الرحمة بين الزوجين هى اللبنة الأولى لبناء أسرة صالحة
23 مايو، 2025
بناء الأسرة والمجتمع

بقلم الشيخ : سعد طه
أيها المسلمون، تراحموا، فإن الله سبحانه وتعالى يحبكم، وقد ميزكم بالإسلام، وهذه أولى علامات الولاية والعزة والكرامة. ثم ميزكم بالعقل، لتميزوا بين الحق والباطل، والخير والشر. ثم وهبكم الجسد الجميل، والصورة الحسنة، ﴿هو الذي صوّركم فأحسن صوركم﴾.
ولم يترككم وحدكم في هذه الحياة، بل بعد أن أصبحت شابًا قويًّا في بدنك ومالك، جعل لك بيتًا تسكن فيه وتستقر، وغرس فيك فطرةً سوية، فإذا أردت بناء بيت، فليكن على الفطرة السليمة، ألا وهي الزواج كما أمر الله، وعلى نهج الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، لتكوين أسرة صالحة.
ولهذا قال رجل للإمام الحسن: “يا إمام، تقدم لابنتي رجل كثير المال، جميل الوجه، رفيع المنصب، فلمن أزوجها؟” قال: “زوجها التقي، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها”.
فالأسرة هي المأوى من قسوة الحياة، والملاذ الذي نستمد منه الدفء والحنان. وقد وصفها الله تعالى بأنها آية من آياته، فقال: ﴿ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة﴾. إنها سكن الروح للروح، واطمئنان النفس إلى النفس.
المودة والرحمة، لا الشهوة وحدها، هما عماد البيت، وهما سبب استقراره وسعادته. فالعلاقة الزوجية ليست جسدية فقط، بل قلبية وعقلية وروحية.
قال تعالى: ﴿وعاشروهن بالمعروف﴾، وهل هناك بيت يخلو من المشاكل؟ حتى بيت النبوة شهد اختلافًا، ولكن بالرحمة تُحلّ الخلافات. فقد طلق النبي صلى الله عليه وسلم حفصة، فجاءه جبريل عليه السلام وقال: “راجع حفصة، فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة”.
وهذا دليل أن لكل إنسان مميزات وعيوب، فاختر المميزات وتجاوز الزلات. النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف متى تكون السيدة عائشة راضية أو غاضبة منه. قالت: “وكيف عرفت؟”، قال: “إذا كنتِ راضية قلتِ: ورب محمد، وإذا كنتِ غاضبة قلتِ: ورب إبراهيم”. وكان يلاعبها ويداعبها، احترامًا لمشاعرها.
لابد من الثقة والاحترام، لا للإهانة، لا للضرب، لا للسب، لا لتقليل المكانة، خاصة أمام الأولاد أو الناس. فلا تفضح زوجتك إذا حدث بينكما خلاف، ولا هي تفضحك.
وقد قيل إن عبدالله بن عمر طلق امرأته، فجاء أهلها يسألون عن السبب، فقال: “الزواج سنة أولى، هي فترة الاكتشاف، والأخذ بالرأي”.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”. وكان دائم الوفاء للسيدة خديجة رضي الله عنها.
وحذار أن تحكي تفاصيل العلاقة الزوجية لأحد. إنها خصوصية يجب صونها. ولا تقلل من قدر زوجتك، فإنك حين تحترمها، تحترم نفسك، وتحفظ أولادك من نظرات الناس وألسنتهم.
قال الشيخ الشعراوي رحمه الله: “إذا كان الرجل مع امرأة لا تحل له، فإنه يسير خائفًا، يلتفت يمنة ويسرة، أما مع زوجته، فإنه يسير معتزًا بها، لا يخشى أحدًا”. فما الفرق بينهما؟ الأول انكسرَت فطرته، وانقاد لملذات لا تدوم، والثاني سار على نهج الفطرة السليمة.
﴿وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها﴾، فاشكروا نعمة الزواج، ونعمة الأسرة، ونعمة الطمأنينة.
يا عباد الله، تراحموا، فكم من بيوت تحولت إلى ساحات نزاع! وكم من قلوب تفرّقت بعد أن كانت أقرب القلوب! وكم من أطفال شُرّدوا بسبب غياب التراحم الذي أوصى به ديننا الحنيف.