سلسلة أولياء المحروسة العارف بالله تعالى الشيخ محمد ابو الذهب بن يوسف بك ابو رمضان الجزء الثانى

حرصاً من مجلة روح الإسلام على تتبع سير أولياء مصر فهم أصل الشعب المصرى نستكمل سير الصالحين ونستكمل فى هذا المقال سيرةسيدى العارف بالله تعالى الشيخ  محمد ابو الذهب بن يوسف بك ابو رمضان

 

ترك سيدى محمد بو رمضان حياة الترف والغنى وزهد فى الدنيا وزخارفها، وسكن فى مدينة طنطا وبخاصة فى مقابر مدينة طنطا.

كانت اسرته قد بذلت كل الجهد للبحث عنه، الا ان إشارة جاءت من مركز كفر الزيات، التابع لمديرية الغربية، أن المذكور بنفس مواصفاته، وجدوا له شبيهاً بشوارع طنطا، يسكن الخرابات، ويأكل مع القطط، لكن التحريات أفادت بأنه لا يمكن أن يكون هو محمد بك أبورمضان.

إشارة أخرى من قسم ثان لمدينة طنطا تفيد بأن ملامح قريبة من المذكور لشخص يرتدى ثياباً ممزقة ولها رائحة كريهة، يرتاد سوق منطقة العداسة، ويجلس بجوار أصحاب السيارات الكارو.

فطلب يوسف بك أبورمضان من مأمور قسم طنطا فى ان يلقى القبض على الشخص الذى يشبه ملامح محمد بك أبورمضان، وأنه سيأتيه فى صباح الغد للتيقن.

تم القبض على الرجل، اقتادوه عنوة وهو يبتسم، أدخلوه إلى ساحة القسم، اشمأز الضابط من الرائحة، دخل للمأمور وأخبره أنه أحضر الرجل، سخر المأمور من المجذوب الذى يمشى حافياً، ويهتم به الباشا يوسف بك أبورمضان. أمر المأمور أن يقتادوا الرجل إلى الزنزانة، دخل الرجل الذى ثيابه رثة وحافى القدمين.

كانت زنزانة القسم تعج بالنشالين وأرباب السوابق، سخر النزلاء من الوارد الجديد، قال سجين، هى الحكومة اتهبلت راحت تجيب المجاذيب تقرفنا.

رد الرجل صاحب الثياب البالية: «المجاذيب انضف منك يا بن نعيمة، على الأقل ما بيسرقوش شقا الموظفين فى الأتوبيسات ولا أمهم تغسل البلاط عند الناس».

انتبه الرجل، توقف مشدوهاً يلوح بيده، هو كوماندا الحبس، الدرويش كشف له عن حاله، وعرى قبحه أمام الجميع، ضج الحبس بالضجيج، فلما همَّ ابن نعيمة أن يجرح وجهه بالموس، كان سيدى محمد أبورمضان خارج الزنزانة متوقفاً فى ساحة القسم، فبهت رجال الدرك، قال الصول للرجل الذى يجهله: “نهار أبوك اسود.. الوردية دخلتك ونسيت باب الحجز مفتوح وفتحته”.. تبسم الرجل وقال كلمة واحدة «يا هوووووو».

أسرع الصول للضابط النوبتجى، فتح الحجز مرة أخرى، أدخلوا الرجل الذى يهتم الباشا يوسف أبورمضان لأمره، أغلقوا الباب تأكدوا من إغلاقه، شهد على الواقعة الضابط النوبتجى والصول واثنان من رجال الخدمة بساحة القسم، أحدهما بدرجة عريف والآخر عسكرى درجة أولى.

دخل سيدى محمد أبورمضان الزنزانة، والناس له جاهلون، تحرك ابن نعيمة من جلسته، وتسمر بجانب الباب، يؤدى التحية العسكرية للرجل الذى يرتدى الخرق البالية، يصرخ سيدى أبورمضان فى الجميع: “فز يا نطع انت وهو اتوضوا.. عشان الفجر” همَّ الرجال خائفين من الرجل بالدخول للوضوء، صرخ سيدى محمد أبورمضان، فى أحدهم هتضحك على ربنا يا على يا كور، مش تستحمى الأول” تمتم الرجال، أذن الفجر، التفت الرجال المحبوسون إلى الرجل الذى كان يتحدث وجدوه قد اختفى وسمعوا صراخاً من الخارج.

بهت أفراد الخدمة بالقسم، الرجل فى الخارج يشمر ثوبه ويستعد للوضوء، قال الرجل البدين العريف بشريطتين على كتفه، الله أكبر، تسمر فى مكانه وصرخ: “إلحقنى يا سعادة البيه.. المسجون طلع بره”، هرول الضابط من داخل غرفة النوبتجية، تسمر لرؤية الرجل فى ثوب بالٍ يشمره ويضع يده تحت الماء والأذان ينطلق من مسجد جياب الأسير سيدى أحمد البدوى فيصل صداه لساحة القسم.

يهرع الضابط إلى التحويلة، فيزعج المأمور فى الاستراحة، يطلبه فى أمر هام: “الحقنى يا أفندم المسجون الدرويش كل ما أضعه فى الزنزانة وأقفل عليه ألاقيه بره”.. يهرع المأمور لساحة القسم يتوعد الضابط الذى فقد عقله، يطلب منه مفتاح الحبس ويدخله بنفسه، ويغلق الباب عليه ويُحكِم غلق القفل، يعطى المأمور ظهره للباب فيجد الرجل أمامه، قال سيدى محمد أبورمضان “لا تنزعج لن أخرج من ساحة القسم حتى يأتى أبى”، بُهِت المأمور، أهو محمد بك يوسف أبورمضان الذى أنهك المديرية فى البحث عنه، يأتى يوسف باشا أبورمضان ساحة القسم، يتأمل الرجل فيبكى، طلب منه أن يعود معه للسرايا، وسيعرضه على الطبيب النفسى، فيرد سيدى محمد أبورمضان، رضى الله عنه: “فى جيبك الأيمن ثلاث ورقات فئة الخمس جنيهات، وفى جيبك الأيسر صورة ضوئية أعطتها والدتى لك لتعطيها لرجال الشرطة، وبعد غدٍ هو يوم الجمعة ونحن فى عام 1898م”.

ولم يملك الأب أمام ما سمعه سوى أن يعود مخلفاً ابنه، فيتركه المأمور هائماً على وجهه، بعد أن يرجوه أن يسامحه ويدعو الله له.

ولم يكن للشيخ مكان معين يستقر به، رفض أن يناديه الناس بلقبه القديم، كانت جلسته كما أكد تلميذه ومريده بسطامى محمد شلبى المدرس بمدرسة الجمعية الخيرية بطنطا: “له ابن لا يزال حياً يرزق، عمل لواء بوزارة الداخلية اسمه اللواء طيفور بسطامى”.

بقلم حفيده : جلال مصطفى رمضان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *