أم المؤمنين خديجة بيننا وبين المخالف

بقلم الشيخ : محمد رجب أبو تليح الأزهرى الشاذلي 

الفكر الخارجي الذي تحمله عقول بعض من نشأ على قاعدة الطعن في عاقبة وخواتيم المؤمنين لا يراعوا إلى ما هو فيه من خطر عظيم حين يصدر أحكامه على الأحياء منهم بالطعن والتشكيك في نواياهم أو بتسفيه فكرهم واعتقادهم واحتقار طاعاتهم وأعمالهم ليس إلا لمجرد المخالفة له في الرأي والمذهب .

بل إن كل هذا يذوب ويتلاشى إذا كان موجها إلى من يوافقه الفكر والاعتقاد فتجد ألسنتهم منطلقة بالمدح والثناء والتمجيد . 

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ازداد خطورة حينما يوجهون طعنهم فيمن قضى نحبه وهم في جوار ربهم  فتجدهم يطلقون ألسنتهم بحجج واهية في أعراض الموتى من الصالحين بحجة أنه لا ندري عاقبة أمرهم وخواتيم أعمالهم .

وهذا وربي سبيل غير صحيح لأننا أمرنا أن نصدق بوعد ربنا لعباده الصالحين قال جل شأنه : ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ (الكهف: 30) وقوله سبحانه: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ (هود: 115)

وأذكر أنه لاقيت أحدهم ممن يزعمون بل يتوهمون أنهم على السنة وهم في الحقيقة ينطبق عليهم وصف رسول الله ﷺ : (( سفهاء اﻷحلام )) ، وهو ممن يظهر الابتسامة واللين المصطنع باسم الدعوة باللين وادعاء كونهم أنهم أهل الحق غير أنهم مهما تخفوا يفضحهم قولهم وبيانهم كما قال الله تعالى : { وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} (محمد : 30)

وكان ذلك حينما كنا ذات مرة في مكة المكرمة شرفها الله فقلت لمجموعة المعتمرين الذين كانوا في صحبتي: إننا سنختم المزارات بزيارة أمنا خديجة عليها السلام واعلموا أن قبرها روضة من رياض الجنة. وكان النبي ﷺ يزورها كلما زار مكة .

 وفيما يبدو أن هذا المعترض لم يقبل هذا القول وكأنه صار غصة في قلبه وحلقه أو حبل التف على رقبته ليخنقه !

فإذا به يوجه إلي عدة أسئلة منها : إنك قلت : إن قبر خديجة – هكذا بدون إقران لقب باسمها ولا التأدب معها – روضة من رياض الجنة وهذا لم يثبت وليس عليه دليل ؟! .

فأجبته : وما المنكر في هذا ؟ أليست سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة فهي أم المؤمنين ؟! ألم يثبت بدليل صحيح أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي ﷺ وقال له : أقرئ خديجة من الله السلام ومني . وقل لها: ( إن الله يبشرك بقصر في الجنة من قصب – من جواهر – لا صخب – أي إزعاج -فيه ولا نصب – أي تعب – ؟! .

أليس هذا القصر من منازل الجنة ومنازل الجنة من رياض الجنة ؟! . أم أنك لا تفهم عبارة الحديث ؟!

ألم يعلمنا النبي ﷺ الدعاء للميت ومنه : ( اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة؛ ولا تجعل قبره حفرة من حفر النار )؟! . وهي – عليها السلام والرضوان – أولى بهذا الدعاء من غيرها من عامة المؤمنين وخاصتهم ؟! أليست هي الأولى بالقبول في هذا الدعاء عند الله عز وجل وهي من هي كمالا وإيمانا وسبقا في الإسلام وعونا للنبي ﷺ ؟!

فقد كانت أسبق الناس إيمانا بالنبي ﷺ على اﻹطلاق قبل بعثته لما عرفته منه ومن أحواله السنية الزكية؛ وكذلك بعد بعثته ونزول الوحي عليه فكانت أول من آمن به من العالمين ؟! .

فقال : لكنه لم تثبت لها أفضلية على غيرها من المؤمنين ؟

فقلت : سبحان ربي ما هذا إلا بهتان عظيم . كيف لم تثبت لها أفضلية على غيرها من المؤمنين وهي أول من صدق وآمن على اﻹطلاق؛ وإن كان قول الله تعالى : ﴿ والذي جاء بالصدق وصدق به ﴾ (الزمر : ٣٣) . يصدق على أبي بكر رضي الله عنه فإنه كذلك إن كان يصدق على أحد فهي أولى من يصدق عليه هذا؛ وأولى الناس به . وكيف لا؟ وهي أول العالمين إيمانا وتصديقا به ﷺ ؟!

بل وكيف تقبل بهذا الاعتقاد بعد قول النبي ﷺ فيها رضي الله عنها : ( كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلّا أربع : آسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد) .

وكيف تزعم أنها لم يثبت في تفضيلها شيء وهي أفضل أمهات المؤمنين لشهادة النبي ﷺ لها ؟! عَنْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِﷺ لا يَكَادُ يَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ حَتَّى يَذْكُرُ خَدِيجَةَ ، فَيُحْسِنُ عَلَيْهَا الثَّنَاءَ ، فَذَكَرَهَا يَوْمًا مِنَ الأَيَّامِ ، فَأَدْرَكَتْنِي الْغَيْرَةُ فَقُلْتُ : هَلْ كَانَتْ إِلا عَجُوزًا ، فَقَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا ، فَغَضِبَ حَتَّى اهْتَزَّ مُقَدَّمُ شَعْرِهِ مِنَ الْغَضَبِ ، ثُمَّ قَالَ : ( لا وَاللَّهِ مَا أَخْلَفَ اللَّهُ لِي خَيْرًا مِنْهَا ، وَقَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِيَ النَّاسُ ، وَصَدَّقَتْنِي وَكَذَّبَنِي النَّاسُ ، وَوَاسَتْنِي مِنْ مَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الأَوْلادَ مِنْهَا ، إِذْ حَرَمَنِي أَوْلادَ النِّسَاءِ ) ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : فَقُلْتُ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي : لا أَذْكُرُهَا بِسَيِّئَةٍ أَبَدًا .

سبحان الله كيف هؤلاء يعقلون أم أنهم لا يفهمون أم أنهم عميت بصيرتهم أم طمست عقولهم ؟! .بل إنهم لا يفقهون حديثا بل ألا يدركون تعظيم الله تعالى لها وقد تجلى ذلك في إرسال السلام إليهاولم يكن ذلك لغيرها؟!

وكان هذا هو الأصل في تخصيص تحيتها بقولنا : عليها السلام. 

فسلام عليك أمنا خديجة ورحمة الله وبركاته أبد اﻵبدين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *