الاستقامة خير من ألف كرامة
1 سبتمبر، 2024
منهج الصوفية
بقلم: الدكتور أحمد بدوي مازن
مدرس الحديث الشريف
وعلومه بجامعة الأزهر
إن التصوف الإسلامي الحق يدعو إلى اتباع منهج الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ويصل بالمسلم إلى أعلى المقامات الإيمانية التي يصبو إليها المؤمن بعبادته لربه ومجاهدته لنفسه، وهو مقام الإحسان الذي أرشدنا إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح بقوله
” الإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ “.
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم أمور الإسلام لمن سأل عنها في قوله صلى الله عليه وسلم: «قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ»؛ لأن الاستقامة على منهج الله عز وجل وهي طريق النجاة الأوحد، وهي نهج الصالحين والمفلحين، والمعول عليه هو الثبات والمداومة عليها حتى تصبح الاستقامة هي ديدن حياتهم .
ومن بشريات الاستقامة أن الله عز وجل يرسل ملائكته ليثبتوا عباده الصالحين ويبشرونهم بواسع رحمة الله عز وجل وجزيل عطاءه كما قال الله تعالى
” إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ “
ونحن نؤمن أن الله عز وجل خص عباده المؤمنين بأنواع من الكرامات، وخوارق العادات إكراما لهم كما
قال تعالى ” لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ “
ولقوله تعالى “وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ “
وكقول صاحب جوهرة التوحيد:
وَأَثْبِتَنْ لِلْأَوْلِيَا الْكَرَامَهْ … وَمَنْ نَفَاهَا فَانْبِذَنْ كَلَامَهُ
لكن المريد السالك لطريق الله عز وجل ينبغي عليه ألا يشغل نفسه بحصول تلك الكرامات ومشاهدتها، بل عليه أن يجعل عبادته خالصة لله عز وجل لا لغرض، وألا يقيس مقدار شيخه ومنزلته بما له من كرامات وأحوال، بل بمقدار علمه بالله واستقامته على منهج ربه، ودعوته لله عز وجل على بصيرة وهدى، فقد تعلمنا من مشايخنا رضي الله عنهم: أن الاستقامة هي عين الكرامة، وأن الاستقامة خير من ألف كرامة.