خطبةُ الجمعةِ القادمةِ ( السلامُ رسالةُ الإسلامِ ) للدكتور محمد جاد قحيف


خطبةُ الجمعةِ القادمةِ ( السلامُ رسالةُ الإسلامِ )

للدكتور : محمد جاد قحيف

 

لتحميل الخطبة pdf اضغط أدناه

د. محمد جاد قحيف. السلام رسالة الإسلام

 

الحمد لله الملك القدوس السلام المتفرد بالعظمة والبقاء والدوام و أشهد أن لا إله إلا الله إله رحيم كثير الإنعام ، ورب قدير شديد الانتقام وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله الداعي إلى الإسلام ، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى صحابته و التابعين لهم بإحسان على الدوام .وبعد :

فإن من أهم القيم النبيلة التي حث عليها الإسلام ، ودعا إليها النبي عليه الصلاة والسلام قيمة السلام ،
ولقد كان نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام يبدأ رسالته بقوله السلام على من اتبع الهدى ، و يختم رسائله لغير المسلمين أيضا بالسلام ، ونحن هكذا نتعامل مع المسلمين ..
وفي عصرنا فقد الناس قيمة الإسلام والأمن النفسي ووالسكينة والهدوء ، و راحة البال ؛ لأسباب كثيرة أهمها البعد عن منهج الله جل في علاه ..

العنصر الأول : أهم معاني السلام :
١- السلام اسم من أسماء الله الحسنى .
قال تعالي : « هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ »
سورة الحشر/ ٢٣ .
وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ : رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ ، وَهُوَ يَحْكِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، قَالَ : ” إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ ، وَالأَرَضِينَ السَّبْعَ فِي قَبْضَتِهِ ، ثُمَّ بَسَطَهَا ، ثُمَّ يَقُولُ : أَنَا اللَّهُ ، أَنَا الرَّحْمَنُ ، أَنَا الْمَلِكُ ، أَنَا الْقُدُّوسُ ، أَنَا السَّلامُ ، أَنَا الْمُؤْمِنُ ، أَنَا الْمُهَيْمِنُ ، أَنَا الْعَزِيزُ ، أَنَا الْجَبَّارُ ، أَنَا الْمُتَكَبِّرُ ، أَنَا الَّذِي بَدَأْتُ الدُّنْيَا ، وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ، أَنَا الَّذِي أَعَدْتُهَا ، أَيْنَ الْمُلُوكُ ؟ أَيْنَ الْجَبَابِرَةُ ؟ . أخرجه الإمام ابن حبان وسنده صحيح .

ولقد كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَالَ: “اللهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ” (رواه الإمام مسلم).
ومعنى اسم الله السلام كما قال ابن القيم (رحمه الله):أنه سبحانه سلامٌ في ذاته عن كل عيب ونقص، وسلامٌ في صفاته من كل عيب ونقص، وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص، وشر وظلم، وفعلٍ واقع على غير وجه الحكمة، بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار، فعلم أن استحقاقه تعالى لهذا الاسم أكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه . إسلام ويب.

وفي الدرر السنية “أنَّه الذي يُسلِّمُ عِبادَه من الآفاتِ والنَّقائِصِ، مثلُ الدُّعاءِ الوارِدِ بَعْدَ الصَّلاةِ”: ((اللَّهُمَّ أنت السَّلامُ، ومنك السَّلامُ)) .

وعن سيدنا عبد الله مسعود قوله عليه الصلاة والسلام (السلامُ اسمٌ من أسماءِ اللهِ وضَعَهُ اللهُ في الأرضِ ، فأفْشُوهُ بينَكمْ ، فإنَّ الرجلَ المسلمَ إذا مَرَّ بقومٍ فسلَّمَ عليهم ، فردُّوا عليه ؛ كان لهُ عليهم فضلُ درجةٍ بتذكيرِهِ إيَّاهُمُ السلامَ ، فإنْ لمْ يرُدُّوا عليه رَدَّ عليه مَنْ هوَ خيرٌ مِنهمْ وأطْيبُ) أخرجه الإمام البخاري في الأدب المفرد وسنده جيد .
٢-قد يأتي بمعنى التحية محضًا، وقد يأتي بمعنى السلامة محضًا، وقد يأتي مترددًا بين المعنيين كقوله تعالى: «ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا» ؛ فإنه يحتمل التحية والسلامة وقوله تعالى : سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ

الإسلام، من ذلك قوله سبحانه: «يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام »

٣-الثناء الحسن، من ذلك قوله سبحانه: سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِين قال ابن كثير: أنه يُسلَّم عليه في جميع الطوائف والأمم؛ ونحو ذلك قوله تعالى: سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهيم
قال الشوكاني: السلام: الثناء الجميل. وقد يراد بالسلام في هاتين الآيتين ونحوهما: السلامة من الآفات والشرور، وهو قول في تفسير الآيتين ونحوهما.

٤-الخير والمعروف من القول والخطاب :
ومن ذلك قوله تعالى : “وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا”.سورة الفرقان
قال الطبري: إذا خاطبهم الجاهلون بالله بما يكرهونه من القول، أجابوهم بالمعروف من القول، والسداد من الخطاب.

وقال مجاهد: قالوا سداداً من القول؛ ونحو هذا قوله سبحانه: «فاصفح عنهم وقل سلام » .
قال ابن كثير: لا تجاوبهم بمثل ما يخاطبونك به من الكلام السيء، ولكن تألفهم واصفح عنهم فعلاً وقولاً.

٥-تسمية الجنة بدار السلام
قال تعالى: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الأنعام 127) .
وقال: «وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم»
(سورة يونس 25).
♦♦♦العنصر الثاني♦♦♦
كيفية تحقيق السلام النفسي والمجتمعي .
أهم طريق لتحقيق الاطمئنان النفسي والمجتمعي التقرب من الله عز وجل ، فالسلام الداخلي يبدأ عندما يكون الإنسان في حالة سلام مع الله ، وذلك من خلال شحن الطاقة الإيمانية بالصلاة والذكر وقراءة القرآن والقيام والصيام والصدقة ، وسائر العبادات والشعائر بوجه عام ، والصلاة وذكر الله ، وقراءة القرآن على نحو خاص ، فجميعها عبادات روحية تنقي النفس البشرية من الشوائب وتجعلها في حالة ارتياح نفسي و تصالح مع الآخرين ..
و لكي ننعم بالسلام النفسي والسكينة الروحية ، أرشد القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة إلى جملة من التوجيهات الربانية والوسائل الإيمانية ، التي تعالج تلك الأمراض النفسية ، منها :

١-**المحافظة على الصلاة **.
الصلاة عمود الإسلام ، وركن الدين الركين ، الصلاة تسمو بالروح ، وتطهر القلب ، وتشرح الصدر ، وتطمئن النفس ، وتنهى عن الفحشاء والمنكر
قال تعالى:﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ سورة العنكبوت: 45 .

فالصلاة هي دعوة لتنظيف الباطن، والتخلي عن الفحشاء والمنكر، والتحلي بمكارم الأخلاق، وفيها راحة الضمير، والتروي في كل الأمور، واستعادة النشاط، كما أن لها من الفوائد الصحية التي تعود على المصلي من تقوية مفاصله، وعضلاته، ومساعدة المعدة على هضم الطعام، والسجود الطويل الخاشع له قدرة خارقة في انخفاض ضغط الدم العالي. قال تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” البقرة(153).

والصلاة هي الطمأنينة، التي قال عنها النبي الكريم صلى الله عليم وسلم: «أرحنا بها يا بلال»، فهي راحة وفيها الراحة .

٢- **الخشوع في الصلاة من أهم أسباب السلام النفسي .
قال تعالى: «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ»، قال تعالى : «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ» . والخشوع الواجب في الصلاة الذي يتضمّن السكينة والتواضع في جميع أجزاء الصلاة، ولهذا كان الرسول عن رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إذَا قَامَ إلى الصَّلَاةِ، قالَ: وَجَّهْتُ وَجْهي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفًا، وَما أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ، إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي، وَمَحْيَايَ وَمَمَاتي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، لا شَرِيكَ له، وَبِذلكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لا إلَهَ إلَّا أَنْتَ، أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِي، وَاعْتَرَفْتُ بذَنْبِي، فَاغْفِرْ لي ذُنُوبِي جَمِيعًا، إنَّه لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأخْلَاقِ، لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ في يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ ليسَ إلَيْكَ، أَنَا بكَ وإلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ. وإذَا رَكَعَ قالَ: اللَّهُمَّ لكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لكَ سَمْعِي وَبَصَرِي، وَمُخِّي، وَعَظْمِي وَعَصَبِي. وإذَا رَفَعَ قالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الأرْضِ، وَمِلْءَ ما بيْنَهُمَا وَمِلْءَ ما شِئْتَ مِن شَيءٍ بَعْدُ. وإذَا سَجَدَ قالَ: اللَّهُمَّ لكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ، وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ. ثُمَّ يَكونُ مِن آخِرِ ما يقولُ بيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وَما أَخَّرْتُ، وَما أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ، وَما أَسْرَفْتُ، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ به مِنِّي، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إلَهَ إلَّا أَنْتَ.
أخرجه الإمام البخاري .

فجاء وصف النبي -عليه الصّلاة والسّلام- بالخشوع أثناء ركوعه، وسجوده ومناجاته، ودعائه .
والخشوعُ في الصلاةِ هو السكون فيها، والتذلّلُ للهِ عزَّ وجلَّ بالقلب والجوارح، وذلك بحضورِ قلبِه وانكسارهِ بين يدي اللهِ تعالى، وكمالُ الخشوعِ يتحقّقُ بتصفيةِ القلبِ من الرياءِ للخلقِ في الصلاةِ، وبالخشوعِ في الصلاةِ يَكثرُ ثوابها أو يقلّ حسبما يعقل المصلّي في صلاتهِ، إضافةً إلى استشعارُ الخضوعِ والتواضعِ للهِ عزَّ وجلَّ عند ركوعهِ وسجودهِ، ودعائه ، ومناجاته ، وأن يمتلئَ قلبهُ بتعظيمِ اللهِ عز وجلّ ، وأن يبتعد المُصلّي في صلاتهِ عن الأفكارِ والخواطرِ الدنيويّة، والإعراضِ عن حديثِ النفسِ ووسوسةِ الشيطانِ؛ ذلك أنّ الصلاةَ مع الغفلةِ عن الخشوعِ والخضوعِ لله عز وجل لا فائدة فيها.

وإن الخشوع في الصلاة والوقوف بين يديه، من أعلى أسباب الإحساس بالسلام النفسي.

وقال الشاعر: أَلَا إن فِي الصَّلَاةِ الْخَيْرُ وَالْفَضْلُ أَجْمَعُ … لِأَنَّ بِهَا الْآرَابُ لِلَّهِ تَخْضَعُ
وَأَوَّلُ فَرْضٍ مِنْ شَرِيعَةِ دِينِنَا … وَآخِرُ مَا يَبْقَى إِذَا الدِّينُ يرفع .
فمن قام للتكبير لاقته رَحْمَةٌ … وَكَانَ كَعَبْدٍ بَابَ مَوْلَاهُ يَقْرَعُ .
وَصَارَ لِرَبِّ الْعَرْشِ حِينَ صَلَاتِهِ … نَجِيًّا فَيَا طُوبَاهُ لو كان يخشع .
والآراب (الأعضاء) . (تفسير الإمام القرطبي).
وينبغي أن يكون للصلاة أثر في حياة صاحبها ، مثل أثرها في حياة نبي الله شعيب عليه السلام .

قال تعالى : “قَالُواْ يَٰشُعَيْبُ أَصَلَوٰتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِىٓ أَمْوَٰلِنَا مَا نَشَٰٓؤُاْ ۖ إِنَّكَ لَأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ” .
سورة هود آية رقم ٨٧.

نظر قوم شعيب في حياة النبي شعيب عليه السلام فوجدوا أن الصلاة سبب في تركه عبادة الأصنام وتركه الغش في الكيل والميزان .

٣-*تلاوة القرآن الكريم*
ففي كلام الله تعالى الشفاء وفيه الهداية للنفوس والقلوب من جميع أمراض النفس ، والبعد عن الله ، وكذلك من أمراض الشبهات والشهوات ، وشفاء للأبدان
قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا) (الإسراء/ 82).
وَقَالَ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس: 57] [
وقال جل في علاه: (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ) (العنكبوت/ 51).
قال الإمام ابن القيم – رحمه الله –: “فَالْقُرْآنُ هُوَ الشِّفَاءُ التَّامُّ مِنْ جَمِيعِ الْأَدْوَاءِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ، وَأَدْوَاءِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَا كُلُّ أَحَدٍ يُؤَهَّلُ وَلَا يُوَفَّقُ لِلِاسْتِشْفَاءِ بِهِ، وَإِذَا أَحْسَنَ الْعَلِيلُ التَّدَاوِيَ بِهِ، وَوَضَعَهُ عَلَى دَائِهِ بِصِدْقٍ وَإِيمَانٍ، وَقَبُولٍ تَامٍّ، وَاعْتِقَادٍ جَازِمٍ، وَاسْتِيفَاءِ شُرُوطِهِ، لَمْ يُقَاوِمْهُ الدَّاءُ أَبَدًا.
ينظر زاد المعاد للعلامة ابن القيم ج٤/ ص٣٢٢.

وما من مرضٍ من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن طريق للشفاء ، ومن لم يشفه القرآن، فأين يجد الشفاء ، ومن لم يهديه كلام الله فأين يجد الهداية ؛ لذا فمنهج الدعوة الاستدلالي يتأسس على التذكير بالقرآن الكريم .

قال تعالى: (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) سورة ق. ومن يقرأ في القرآن الكريم لأول وهلة يتأكد من حرص القرآن الكريم على صحة المؤمن البدنية والعقلية ، والنفسية والقلبية ، فقدم الوقاية والعلاج كأسلوب من أساليب المحافظة على النفس البشرية ، من العلل والأسقام التي قد تصيب الإنسان ؛ لذلك كان لابد من نظرة تربوية علاجية من خلال القرآن الكريم ..
لقد قام فريق طبي بأبحاث قرآنية في كثير من المصحات الغربية ، وقد استُخدمت في هذه الأبحاث أجهزة المراقبة الإلكترونية ، المزودة بالكمبيوتر ؛ لقياس التغيرات الفسيولوجية في عدد من المتطوعين الأصحاء ، أثناء استماعهم لتلاوة قرآنية .
ولقد أثبتت النتائج المبدئية للبحوث القرآنية أنّ للقرآن تأثيراً إيجابياً مؤكداً لعلاج الأمراض النفسية والهموم والقلق و التوتر، وإسعاد القلب بالسكينة والسعادة والهدوء وأمكن تسجيل هذا الأثر نوعاً وكمّاً ، وفي المجموعة التي كانت تستمع وتفهم، سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين، ممن لم يفهم لغة القرآن ، و كانت النتائج إيجابية لهم جميعا بنسب متفاوتة . ينظر موقع البلاغ على شبكة الإنترنت.

٤-* مدوامة ذكر الله على كل حال باللسان والقلب والعمل** .
لقد جعل الله سبحانه وتعالى الإكثار من ذكره والمداومة على ذلك ، سبباً من أسباب طمأنينة القلب وراحته للحصول على السلام النفسي ، و راحة البال ، والطمأنينة هي ثبات القلب على الهدى والإيمان ، وإنشراح الصدر ، وهي نور يفيضه الله تعالى على قلب كل مؤمن بسبب ذكره ، فيذهب ما فيها من القلق والوحشة.
قال تعالى:” الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ”الرعد الآية(28).

وذكر الله تعالى على كل حال حياة للقلوب ، ورضا للنفوس ففي صحيح البخاري (عَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ – عليه الصلاة والسلام« مَثَلُ الَّذِى يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِى لاَ يَذْكُرُ مَثَلُ الْحَىِّ وَالْمَيِّتِ » .
وعكس ذلك تماما الإعراض عن ذكر الله ومنهجه .

فهذا الجيل للأسف الشديد ينام ويستيقظ والهواتف بيده، معرضا عن ذكر الله ، وعن الصلاة، و تلاوة القرآن الكريم ، إلا من رحم الله .
قال تعالى: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى » (طه: 124).

يقول أحد الأشخاص : كنت مدمن للكحول منذ فترة المراهقة، وفي الحادية والعشرين من عمري ذهبت إلى أحد الأطباء النفسيين وتم تشخيصي بـ “اضطراب الشخصية الحدية” وهو عبارة عن مرض عقلي ، يجعلني أشعر بأنني غير مستقر ، ودائمًا أحوالي متغيرة ، ومن الصعب جدًا أن يتعايش شخص مع شخص مثلي، في بعض الأوقات أشعر بالحيوية، وقد كان إدماني للكحول بالإضافة إلى الاضطراب النفسي الذي أعاني منه ؛ سببًا للقيام بالعديد من المشكلات، التي تُعد من المخاطر والجنون ..

٥-* غرس الإيمان بالله واليوم الآخر في النفس**.

إن للتقرب من الله الخالق ، وأداء العبادات والشعائر الدينية دورا كبير في علاج جميع الأمراض النفسية ، وترسيخ الإيمان بالله جل شأنه ، وإن للإيمان بالله تعالى تأثيرا عظيما في نفس المؤمن، فهو ينمي ثقته بنفسه ويدعمها، ويزيد قدرته على الصبر، وتحمل مشاق الحياة ويبث الأمن والطمأنينة في النفس، ويجدد الهدوء وراحة البال، ويغمر الإنسان بالشعور بالسعادة.
قال تعالى:” الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ” . الأنعام الآية(82).

وهذه الآية إجابة على سؤال إبراهيم عليه السلام لقومه ، وكيف أخاف ما أشركتم ؟! ولاتخافون أنكم أشركتم بالله .. فأي الفريقين أحق بالأمن؟!. يجيب القرآن الكريم “الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ” أي لم يخلطوا إيمانهم بشرك “أُوْلَئِكَ لَهُمْ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ”، وهذا ما أكده النبي عليه الصلاة والسلام فعَنْ ابن مسعود قال: لما نزلت: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم)، قلق الصحابة وشق ذلك على أنفسهم ، وقالوا: يا رسول الله: أينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس ذاك إنما هو الشرك ألم تسمعوا قول لقمان لابنه: (يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم؟) . (متفق عليه).

٦-* الرضا بقضاء الله وقدره**.
إن مما يبعث الطمأنينة في النفس الإنسانية ويحفزها على العمل ومواصلة السير في طريق الإنجاز والتقدم وعدم اليأس أو القنوط هو إيمانها بأن ما يحدث لها من أحزان ومصائب وابتلاءات فإنها تقع كلها في دائرة القضاء والقدر ؛ لذلك يكثر الانتحار في البيئات الملحدة ، ويظهر في البيئات البعيدة عن الإيمان ، ويختفى في البيئات الإيمانية ؛ لأن المؤمن يعلم أن كل شيء سواء كان خيرا أم شرا إنما هو بقدر الله ، الذي لا راد لقضائه ، ولا مانع لعطائه ، ولا معقب لحكمه .
قال تعالى:” مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ” الحديد(22).
وقال جل شأنه”مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” التغابن/١١ .

