من يجدر بالثناء عليه


بقلم الكاتب والباحث الصوفى الكردى الدكتور :عبدالكريم فتاح أمين
جامعة الحلبجة – كلية نريية الشهزور – قسم تنمية البشرية

 

الحمد والثناء الحقيقي مما استأثر الله تعالى به ولا يحق به غيره تعالى قاطبة لأن الله تعالى يملك كل الصفات الحسنة والجميلة بذاته، والصفات الرذيلة والذميمة منتفيه عنه تعالى، وبخلاف غيره جل وعلا مما سواه وهو يجري تحت لطفه ورحمته اللامتناهية، يملك بعض الصفات الحسنة بالواسطة، ولو وكل إليه أمر نفسه لحظة ما يفعل ما يفعل من المذمومات والرذائل التي يتأنف ذكرها كما قال سبحانه في حق سيدنا يوسف عليه السلام:

﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)يوسف.

فسيدنا يوسف عليه السلام يمضي شؤونه تحت مشيئة الله تعالى ورعايته القوية ولولا عصمته ولطافته اللدنية ما استطاع كسر هيمنة النفس الإمارة والأمارة بالسوء حينما أرادت فرض الاشياء عليه، والجدير بالذكر: يفهم من الآية المارة الذكر إن برهان الله تعالى وإمداته السامية تتجسدت على هذا العبد المظلوم الغريب من جنود الله تعالى والأرواح الطاهرة النزيهة لا سيما روح والده النبي الماجد الساجد كما صرح به المفسر الصوفي الخازن، كما تتجسدت همة الله تعالى ومدده على رسول رب العالمين – صلى الله عليه وآله وسلم – في الظروف القاسية، ظروف كادت أن تقضي عليه وعلى اصحابه، وإلى هذا قد أشارت الآية الآتية : ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) الأنفال.

ولذا يجوز الله الثناء والمدح فقط لنفسه وحرم على غيره، ونجد في القرآن الكريم آيات كثيرة حول ذلك، فمنها قوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ) فاطر: 15)

وكذلك الاحاديث الشريفة تؤكد على ذلك بوضوح، وضوح الشمس في ربع النهار ، ونشير إلى حديث واحد فقط في ذلك الجانب:

 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ   لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ )البخاري (4634) ، ومسلم (2760)

فعلى العبد الذي رأى نعم الله تعالى وآلائه على نفسه وعلى أولاده وخواصه سواء تلك النعم منفصلة كانت أو متصلة ان يشكر من أفاض عليه تلك النعم الجليلة حتى يتجسد له الهدفان العظيمان :

الأول: أداء حق المفيض جل جلاله.

الثاني: الاعتراف بمخلوقيته وخالقية ذي النعم: ﴿ {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (إبراهيم: 7)

لا يرضى أن يثنى عليه من قبل نوع جنسه إلا من خرج عن دائرة العلم بنفسه وباعراضه النتنة كما قال سبحانه وتعالى تجاه هؤلاء الذين نسوا أنفسهم:﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)الحشر

اعلموا ان مدح غير الله مما لا يجوز أصلا وبالأخص هؤلاء الذين لم يفعلوا مهمة في حياتهم:﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188)آل عمران .

أيها العاقل اللبيب ينبغي علينا أن نتعامل مع خالقنا سبحانة وفق تعامل الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، دوما عاشوا في المراقبة الذاتية واللدنية والخوف التام من الذي لا يتعرض للهلاك والاضمحلال، وكل شيء هالك إلا وجهه، نتعامل معاملة من نسوا أنفسهم أمام الله تعالى، فأم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها تقول:

 فقدتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذاتَ ليلةٍ مِن فراشِه فالتمَستُه فوقعَت يدي علَى بطنِ قدمَيهِ وَهوَ في المسجدِ وَهما مَنصوبتانِ وَهوَ يقولُ اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ برضاكَ مِن سخطِك وبمعافاتِك مِن عقوبتِك وأعوذُ بِك منكَ لا أُحصي ثناءً علَيكَ أنتَ كما أثنَيتَ علَى نفسِك.

اترك تعليقاً