تغيير النفس سبيلنا للعدالة والسلام

بقلم الأستاذ: مازن أبو الفضل مدرب تنمية بشرية ومهارات 

لا شك أن العالم يضيق من حولنا ولا شك أن لذلك تأثير سلبي يطبق على أنفسنا يمنعنا من المضي نحو حسن الحال.

والأحداث داخلياً وخارجياً تتطور من السيء للأسوء

ففضلاً عن الحروب التي تحيط بنا والأزمات السياسية والتصعيدات نجد ضيق المعيشة والفساد والأزمات الأخلاقية تتنامى وتتصاعد هي الأخرى .

ورغم الصدمات التي نعيشها بشكل شبه يومي إلا أن المُدقق سيجد أن تلك الكوارث والأزمات كانت تحدث منذ زمن بعيد لكن كانت تنتشر أخبرها على نطاق مجتمعي ضيق.

فخارجياً منذ ستينات القرن الماضي والصراع الروسي الأمريكي أخذ يزرع بيادقه في اوروبا وآسيا بل والشمال الأفريقي أيضاً والصراع العربي الإسرائيلي قائم منذ زرع الكيان الصهيوني في المنطقة

إيران منذ نشأت الجمهورية الإسلامية وهي تعتبر نفسها حاضنه للمقاومة ضد الامبريالية الغربية والوجود الصهيوني

مصر منذ الملك فاروق تتصرف كلاعب مهم في الديبلوماسية العالمية ولها مقام مُحترم من الأمم الغربية والشرقية نفس الصراعات لكن بوجوه وتقنيات مختلفه

في الشأن الداخلي دوماً كان الناس تشتكي من غلاء الأسعار والفساد والمحسوبية وافلام الستينات والثمانينات تشهد بهذا.

كنا نسمع منذ طفولتنا عن التحرش الجنسي بالأطفال والتنمر والاغتصاب الجماعي والإنتحار والزواج المبكر والطائفية والقتل والسحل والعنصرية وكل ما تلقاه وتسمعه بشكل يومي.

اذن ما الجديد؟

الجديد امران، الأول أن هناك مواقع للتواصل الإجتماعي وهي ساعدت على نشر تلك الأحداث واستقطاب الرأي العام بل وفبركة تلك الحوادث في بعض الأحيان بهدف شغل الناس عن قضايا أكبر “وهو ما كان يحدث قديماً أيضاً”

فالعالم مكان مجنون مُتشيطن منذ نشأته ولهذا كان يرسل الله رجاله وأوليائه لإرجاع الأمم لمسارها المطلوب من خالقها.

وسيظل العالم بهذه القذارة والضيق حتى يلتزم بهدي الله ونهجه، لا سبيل آخر للحياة الطيبة.

الأمر الثاني هو تعاظم شأن المقاومة وجمهورها وانتشار حركات التصوف بشكل عالمي، وهو ما خلق واقع جديد وفلسفة تحمل أجمل صفتين بشريتين هما “الشجاعة والعفة” الاولى عن دفع الضرر والثانية عن تهذيب النفس، والجميل أيضاً أن المقاومة والتصوف لهما جمهور من كل طوائف المجتمع بل من كل أطياف العالم.

فوجود روح المقاومة “الشجاعة” ومبادرة التصوف “العفة” خطوتان مهمتان في سبيل بناء عالم مستعد لمبادرة التغيير العالمية التي سيقودها من سيشاء له القدر.

ولنفهم هذا أكثر علينا أن نطلع على تشريح النفس في الفلسفة لنجد مفهوم (الفضائل الأربعة) وهي العفة والشجاعة والحكمة والعدالة، وكل فضيلة منهم هي كمال قوة من قوى النفس وهي لها تطبيقات مجتمعية كما لها تطبيقات فردية تبدأ من الإنسان الفاضل وتنتهي عند المدينة الفاضلة “اليوتوبيا”

وكما قلنا فإن تنامي المقاومة والتصوف هو نهوض لفضيلتي الشجاعة والعفة في الفرد والمجتمع إلا أنه ينقصنا فضيلة الحكمة والعدالة التي تنتج بشكل طبيعي عند تحقق الفضائل الثلاثه الأولى فالإنسان العادل بكل بساطه هو الحكيم والعفيف والشجاع.

فكيف ننمي فضيلة الحكمة؟

ببدء حركة ثقافية وتعليمية تبدأ بفقه النفس، فأنت لن تستطيع أن تبني شيئاً ليس لديك تصور عن ماهيته أو ليس لديك هدف من بناءه

أو كيف تُصلحه إذا طاله الفساد، فكل هذه المعارف وأكثر يجب أن تحيط بها قبل البدء بالتشييد والعُمران.

فما بالك بنفسك وحياتك التي هي أهم من أي بناء، فالأولى أن تعرف وتتعلم عنك وعن الآخر وعن الله وجميل خلقه لتصل الى نهاية رحلتك وقد عشت تلك الحياة الطيبة.

وبعدها علم العلاقات “الأخلاق” لتمارس الفضيلة مع الآخر ويليها تدبير المال “الإقتصاد” وتدبير المنزل والعمل “الإدارة” وفي النهاية تدبير الوطن “السياسة”

وبالإضافة للعلوم الشرعية وروح السلوك الإلهي الذي يجعل من أي عمل عادي سبباً في تحقيق مراد الله وتهيئة عالم ما بعد الدنيا لاستقبال المؤمنين الأخيار.

اذا كان تغيير الشخصية يبدأ من الداخل للخارج فالمجتمعات أيضاً لكي تتغير يجب البدء من نواتها الداخلية “الفرد” وينمو التغيير للخارج “الإدارة/السلطة” فتغيير السلطة أو الإدارة سواء كان فرداً أم منهجاً فهو لن يحقق العدالة المرغوبة .

فعليك نفسك يا عزيز قبل غيرك، تحلى بالعدالة قبل أن تطلبها.

 وكما قال الإمام الغزالي في الإحياء “اعلم أن أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك ، وقد خلقت أمارة بالسوء ميالة إلى الشر فرارة من الخير ، وأمرت بتزكيتها وتقويمها وقودها بسلاسل القهر إلى عبادة ربها وخالقها ، ومنعها عن شهوتها وفطامها عن لذاتها ، فإن أهملتها جمحت وشردت ولم تظفر بها بعد ذلك ، وإن لازمتها بالتوبيخ والمعاتبة والعدل والملامة رجوت أن تصير النفس المطمئنة المدعوة إلى أن تدخل في زمرة عباد الله راضية مرضية ، فلا تغفلن ساعة عن تذكيرها ومعاتبتها”

اترك تعليقاً