قال أحد الكتاب الغربيين: ماركوس أوريليوس “أن من يعيش في وئام مع نفسه يعيش في وئام مع العالم”، في حقيقة الأمر لم يخطئ ماركوس أبدًا في تلك المقولة، ولكن وفق المفهوم الا
سلامي ربما ينقصها تكملة ضرورية؛ لتنسجم مع أهداف هذا الدين الرباني ، وهي :

أنه من يعيش في حالة سلام مع الله ، ومن أحسن علاقته بالله سوف يحيا حالة سلام مع نفسه ، ومن ثم الآخرين ، والعالم الخارجي .(كنوز عربية).

العنصر الثالث : السلام مع النفس البشرية .
من أهم صور السلام وأنواعه في الإسلام السلام مع النفس:
وذلك بتزكيتها، ومحاسبتها، والتصالح معها ، وتوجيهها إلى ما فيه الخير، وإبعادها عن كل ما فيه ضرر .
قال تعالى : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) (الشمس 7- 10).
فتزكية النفس البشرية يترك الأثر الطيب في حياة صاحبها ، وفي المجتمع كله ، خاصة في هذا العصر الذي تعرضت النفس البشرية فيه إلى جملة من الأمراض النفسية، التي تهدد استقامة سلوك الفرد في علاقته مع ربه، ومع نفسه، ومع الآخرين، ومن أهم هذه الأمراض : الاكتئاب ، والاضطراب ، والقلق، والحيرة والهستيريا، والوسوسة، والشعور بالضعف، والوهن، والخوف الشديد من الكائنات التي تحيط بالإنسان .
وما أكثر الأمراض النفسية في هذا العصر، وقد استعاذ النبي الكريم عليه الصلاة والسلام كثيرا من هذه الأمراض ومن شر نفوسنا .
عن أنس رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قُلْ إذا أصبَحتَ وإذا أمسَيتَ ؛ اللهم إني أعوذُ بكَ منَ الهمِّ والحزَنِ، وأعوذُ بكَ منَ العجزِ والكسلِ، وأعوذُ بكَ منَ الجُبنِ والبخلِ ؛ وأعوذُ بكَ مِن غلبةِ الدَّينِ وقهرِ الرجالِ ».
الجامع الصغير للسيوطي وسنده صحيح.

ووصيته عليه الصلاة والسلام لأبي بكر رضي الله عنه “اللهم فاطرَ السمواتِ والأرضِ عالمَ الغيبِ والشهادةِ ربَّ كلِّ شيءٍ ومليكَه، أشهدُ أن لا إله إلا أنت، أعوذُ بك من شرِّ نفسي، وشرِّ الشيطانِ وشِرْكِه. قال: قلْها إذا أصبحتَ، وإذا أمسيتَ، وإذا أخذتَ مضجعَك”.
صحيح الإمام أبو داود ..

دخلت إحدى النساء على زوجة الإمام الأوزاعي رحمه الله فرأت تلك المرأه بللاً في موضع سجود الأوزاعي، فقالت لزوجة الأوزاعي: “ثكلتك أمك!! (أو سامحك الله) أراك غفلت عن بعض الصبيان حتى بال في مسجد الشيخ (أي مكان صلاته بالليل) فقالت لها زوجة الأوزاعي: ويحك هذا يُصبح كل ليلة!! من أثر دموع الشيخ في
سجوده..ولا شك أن لقيام الليل أثرا نفسيا كبيرا على سلامة النفس وسكينتها ..

♦وختاما :
من صور السلام المترتبة على ما سبق السلام النفسي مع الناس ، فالمسلم صاحب النفس النقية الطاهرة ، وهو شخص ودودٌ، سهلٌ، هينٌ، لينٌ، يَألَفُ ويُؤلَفُ، متسامحٌ مع نفسِهِ، ومع الآخرين مثل : أقاربه و جيرانِهِ وأصدقائِهِ، ومع مجتمعِهِ، بل مع الناسِ أجمعين .
يقولُ نبيُّنَا ﷺ: (المُؤمِنُ يألَفُ ويُؤلَفُ ولا خيرَ فيمَنْ لا يألَفُ ولا يُؤلَفُ وخيرُ النَّاسِ أنفَعُهم للنَّاسِ) .
ويقولُ ﷺ: (المسلِمُ مَن سلِمَ الناسُ مِن لسانِه ويدِه)، فلا يغشُّ ولا يخونُ، ولا يستغلُّ، ولا يحتكرُ، ولا يرمِي الناسَ بالإفكِ والبهتانِ،ظُلمًا وزُورًا ولا يؤذي ، بل شخص متسامح مع الآخرين .
إن مفهوم السلام مع الناس لا يقف عند عدم الإيذاء بصورة بعينها، بل كل عمل أو قول من شأنه أن يلحق ضررا بالغير حسيا كان أو معنويا، ولقد قال تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) (الأحزاب 58) .
ويقول صلى الله عليه وسلم “إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ، أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ، اتِّقَاءَ فُحْشِهِ” (رواه البخاري ومسلم) ..

ومن صور السلام في الإسلام أيضاً السلام مع البيئة، وذلك بالحفاظ على نظافة البيوت والأفنية..

وكذلك الحفاظ على نظافة الماء من التلوث، فلا يكن أحدنا سبب ضرر لغيره؛ وقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): “لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ، مَنْ ضَارَّ ضَارَّهُ اللَّهُ”.
عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: “اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ” قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: “الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ”
( أخرجه الإمام مسلم).

وعَنْ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أنَّه نَهَى أنْ يُبالَ في الماءِ الرَّاكِدِ.
( رواه الإمام مسلم).

حتى لا يكون مكان القذر مصدرَ أذَى، ونقـلًا للأمراضِ المهلكةِ .
وقد أرشدَنَا نبيُّنَا الكريمُ ﷺ إلى أهميةِ السلامِ مع البيئةِ، حيثُ بيَّنَ أنَّ إماطةَ الأذَى عن الطريـقِ شعبةٌ من شعبِ الإيمانِ .
قالَ ﷺ: (الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ) .أخرجه الإمام مسلم .

وإنًّ دينَنَا الحنيفَ دينُ السلامِ، ونبيَّنَا ﷺ نبيُّ السلامِ، وتحيتَنَا في الدنيا سلامٌ، والجنةَ هي دارُ السلامِ، وتحيةَ أهلِ الجنةِ في الجنةِ السلامُ، وتحيةَ الملائكةِ لهُم سلامٌ، والحقيقة أنه لا سلام كامل في هذه الحياة، وأن السلام الحقيقي في الجنة ، دار السلام .
قال تعالى: ﴿لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ .

فما أجملَ أنْ يعيشَ الإنسانُ في سلامٍ مع نفسهِ، وسلامٍ مع أسرتهِ، وسلامٍ مع عائلتهِ، وسلامٍ مع جيرانهِ، وسلامٍ مع أصدقائهِ، وسلامٍ مع المجتمعِ، وسلامٍ مع بيئتهِ، وسلامٍ مع الكونِ كلِّهِ..

نسأل الله جل في علاه أن يحفظ مصر وأهلها وأمنها ووحدتها من كل مكروه وسوء ، وسائرَ بلادِ المسلمين .

اللهم زدنا ولا تنقصنا واعطنا ولا تحرمنا وارضنا وارضى عنا ،
و ارزقنا رزقا حلالا طيبا مباركا فيه ، وانصر الإسلام والمسلمين ووحد صفوفهم على العمل بكتابك وسنة رسولك وفرق شمل الصهاينة المعتدين ومن وقف بجانبهم ونجنا ونجي بلادنا من الفتن ما ظهر منها و ما بطن ، وارفع مقتك وغضبك عنا ، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا ..