺ فمكنت من خزائن الأسماء فلو أن الجن والإنس يكتبون عني إلى يوم القيامة لكلوا وملوا فما أشبه حاله رضي الله عنه بقوله هذا بحال جده أسد الله الغالب سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه الذي كان الوريث الأعظم لحضرة النبي ﷺ
فكذلك كان له منه النصيب الأوفى من وجهين :
أولا في التسمية باسمه : (علي) فهو علي في الاسم وعلي في الولاية وكما ورث الإمام علي رضي الله عنه علم النبي ﷺ فلقب : ( بباب مدينة العلم ) فكذلك إمامنا رضي الله عنه تولاه رسول الله ﷺ بالتربية الباطنة تربية القلوب والأرواح حتى بلغ هذا المقام الأسنى فجمع الفخار من الجانبين وكذلك اختار الله له كنيته فكان على كنية جده علي رضي الله عنه فكني بأبي الحسن أترون هذا مصادفة ؟ أم أنه اختيار من الله له ؟!
ومن ميراثه من النبي ﷺ ما تلاحظه إن نور الله قلبك أنه قد اقام الله تعالى في أحوال جده المصطفى ﷺ في مقام العبودية السامية فالله تعالى أضافه ﷺ لنفسه بمقام العبودية الكاملة له تشريفا وتكريما فقال سبحانه ﴿ سبحان الذي أسرى بعبده ﴾ وقال : ﴿ تبارك الذي أنزل على عبده ﴾ وقال: ﴿ الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب﴾ وأمره بالفخر بهذا المقام الأسمى والفخر الأعلى فقال له: ﴿ قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين﴾ ( الزخرف/ 81)؛ فقد شابه جده ﷺ
في مثل هذا الحال من التشريف والتكريم حيث أقامه تعالى في مقام الفردانية بين أوليائه واصطفاه لذاته ودليل ذلك قال رضي الله عنه: ( يا رب لما سميتني الشاذلي ولست بشاذ ؟ ) فقيل لي: يا علي ما سميتك بالشاذلي إنما أنت الشاذ لي ) يعني: المفرد لخدمتي ومحبتي .
ولا زال رضي الله عنه يترقى في مقامات الولاية ودرجات المعرفة والعناية حتى صار على قدم النبي ﷺ فظهر من الخلافة الكبرى والولاية العظمى وانفرد في زمنه بالمقام الاكبر ونال مقام الفردانية وشهد له بذلك كل من عاصره من العلماء العارفين والأولياء المقربين وخواص الصديقين وأُمِر أن يقول بحضرة أكابرهم ( قدمي هذا على جبهة كل ولي ) كما أمره رسول الله ﷺ في رؤياه له فقال ذلك للأمر معظما وممتثلا ولا فخر أكرم من تحقيق العبودية لله عز وجل ولا فخر أكبر من هذا . يقول مولانا
وبالسادة الأقطاب سادات منهجي
أراهم عمادي في الخطوب الملمة
خصوصا إمامي الشاذلي أبي الحسن
له أنتمي أكرم بأفخر نسبة
رقى وترقى في المعارف رفعة
بها كان لي في حبه خير رفعة
ولما حباه الله نادى مجاهرا
رجال الهدى رجلي على كل جبهة
بإذن رسول الله قال تحدثا
فحط الرؤوس العارفون بحضرة .
وفي تحقيق معنى قوله رضي الله عنه : ( رجلي هذه على جبهة كل ولي ) لا يفهم على ظاهره إنما هو البيان عن حاله ومقامه ومعناه : أنني من فضل الله أني بدأت مما انتهى اليه الأولياء ) . فكانت له الولاية عليهم بما أفاء الله عليه وهذا دل عليه قوله رضي الله عنه لما سئل: من شيخك ؟ ) فقال رضي الله عنه: ( أما فيما مضى فكان سيدي عبد السلام بن مشيش وأما الآن فأستقي من عشرة أبحر خمسه سماوية وخمسه أرضية أما السماوية فجبريل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل والروح واما الأرضية فأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والنبي ﷺ .
فما أشبه أحواله بأحوال جده ﷺ لأنه كان حريصا على مشاهدته والاقتداء بهديه فلا يغيب عن بصيرته ولا يحجب عنه في كل أحواله وأفعاله ولذلك قال رضي الله عنه : ( والله لو حجب عني رسول الله ﷺ طرفة ما عددت نفسي من المسلمين ) وبقوله هذا رضي الله عنه كان يحقق ما علمه له رسول الله ﷺ ووصاه به من تحقيق صدق المتابعة والاقتداء فقد كان رضي الله عنه يقول: رأيت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله ما حقيقة المتابعة ؟! فقال: رؤية المتبوع عند كل شيء ومع كل شيء وفي كل شيء ) .
فطبق ذلك حالا ومقالا فكانت متابعة رسول الله ﷺ منهج حياة له في الوصول إلى الله عز وجل من باب رسول الله ﷺ وكان يوصي تلامذته بذلك دائما ويقول: ( ما ثم كرامة أعظم من كرامة الإيمان ومتابعة السنة فمن أعطيهما وجعل يشتاق إلى غيرهما فهو عبد مفتر كذاب أو ذو خطأ في العلم بالصواب كمن أكرم بشهود الملك فاشتاق إلى سياسة الدواب
فكان رضي الله عنه متابعا مقتديا برسول الله ﷺ في كل أفعاله وأحواله ظاهرا وباطنا .
وإلى لقاء إن شاء الله تعالى .