( ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) الحج سؤال وجواب

ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ

من حكم الله السامية ومن عظيم عطاياه أن إختص الأمة الإسلامية بشعائر وعبادات لتريح القلوب وتسموا بها النفوس

ولتكون لهم عيدا مباركا ليفرحوا به ويروحوا عن أنفسهم

وهذه العبادات والشعائر لها طرق مخصوصة وأركان وفرائض تحتاج إلى إيضاح ولذلك قال الله تعالى ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )

ومن هذا المنطلق قامت مجلة روح الإسلام بتخصيص بعض الحورارت الخاصة بالحج المبارك وهذه الايام المباركة وحوارنا فى هذا المقال مع الدكتور : محمد سالم الصعيدى الشافعى ـ أستاذ التاريخ الإسلامى بجامعة الأزهر

 تتعلق قلوب المسلمين بمشاعر الحج وبوفود الحجيج الى المشاعر المقدسة ايام الحج ، ويكون اقصى امنيات المسلم اللحاق بغيره من الحجاج الى بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة ، ولكن لا يحالفه الحظ ، لذلك نريد من فضيلتكم هل للمرء المسلم غير الحاج اللحاق بالركب والاستفادة من ايام الحج المباركة؟

س : يأتى الحج فى ايام مباركة فى النصف الاول من ذي الحجة ، فما هي فضائل العشر الاوائل من ذي الحجة؟ وما هي الافعال المستحبة فيها؟

ج: الحمد لله الذي جعل لنا من أيام الدهر نفحات وبركات, فالعاقل من أغتنم موسم الطاعات, والمحروم من ضيع تلك الهبات الغاليات, وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة عبد مفوض لقضائه مسلم له في حكمه وإمضائه, وأشهد بأن نبينا وعظيمنا وشفيعنا يوم العرض على الله محمدا, خير من صلى وقام, فبحقه صلوا عليه وسلموا

لا شك أنه ما من أيام العمل الصالح فيها أفضل وأحب إلى فيها من عشر ذي الحجة لوقوع يوم عرفة, أفضل الأيام فيها, ولقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم, ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه، قالوا: ولا الجِهادُ؟ قالَ: ولا الجِهادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِه ومالِه، فلَمْ يَرْجِعْ بشَيءٍ (صحيح البخاري)

قال ابن عطاء: ” العمل الصالح هو ما يصلح للعرض على الحق سبحانه” فويل لمن باع أخرته بدنياه, وباع ما يبقى بما يفنى

 

أفضل ما تقدمه لنفسك في تلك الأيام قراءة كتاب الله بتدبر وفهم, ووقوف عند آياته,  فبكل حرف حسنة, والحسنة بعشر أمثالها, آلم ألف حرف, ولام حرف وميم حرف, فخير الناس من تعلم القرآن وعلمه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم, فأهل القرآن هم أهل الله وخاصته, ومثل الذي يقرأ القرآن ولا يقرأه كمثل الحيّ والميت، فلنحيي قلوبنا وبيوتنا بالقرآن العظيم وبتدبر آياته واتّباع أوامره واجتناب نواهيه ولنتخلّق بأخلاقه ولنقيم حدوده ولنزداد من الحسنات لأن هذا القرآن العظيم هو كنز الحسنات

 

مع الصوم والذكر والتسبيح والتبتل والانقطاع عن الدنيا والانشغال بالله وحده, وفي الحديث أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ، صِيَامَ عَاشُورَاءَ، وَالْعَشْرَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَالرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ. والحديث وإن كان ضعيفا لكن يقوى بالحديث المتقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حض على كل ألوان العمل ولا شك أن الصوم للمستطيع من أفضل القربات خصوصا في تلك الأيام المباركات.

س : وما هو فضل يومي التروية وعرفة ؟ وهل يستحب ان يتعبد فيها المسلم غير الحاج ؟ وما هي هذه العبادات ؟ وما كيفيتها؟

لا شك أن يوم التروية ويوم عرفة من أفضل الأيام, وأن التعبد فيهما مطلق ليس مقيد أو حكر على الحجيج دون غيرهم, ويكفي شرفا ليوم عرفة, أن النبي صلى الله عليه وسلم صامه وبين قدره, وأنه من أفضل أيام الله, فقد أحتفى به الحق جل جلاله لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡۚ فَإِذَآ أَفَضۡتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلۡمَشۡعَرِ ٱلۡحَرَامِۖ وَٱذۡكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ وَإِن كُنتُم مِّن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ 198 [البقرة: 198] وفي الحديث الصحيح صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ (صحيح مسلم) وفي الحديث كذلك خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( الترمذي بسند حسن) والأحاديث في يوم عرفة وعن فضل يوم التروية كثيرة, ويستحب لغير الحاج أن يكثر من الدعاء وخصوصا في أوقات السحر, وعند السجود, وعند الغروب وبعد صلاة الفجر, فكلها أوقات إجابة وهي في تلك الأيام أعظم بركة وعلى العاقل أن يغتنم تلك الأوقات وأن يناجي مولاه بما يحب, يبدأ بالحمد والثناء والتعظيم ومناجاة الخالق باسمه الأعظم, ثم الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله, ثم يسأل الله خير الدنيا والآخرة, ويختم بقوله ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

س : وما هو فضل ايام التشريق لغير الحاج ؟ وهل من الممكن ان يتعبد غير الحاج في هذه الايام بشيء من العبادات؟

ج- أيام التشريق من أفضل الأيام بعد العشر ويوم عرفة, وفي الحديث الصحيح أيَّامُ التَّشريقِ أيَّامُ أَكْلٍ وشُربٍ وذِكْرٍ للَّهِ عزَّ وجلَّ, وفي الحديث كذلك, يومُ عرفةَ ويومُ النَّحرِ وأيَّامُ التَّشريقِ عيدُنا أهلَ الإسلامِ وهي أيَّامُ أكلٍ وشربٍ ( أبو داود بسند صحيح) ومن أفضل العبادات النحر اقتداء بهدي سيد الخلق صلى الله عليه وسلم القائل في الحديث إنَّ أوَّلَ ما نَبْدَأُ به في يَومِنا هذا أنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، مَن فَعَلَهُ فقَدْ أصابَ سُنَّتَنا، ومَن ذَبَحَ قَبْلُ، فإنَّما هو لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأهْلِهِ، ليسَ مِنَ النُّسُكِ في شيءٍ فَقامَ أبو بُرْدَةَ بنُ نِيارٍ، وقدْ ذَبَحَ، فقالَ: إنَّ عِندِي جَذَعَةً، فقالَ: اذْبَحْها ولَنْ تَجْزِيَ عن أحَدٍ بَعْدَكَ قالَ مُطَرِّفٌ: عن عامِرٍ، عَنِ البَراءِ: قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاةِ تَمَّ نُسُكُهُ، وأَصابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ. (صحيح البخاري) فالنحر عبادة وقتية زمانية, حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم بزمن معين وآداب مخصوصة, وبين آداب تلك الأيام أنها توسعة على النفس والأهل والولد والأقارب, والفقراء, وتفعيل مفهوم التضامن والتكافل, والشعور بالأخوة والمؤاساة بالمال, وبذل الصدقات والأضاحي للمستطيع فمن لم يستطع يؤجر بنيته, وعليه الإكثار من التهليل والتحميد والصلاة والسلام على سيد الأولين والأخرين حتى يظن الناس من كثرة صلاته وذكره وتهليله بصوت مرتفع أنه مجنون!

س : وهل يجوز صيام يوم العيد؟

ج: قولا واحدا لا يجوز ويحرم لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك في تحريم قاطع ثابت بالأدلة القطعية, عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ: يَوْمِ الْأَضْحَى، وَيَوْمِ الْفِطْرِ». أخرجه مسلم في «صحيحه» وعَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» أخرجه مسلم في «صحيحه». وقال الخطيب الشربيني في «مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج» [(ولا يصح صوم العيد) أي الفطر والأضحى ولو عن واجب للنهي عنه في خبر الصحيحين وللإجماع، ولو نذر صومه لم ينعقد نذره (وكذا التشريق) أي أيامه، وهي ثلاثة بعد الأضحى لا يصح صومها

س : ما هى الاذكار المستحبة خلال ايام العشر الاوائل من ذي الحجة؟

كل الأذكار المأخوذة من الكتاب والسنة مستحبة ومنها مثلا؛ لا إله إلا الله وحده لا شريك له للحديث المتقدم أفضل مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ», وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم, فالتوحيد والشهادة للخالق سبحانه بالألوهية دون شريك أو ند أو شبيه, من أعظم القربات, بل إن التلبية التي يقولها الحجيج لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك

وكأنك بهذا الدعاء قد شاركت الحجيج وقوفهم بعرفات وسعيهم بين الصفا والمروة, وللإنسان أن يسأل الله من خيره الواسع وأن يكثر من الصلاة والسلام علي سيدنا رسول الله في الدعاء فلها سر عجيب!

س : هل للأضحية علاقة بشعائر الحج ومشابهة بالهدى ؟ وما هو حكمها وهل هى سنة عن سيدنا ابراهيم عليه السلام عندما افتدى الله ابنه اسماعيل؟

ج: نعم للأضحية علاقة كبيرة وقوية, فهي سنة أبينا إبراهيم لها رمزية وقدسية, وعلاقة تاريخية بين تلك الأماكن المقدسة, فإسماعيل هو الذي عاون والده في رفع القواعد من البيت, وامه هي التي تفجر من بين يديها زمزم, وهي التي سعت بين الصفا والمروة, وهو الذبيح الذي نجاه مولاه بذبح عظيم, في أروع بلاء واختبار لتلك الأسرة المؤمنة الصابرة, وهي سنة مؤكدة عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضَحَّى النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكَبْشينِ أمْلَحَيْنِ أقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُما بيَدِهِ، وسَمَّى وكَبَّرَ، ووَضَعَ رِجْلَهُ علَى صِفَاحِهِمَا.(البخاري)

س : هل من نوى الحج ولم يكتب له الحج نصيب من الحسنات وفضل على من لم ينوى الحج؟

نعم يؤجر بنيته مثله مثل من حج سواء بسواء, لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى (البخاري) ولحديث المصطفي صلى الله عليه وسلم  مثلُ هذه الأُمَّةِ كمثلِ أربعةِ نفرٍ رجلٌ آتاهُ اللهُ مالًا وعلمًا فهو يعملُ بعلمِه في مالِه يُنفقُه في حقِّهِ ورجلٌ آتاه اللهُ علمًا ولم يُؤْتِه مالًا فهو يقولُ لو كان لي مثلَ هذا عملتُ فيه مثلَ الذي يعملُ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فهما في الأجرِ سواءٌ ( ابن ماجة بسند صحيح)

وفي الأخير أسأل المولى سبحانه أن يكتبنا من حجيج بيته الحرام, ومن رواد روضة المصطفى عليه السلام, وأن يحفظ بلادنا من كل مكروه وسوء

اترك تعليقاً