ضربت عاصفة ترابية قوية شمال مصر وغربها يوم الأربعاء 30 / 4 / 2025م، ويمكن استغلال هذا الحدث للوقوف على حقيقة التراب في القرن الكريم، فالتراب هو أصل خلق الناس في شخص أبيهم آدم عليه السلام، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ}[الروم: 20]، فالتراب هو أصلهم وأساسهم وإلى التراب مصيرهم ومنتهاهم، قال تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا}[نوح: 17، 18]، وجعل القرآن التراب صالحا للتيمم وبديلاً عن الماء عند فقدانه وإرادة الطهارة، فقال تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}[المائدة: 6] فوصف القرآن الكريم بأنه طيبا, والطيب هو ما وصفه به النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: “وجُعِلت لي الأرض مسجداً وطَهُوراً”.
فالتراب كالماء جاء وصفه في القرآن بأنه طَهور، فقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}[الفرقان: 48]، والفرق بين الماء الطَهُور والطَّاهر: أن الماء الطَهُور هو الطاهر في نفسه المُطَهِّر لغيره، وهو الباقي على أصل خلقته كمياه الأمطار والبحار أو الأنهار أو النابع من تحت الأرض أو الآبار، وهذا بخلاف الطاهر ككوب الشاي والخل والمنظفات السائلة فهي طاهرة في نفسها، لكن لا تصلح للطهارة في الوضوء والغسل.
والتراب مَا وُصِف بأنه طاهر فحسب ولكن وَصَفه النبي صلى الله عليه وسلم بالطَهُور، فهو طاهر في نفسه مُطَهِّر لغيره، فهو يصلح للتيمم إذا فُقِد الماء.
والتراب والرمال فيهما من الغبار والمواد القوية التي تنظف جسد الإنسان من البكتيريا وتطرد عن جوارحه الجراثيم التي لا يراها.
ثم إذا نظرنا إلى الحكمة الربانية في العواصف الرملية والترابية فكما يقول علماء البيئة أنه في تغيير فصول السنة من فصل الشتاء إلى فصل الصيف توجد في الهواء جراثيم وبكتيريا لا يراها الإنسان وهي كفيلة بأن تهلك الإنسان وأن تدمر صحته وأن تنشر الأمراض والأوبئة فيبعث الله عز وجل هذه العواصف الترابية وما فيها من الغبار الطيب الطاهر في نفسه المطهر للهواء والمنقي للجو لتطهير الهواء والجو مما علق به من أشياء مضرة للإنسان، كما تساعد العواصف على التخلص من الغازات السامة الناتجة عن المصانع الكبرى وعوادم السفن السيارات التي تظل عالقة في الهواء، فتعمل العواصف على تجديد الهواء وتنقيته.
وتفيد العاصفة الترابية في قتل الحشرات الضارة، الموجودة في الجو والتي تؤذي المحاصيل الزراعية.
فالرياح والعواصف ليست شراً محضاً بل فيها خير وشر؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح يقول: “اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به”.
فالرياح والعواصف تأتي وتسير وفق علم الله وقدرته وحكمته