بحث بعنوان ( السلام رسالة الإسلام من خلال وثيقة المدينة بعد الهجرة ) للشيخ رضا الصعيدى

بحث بعنوان ( السلام رسالة الإسلام من خلال وثيقة المدينة بعد الهجرة )
للشيخ : رضا الصعيدى

العناصر :
1-السلام رسالة الإسلام ، وبيان السبل اليه .
2-وثيقة المدينة لضمان السلام بين الجميع .
3- التأكيد على حقوق المؤمنين وواجباتهم تجاه الأخر .
4- الواجب علينا .

المقدمه :
أيها الإخوةُ المؤمنون: هذه دعوةٌ لجميعِ المسلمينَ إلى التعاملِ بسلامٍ مع جميعِ أطيافِ المجتمعِ؛ مع المسلمين وغيرِ المسلمين؛ مع الأهلِ والجيرانِ ؛ مع الأصدقاءِ والخِلَّانِ ؛ مع النباتِ والجمادِ والحيوانِ ؛ مع الكونِ كلِّهِ..
ان الله هو السلام ونبيه نبي السلام ،وتحيته السلام ، ومعنى “السلام عليكم ” يتضمن أمرين:
أحدهما: أنه تبرك باسم الله السلام، ودعاء لأخيك بالسلامة في الدين وفي الدنيا.
والثاني: السلام عليكم أي: كل سلامة عليكم مني ولن تجد مني إلا السلامة.

سبل السلام من رسالة الإسلام :
1-مَنْ بَدَأَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ:
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ في الأَوْسَطِ وَابْنُ السُّنِّيِّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَدَأَ بِالْكَلَامِ قَبْلَ السَّلَامِ فَلَا تُجِيبُوهُ» وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ؛ ضَعَّفَهُ أَبُو زُرْعَةَ.

2-دور السلام في نشر الأمان :
فله دور الهام في نشر الأمن والإطمئنان ، والقضاء على الخوف والقلق ، في نفسية الفرد والجماعة.. حرم العدوان مطلقاً قال تعالى { ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين [البقرة190] }، وشدد العقوبة على المعتدي ، واعتبره تعدى على البشرية قاطبة ومن قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً ، وكذلك قال الله تعالى { ومن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً }المائدة 32 ) ، فالنفس الإنسانية محترمة في الإسلام ، فمن أهرق دم نفس واحدة بدون حق فكأنما قتل الناس جميعاً . وقد أمر الإسلام بحسن معاملة الأعداء ، مع الحفاظ على العزة والكرامة ، وعدم عنادهم في عدائهم ، علَّهم يعودوا إلى رشدهم فيكفوا عن ظلمهم وعدائهم ، فقال الله تعالى { فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم [فصلت 34] } بحسن المعاملة وسلامة الصدر تحول العدو العاقل إلى صديق عزيز..

3-والسلام سبيل المحبة في الحياة وحسن الختام عند الممات :
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ؛ وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ؛ أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ “.(مسلم). ولذلك قال عمرُ رضي اللهُ عنه: «ثلاثٌ يصفين لك ودّ أخيك: أن تُسلِّمَ عليه إذا لقيتَه، وتوسّعَ له في المجلسِ، وتدعوه بأحبِّ أسمائِهِ إليه».( البيهقي في الشعب).

وأما عند الممات فقد قال تعالى:
(تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 44]… قال القرطبي : ، وقوله تعالى: { تحيتهم يوم يلقونه سلام} أي تحيتهم من اللّه تعالى يوم يلقونه سلام، أي يوم يسلم عليهم، كما قال عزَّ وجلَّ: { سلام قولاً من رب رحيم}..فمن عاش على السلام مات على السلام والجزاء من نفس العمل ..

الجنة دارالسلام :
قال تعالى: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ ) [يونس:25] … وقال : {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (62) }
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ أَوْ حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ» رواه أبو داود ( صحيح)
تحية أهل الجنة السلام :
قال تعالى { خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام [23] }إبراهيم.

تحيَّة الملائكة هي السلام :
قال الله تعالى: (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد/23، 24] ، و قال تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ}.
فما أجمل أن يعيش الإنسان في سلام مع أسرته، وسلام مع عائلته، وسلام مع جيرانه، وسلام مع زملائه، وسلام مع أصدقائه، وسلام مع المجتمع كله، وسلام مع الناس أجمعين ولا يكون هذا إلا بتطهير النفوس والقلوب من الغل والحقد والبغضاء والكراهية

4-أول خطبة للرسول في المدينة له :
«يَا أيُّهَا النَّاسُ، أفْشُوا السَّلاَمَ، وَأطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأرْحَامَ، وَصَلُّوا والنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلاَم» . رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحيحٌ) .

5- كتب رسول الله وثيقة السلام في المدينة :
فبعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وإقامة قواعد المجتمع الإسلامي، كان من الضروري تنظيم العلاقة بين المسلمين وغيرهم من أهل المدينة، من أجل توفير الأمن والسلام للناس جميعا، فبعد المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار كانت هذه الوثيقة لتنظيم العلاقة بين المسلمين من جهة، وتنظيمها كذلك مع من جاورهم من القبائل من جهة أخرى، وبما أن قبائل اليهود كانت أكثر القبائل حضوراً في المدينة فقد جاءت أغلب بنود تلك الوثيقة متعلقة بتنظيم العلاقة معهم.

يقول المستشرق الروماني جيورجيو: «يحوي هذا الدستور اثنين وخمسين بندا، كلها من رأي رسول الله. خمسة وعشرون منها خاصة بأمور المسلمين، وسبعة وعشرون مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، ولاسيما اليهود وعبدة الأوثان. وقد دُوّن هذا الدستور بشكل يسمح لأصحاب الأديان الأخرى بالعيش مع المسلمين بحرية، ولهم أن يقيموا شعائرهم حسب رغبتهم، ومن غير أن يتضايق أحد الفرقاء. وضع هذا الدستور في السنة الأولى للهجرة، أى عام 623م. ولكن في حال مهاجمة المدينة من قبل عدو عليهم أن يتحدوا لمجابهته وطرده.»

أسماء الوثيقة:

1. الصحيفة: سميت بهذا الاسم لأنها كانت مكتوبة على صحيفة أو وثيقة واحدة.
2. الدستور: سميت بهذا الاسم لأنها وضعت الأسس والقواعد لتنظيم الحياة في المجتمع الإسلامي.
3. وثيقة المدينة: سميت بهذا الاسم لأنها وضعت في المدينة المنورة وتتعلق بتنظيم شؤون المجتمع هناك.

أهمية الوثيقة:
1تنظيم العلاقات: وضعت الوثيقة الأسس لتنظيم العلاقات بين المسلمين واليهود والمشركين في المدينة المنورة.

2. تحديد الحقوق والواجبات: حددت الوثيقة الحقوق والواجبات لكل فرد في المجتمع.
3. تأسيس المجتمع الإسلامي: ساهمت الوثيقة في تأسيس المجتمع الإسلامي على أسس قوية ومستقرة.

وثيقة المدينة المنورة تعتبر من أهم الوثائق في التاريخ الإسلامي، حيث وضعت الأسس لتنظيم الحياة في المجتمع الإسلامي وأسست لمبادئ الحقوق والواجبات.
وبتتبع بنود الوثيقة نجد أنها تضمنت بنوداً خاصة للمؤمنين بين المهاجرين والأنصار، وبنوداً خاصة لليهود تتعلق فيما بينهم وبين والمؤمنين، وبنوداً عامة تشمل الجميع ، كما اشتملت على 51 بندا ، ومن أهمها :

أولا : -حقوق المؤمنين فيما بينهم :
وهذا البند يشمل المؤمنين جميعهم مهاجريهم وأنصارهم، ومن تبعهم ممن لحق بهم وجاهد معهم، وأنهم أمة واحدة من دون الناس قد جمعتهم رابطة العقيدة، فاتحدت قبلتهم ووجهتهم وولاءهم مما يعني إلغاء الروابط والعصبيات وذوبان جميع الفوارق التي تحول دون تحقيق هذه الوحدة الشاملة.

وأن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس.

وقوله صلى الله عليه وسلم: ( المؤمنون تتكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، وهم يد على من سواهم ، لا يقتل مؤمن بكافر ، ولا ذو عهد في عهده ) رواه الإمام أحمد و أبوداود

ومن البنود الهامة: (أن المؤمنين المتقين أيديهم على كل من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة ظلم أو إثماً أو عدوناً أو فساداً بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعاً، ولو كان ولد أحدهم). وهذا البند يحتم على المؤمنين نصرة المظلومين والأخذ على يد البغاة والمفسدين، ومعنى قوله (دسيعة ظلم) أي طلب عطية من دون حق، وجاء تخصيص المتقين في هذا البند لأنهم أحرص الناس على تنفيذ الشريعة من غيرهم.

وأما الجار فهو كالنفس غير مضار ولا آثم:
فحذَّرَ النبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم من أذيةِ الجارِ أشدَّ التحذيرِ , فعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:” وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ، قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ: الْجَارُ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا بَوَائِقُهُ ؟ قَالَ : شَرُّهُ “. (البخاري) . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: ” هِيَ فِي النَّارِ ”، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: ” هِيَ فِي الْجَنَّةِ ” . (أحمد وابن حبان والحاكم وصححه) .

ثانيا: البنود المتعلقة بما بين المؤمنين وأهل الكتاب :-

وهذا البنود تحدد العلاقة بين اليهود وبين الفئة المؤمنة، ويعتبرهم جزءاً من مواطني الدولة الإسلامية، ويكفل لهم حريتهم الدينية ما داموا قائمين بالواجبات المترتبة عليهم ، ومنها :
( أن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، وأن لبقية اليهود من بني النجار وغيرهم ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم نفسه وأثم فإنه لا يهلك إلا نفسه) … كما ( ينفق اليهود مع المؤمنين ما داموا محاربين). وهو يتعلق بدفع قسط من نفقات الحرب الدفاعية عن المدينة.

– ( لا يخرج من يهود أحد إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم) وبموجب هذا البند يمنع اليهود من القيام بأي نشاط عسكري ضد المؤمنين، خارج عن نطاق وحدود المدينة، مما قد يؤثر على أمن المدينة واقتصادها.

– ( إن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وإن بينهم النصح والنصر للمظلوم).

قال تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين } (الممتحنة:8).

والمتأمل في بنود هذه الوثيقة يدرك مدى العدالة التي اتسمت بها معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لليهود، وإسقاط كل الاعتبارات الطبقية والجاهلية، وترسيخ المبادئ الإسلامية، كما أنها اشتملت جميع ما تحتاجه الدولة، من مقوماتها الدستورية والإدارية، وعلاقة الأفراد بالدولة، وعلاقة بعضهم ببعض.

ولقد كان بالإمكان أن تؤتي هذه الوثيقة ثمارها مع اليهود لولا طبيعة الغدر والخيانة فيهم، ولكن تبقى معان السلام السامية في الإسلام هي الباقية :
وقد أمرَ اللهٌ المسلمين في القرآنِ الكريمِ بِبِرِّ ومُسَالمةِ مُخالفِيهم في الدينِ، الذين لم يتعرضوا لهم بالأذى والقتالِ؛ فقال تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (الممتحنة:8).

قال الطبريُّ: “عنى بذلك لا ينهاكم اللهُ عن الذين لم يقاتلوكم في الدينِ من جميعِ أصنافِ المللِ والأديانِ أنْ تبروهٌم وتصلوهُم وتقسطُوا إليهم .. وقولُه: { إنَّ اللهَ يحبُّ المقسطين } يقول : إنَّ اللهَ يحبُّ المنصفين الذين ينصفون الناسَ ويعطونهم الحقَّ والعدلَ من أنفسِهم، فيبرون مَن برهم، ويحسنون إلى مَن أحسنَ إليهم.”

وقد كفل الإسلام حرية العقيدة لجميع الناس، أثبت ذلك القرآنُ الكريمُ قبل خمسة عشر قرنًا، قال الله -تعالى-: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[البقرة: 256]؛ لأن الدين فيه عقيدة تتحقق بالقناعة، والاطمئنان النفسي لما يعتقد ويؤمن، ولا تتحقق حرية المعتقد للفرد والجماعة، إلا أن تكون بمحض الاختيار والقناعة الذاتية، حتى يظهر من خلالها عدلُ الله يومَ الحساب، فيثيبُ اللهُ المصيبَ صحيحَ الإيمانِ بالجنةِ، ويعاقبُ الشَّاذَّ الكافرَ بالنارِ يومَ القيامةِ، ولا يظلمُ ربُّكَ أحَدًا. وأما في هذه الدنيا فلكل وجهة هو موليها، قال تعالى: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[البقرة: 148]، وله عقيدة سوف يُحاسَبُ عنها، وليس لنا إلا البلاغ والنصح المبين الواضح، قال تعالى: (فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ)[آل عمران: 20]، قال الله -تعالى- يأمر رسوله بأن يقول للكافرين صراحةً: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)[الكافرون: 6].

واعتبر النبي -صلى الله عليه وسلم- السلام مع غير المسلم عبادة نتعبد بها لله -تعالى-؛ فرُوِيَ عنه: “مَن آذى ذِمِّيًا فأنا خصمه، ومن كنتُ خصمه خصمته يوم القيامة”(رواه الخطيب بإسناد حسن). وعنه أيضًا: “مَن آذى ذميًّا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله”.(رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن). ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “من ظلم معاهَدًا أو انتقصه حقًّا أو كلَّفَه فوق طاقته أو أخَذَ منه شيئًا بغير طِيب نفسٍ منه، فأنا حجيجه يوم القيامة”(رواه أبو داود، والبيهقي). ودماؤهم وأنفسهم معصومة باتفاق المسلمين، وقتلهم حرام بالإجماع؛ يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: “مَن قَتَلَ معاهَدًا لم يَرَحْ رائحةَ الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا”(رواه البخاري).

ثالثاً: البنود العامة :

– (أن ما يحدث بين أهل الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله جل وعلا وإلى محمد صلى الله عليه وسلم) وهذا البند يقرر المرجعية العليا في الأمور والقضايا بالمدينة، منعاً لقيام أي اضطرابات في الداخل.
– (إن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة ) والحرم هو ما لا يحل انتهاكه، فلا يقطع شجره ولا يقتل صيدها، فهذا البند يحدد حرم المدينة، ويضمن الأمن فيها، ويضع حداً للاضطرابات والمشاكل التي تهدد السلم والأمان.

الواجب علينا :
1-الدعاء باسم الله السلام بعد كل صلاة :
عن ثَوبانَ – رضي الله عنه – قَالَ: كَانَ رَسولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلاَتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلاثَاً، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أنْتَ السَّلاَمُ، وَمِنْكَ السَّلاَمُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الجَلاَلِ وَالإكْرَامِ» قِيلَ لِلأوْزَاعِيِّ – وَهُوَ أحَدُ رواة الحديث -: كَيْفَ الاسْتِغْفَارُ؟ قَالَ: تقول: أسْتَغْفِرُ الله، أسْتَغْفِرُ الله. رواه مسلم.

2-أن يسلك المسلم في حركته اليومية سبل السلام:
عن عبدِ الله بن عمرو عن النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – قال: ” المسلمُ مَن سلمَ المسلمونَ من لسانهِ ويدِهِ، والمهاجرُ مَنْ هجرَ ما نهى الله عنه” متفق عليه.
مَعْنَاهُ مَنْ لَمْ يُؤْذِ مُسْلِمًا بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ وَخَصَّ الْيَدَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْأَفْعَالِ بِهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ أَصْلِ الْإِسْلَامِ عَنْ مَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فينبغي َالِاعْتِنَاءِ بِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكَفِّ عَمَّا يُؤْذِيهِمْ بقول أو فعل مباشرة أَوْ سَبَبٍ وَالْإِمْسَاكُ عَنِ احْتِقَارِهِمْ وَفِيهَا الْحَثُّ عَلَى تَأَلُّفِ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ وَاجْتِمَاعِ كَلِمَتِهِمْ وَتَوَادُّهِمْ وَاسْتِجْلَابِ مَا يُحَصِّلُ ذَلِكَ.

3-افشاء السلام على الأحياء والأموات والبيوت الخاليه وعند رؤية الهلال :
أما افشاء السلام على الأحياء فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا ؛ وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا ؛ أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ “.(مسلم).

وأما اهل القبور فعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله للاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية ) رواه مسلم 975.

وأما السلام على البيوت الغير مسكونة فقد قال تعالى : (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[النور: 61]… حتى يتعوَّد المؤمنُ على عهد السلام وسلوك طريقه.

وأما رؤية الهلال فقد أخرج الترمذي بسند صحيح من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: ” اللهم أهلَّه علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربي وربك الله “.
تم البحث بحمد الله