سيدى العارف بالله تعالى الشيخ بكر بن محمد بن عيسى

 

ضريحه :

بمقامات السادة العيسوية بجوار الجبل الغربى ببلدة الزاوية بمحافظة أسيوط 

نسبه :

هو سيدى بكر بن محمد بن عيسى بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد أبو الليف بن علي بن محمد بن حراز بن سليمان بن مبارك بن أحمد بن عبد المحسن بن عثمان بن عبد المغني بن غالب بن نافع وينتهى نسبه الى الامام جعفر الصادق بن الإمام علي زين العابدين بن الامام الحسين بن على بن ابى طالب زوج فاطمة الزهراء بنت النبى صلى الله عليه وسلم.


مولده ونشأته :

ولد الشيخ بكر فى بلدة موشا التابعة لمحافظة اسيوط فى بيت تصدح فيه آيات الذكر، عام ١٨٣٣م فقد كان والده السيد محمد عيسى رضي الله عنه من علماء الازهر الشريف، بينما كان أخوه السيد محمود عيسى رضي الله عنه من اهل الجذب والتحقيق اولئك الذين يشير اليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله”جذبة من جذبات الحق تعدل عمل الثقلين”

نشأ السيد بكر بين يدى هذين القطبين الكبيرين حيث فقه الاب ونفحات العم، فراح ينهل من نبع أبيه علما وفقها ويغرف من بحر عمه سلوكا وطريقة.

حفظ السيد بكر عيسى القرآن ودرس علومه، وتفقه على المذهب الشافعى، وشاعت شهرته بين الخلائق فى صعيد مصر فالتفوا حوله يستمعون إليه بآذان صاغية وقلوب واعية وهو يرتقى المنبر خطيبا ومعلما.


تصوفه :

نهل السيد بكر عيسى من بحور العلم والحكمة حتى استكمل فضائل الشيخ السالك العالم بدروب النفس ومعاطبها ومراحل الطريقة ومنازلها ، فربى رجالاً وترك خلفه قلوبا ملئت تقى وهدى فصاروا نبراسا لإخوانهم وقدوة يحتذى بهم ودعاة الى الاسلام الحنيف قولا وعملا.

ثم ما لبث الشيخ بكر حتى آثر الخلوة زاهد عابدا فلزم سطح بيته سنين عديدة لا يصعد اليه ولا يجالسه الا اهل خاصته من احبابه ومريديه فصار السطح جامعة لتربية الرجال ولقب الشيخ بالسطوحى، فكان لا يبرح السطح الا يوما فى كل عام تبتهج له “موشا” ابتهاجا فتعلق الزينات وتقام الحضرات وتنحر الذبائح وتعقد حلقات الذكر وتقدم موائد الطعام للجميع ويمتطى صهوة جواده، وحوله يترجل كبار اهل البلدة من اكابر القوم والعلماء فى موكب مهيب من المريدين ومشايخ الطرق الصوفية مرددين قصائد المديح فى رسول الله صلى الله عليه وسلم محتفلين بالشيخ، وعندما يفرغ الجميع من صلاة الفجر يعود الشيخ الى السطح حيث جامعته ومجاهداته.

لقائه بالسيد محمد سر الختم الميرغنى:

وعلى غير عادته فوجئ المريدون بنزول السيد بكر من السطح فى غير موعده حيث بدا فى أجمل حلة وأتم زينة للقاء السيد محمد سر الختم الميرغنى شيخ الطريقة الميرغنية الختمية الذي شرف مصر عامة وأسيوط خاصة بدعوة كريمة من أحد مريديه في بلدة ( مسرع )فكان لقاء البشر والسرور واتساع الطريقة الميرغنية في صعيد مصر على يد السيد طاهر محمد بكر رضي الله عنه حفيد الشيخ الذي اخذ فى ذلك اليوم الإذن من جده بسلوك المريدين على النهج الميرغنى.

وحمل رأية الدعوة من بعده السيد محجوب طاهر والسيد محمود طاهر والسيد رضا طاهر رضي الله عنهم والسيد بكر أمين والسيد الأمير أمين وذريتهما الطاهرة  والسيد حسن أبو العلا عيسى وأبنائهم

تلاميذ شيخنا بكر محمد عيسى :

اما عن تلاميذه ومريديه فهم كثر في موشا ونواحي اسيوط والعرب وسوهاج والمنيا والقاهرة والاسكندرية والسويس وغيرها.

إنتقاله إلى جوار ربه :

إنتقل سيدى بكر رضي الله عنه ليلة الجمعة. الموافق غرة رجب ١٣٤٧ه‍/١٩٢٨.
وعن هذا اليوم والجنازة يقول سيدي أحمد الرفاعي بن سيدي محمد بكر رضي الله عنهم.
” كنت مع والدي السيد محمد بكر في مصر “القاهرة” . وأخي السيد طاهر محمد بكر كان موجودا في الأسكندرية، وقد جمع الله بيننا في ساعة واحدة. وذلك لما توفي الجد “سيدي بكر” أرسل لي الشيخ محمد أبو العلا ابن خالي السيد أبو العلا عيسى رضي الله عنهما تلغرافا بالحضور ، فتوجه والدي وأنا بصحبته إلى محطة مصر للسفر إلى البلدة “موشا” لحضور تشييع الجنازة، فوجدنا السيد طاهر ، على المحطة بباب الحديد، وهذا اتفاق غريب.

يقول سيدي أحمد الرفاعي على لسان والده السيد محمد بكر لما وصلنا البلد وجدنا جميع سكانها في حزن شديد، وقد عمت الكآبة الجميع، لفراق شيخهم العظيم، لأنه كان رضي الله عنه موضع ثقة الجميع وقد جاء عموم الأهالي من عُمد وأعيان من البلاد المجاورة، ليودعوا شيخهم الوداع الأخير. أما عمدة البلدة الشيخ تمّام أحمد رمضان فسار في مقدمة المشيعين وقد صفّ الخفر بنظام بديع، شاهرين السلاح، ومعهم مشايخ البلدة، وخلفهم الأعلام، والبيارق بيد النقباء، واجتمع الخلفاء والمرشدون من كل الطرائق، وامتلأ بهم واسع المكان وكان يوما مشهودا.

يقول سيدي أحمد الرفاعي بن سيدي محمد بكر أما أنا فقد انتظرت على محطة أسيوط بالأمتعة وحاجيات السفر، وتوجهت بسيارة إلى ” نزلة أولاد إبراهيم” وهي بلدة على طريق بلدة يقال لها “شطب” ولما وصلت البلدة المذكورة حملت الأمتعة على “جمل” وركبت دابة، وسرت بها إلى أن وصلت قريبا من “موشا”، فسمعت دق الطبول، ورأيت الأعلام مرفوعة، والخلق منتشر حتى سدت الفضاء، فقلت في نفسي كنت أود يا جدي أن أراك قبل وفاتك لأحظى منك بنظرة، أو دعوة. فما تم كلامي حتى رأيت المشهد”الجنازة” تقترب مني ، فظن المشيعون أنه يريد التوجه إلى “شطب”  والله يعلم أن المقصود هنا ما تحدثت به مع نفسي.
ثم يقول سيدي أحمد الرفاعي بن سيدي محمد بكر رضي الله عنهم :رأيت الإخوان يقرأون قصائد السادة الميرغنية، والباقي يذكر الله ، وكلهم ما بين ذاكر، ومسبح، ومهلل، وقد حُجبت الشمس بظل الغمام. وسار المشهد “الجنازة” على هذه الحال، والناس في ذكر الله تعالى ، وقد أخذ الكل حال الهيام، فكنت ترى القوم في اضطراب، ووجوم لمفارقة هذا القطب العظيم.

ولما وصل المشهد الى المدافن أمرنا بالسير به إلى المحل الذي أعددناه لدفن الشيخ لكن الجنازة وقفت عن المسير عند ضريحين، لزيارة ضريح سيدي الشيخ عبد الفتاح، وضريح الحاج على الخطيب رضي الله عنهما. ثم ساروا به إلى المحل المعد لدفنه وهو بجوار جدي السيد محمود عيسى وجدي السيد عيسى رضي الله عنهم.
وبينما نحن على هذه الحال إذ خرج علينا شخص وقال : مالي أراكم في نزاع على دفن الشيخ، ألا أحدثكم بما رأيته في منامي الآن جاءني الشيخ في عالم الرؤيا، وقال لي قم، وتنبه، وكرر ذلك مرارا، وقال لا تخف، أنا أبو بكر محمد عيسى، قلت نعم يا سيدي ماذا تريد، فقال إني ما جئتك إلا لمصلحة تخصني وهي : إذا أتوا بي للدفن، فأخبرهم أني وضعت علامة لمحل دفني وهى عصاتي، ووضع العصا، وأنامها بين الضريحين. فوالله لقد أخبرتكم بما حصل.

ولما توجهنا نحو العلامة سار الشيخ بنفسه، ففهمنا من ذلك صدق قول الرجل، ووجدناالعلامة وسرنا إلى حيت أشار. وبعد ذلك أقيم مجلس الذكر وأخذ الفقهاء “القراء” يقرأون القرآن الكريم، وأخذ الإخوان في حفر القبر “محل العلامة” ولما شالوا قليلا من طبقة الأرض وجدوا القبر محفورا، جاهزا، متسعا، كأن أحدا جهزه لوقت الحاجة، ووضعوا الشيخ في لحده بين زفرات أتباعه .
رحمه الله رحمة واسعة ونفعنا به.

إعداد الاستاذ : محمود فراج
مساعد رئيس تحرير جريدة الاخبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *