الإسلام في فلسفة بيجوفيتش توازن الروح والعقل

بقلم الأستاذ : أحمد سعيد قحيف

يرى المفكر البوسني علي عزت بيجوفيتش أن الإسلام لا يمكن فهمه إلا من خلال إدراك الطبيعة الثنائية للإنسان جسد وروح، عقل وقلب، ظاهر وباطن فكما لا تكتمل إنسانية الإنسان إلا بهذا التوازن، لا يكتمل فهم الإسلام إلا باعتباره دينًا يُوحِّد بين هذين البعدين دون أن يطغى أحدهما على الآخر.

الإسلام في نظر بيجوفيتش ليس تدينًا صوفيًا مجردًا من الواقع، ولا منظومة عقلانية خالية من الروح، بل هو مشروع إنساني شامل، يجمع بين خلوة الغار في بدايته، وجهاد الشارع في مسيرته، بين الوحي النظري في القرآن، والتجربة العملية في السنة.

ثنائية التكامل: التصوف والعقلانية :

يُقدم بيجوفيتش الإسلام بوصفه دينًا يجمع بين الإيمان القلبي والعمل الظاهر، بين الدعاء الخاشع في القلب والحركات المنظمة للجسد في الصلاة، بين خلوة الروح في الليل والتزام الجماعة في النهار.

فهودين الإيمان الداخلى الذي لا يُكتفى فيه بالمظاهر، ودين الفعل الواقعي الذي لا يكتفي بالمشاعر وحيٌ نازل في القرآن يحمل المعنى، وسنةٌ قائمة تُجسد التطبيق ،خلوة في غار حراء تهيئ القلب، ونضال في مكة يواجه الواقع.

من هنا يؤكد بيجوفيتش أن الإسلام لا يُفهم بمعزل عن التصوف “الجانب الروحي “أو علم الكلام “الجانب العقلاني” لأن كلاً منهما يُعبر عن جانب أصيل في طبيعة الإنسان.

بين القانون والضمير

يُبرز بيجوفيتش قدرة الإسلام على الجمع بين الإلزام القانوني والتحفيز الأخلاقي:

يفرض الزكاة بقوة القانون، لكنه يدعو للصدقة طوعًا بدافع من الضمير.

يقيم الحدود باسم العدالة، لكنه يحث على العفو بدافع الرحمة.

بهذا يتجاوز الإسلام الشكل القانوني البحت، ليؤسس لمجال أخلاقي تتناغم فيه الشريعة مع الرحمة، والعقل مع الضمير.

الزهد والواقعية :

رغم دعوته إلى الزهد والترفّع عن الدنيا، لا يغفل الإسلام طبيعة الإنسان وحدود طاقته لذلك، يقف موقفًا رحيمًا من الحرج والمشقة، ويضبط التكاليف بما يناسب الاستطاعةإنه توازن دقيق بين المثالية الأخلاقية والواقعية الإنسانية.

المسجد وحدة الدنيا والآخرة:

في رؤية بيجوفيتش، المسجد ليس مجرد مكان للعبادة، بل هو أيضًا فضاء للعلم والمشورة والتنظيم الاجتماعي إنه نقطة التقاء بين الروحي واليومي، بين العبادة والعمل. ولذا يمكن وصفه كما يسميه: “مسجدرسة” – مسجد ومدرسة معًا.

الإسلام: مشروع حياة متكاملة:

يخلص بيجوفيتش إلى تعريف الإسلام بأنه: دعوة إلى حياة روحية ومادية متكاملة، تشمل العالمين: الجواني والبراني.

ويستدل على ذلك بقول الله تعالى: “وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا”.

من هذا المنطلق، يرى أن كل إنسان – في جوهره – يحمل إمكانية أن يكون مسلمًا، لأن الإسلام يخاطب حقيقته العميقة بكل ما فيها من تناقض وتكامل.

الإنسان: الحجة الكبرى للإسلام :

في نظر بيجوفيتش، الإنسان نفسه هو أكبر دليل على صدق الإسلام، لأنه الكائن الوحيد الذي يُجسّد هذه الثنائية: يطلب المعنى، ويعيش في المادة، يتأمل الغيب، ويخوض الحياة.

ويختم رحلته الفكرية بإيمان عميق وبسيط:

“الفكرة الوحيدة التي أراها حقيقة، هي أن الإنسان سيحاسب على أعماله هذه الفكرة وحدها تمنح هذا العالم قيمة ومعنى.”

اترك تعليقاً