وما ينطق عن الهوى
28 أبريل، 2025
قبس من أنوار النبوة

بقلم فضيلة الشيخ : مصطفى القاضى
بِسمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحِيم..
إِنَّ مِنَ المُقَرَّرِ شَرعًا أَنَّ الوَحيَ قِسمَان: مَتلُوٌّ وَهُوَ القُرآنُ الكَرِيم، وَغَيرُ مَتلُوٍّ وَهُوَ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّة الشَّرِيفَة، قَالَ الله تَعَالَى:{ وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِم}، وَقَالَ تَعَالَى:{ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيّ}..
فَمَن أَنكَرَ كَونَ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَة وَحيًا فَقَد خَالَفَ النُّصُوصَ الشَّرعِيَّةَ الصَّرِيحَة..
وَفِي الحَدِيثِ عَنْ يَعلَى بنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ الله تَعَالَى مُحَمَّد عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام وَعَلَيهِ جُبَّةُ صُوفٍ وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَقَال:” يَا رَسُولَ الله، كَيفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحرَمَ بِعُمرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعدَ مَا تَضَمَّخَ بِطِيب ؟!”، فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً فَجَاءَهُ الوَحيُ ثُمَّ سُرِّيَ عَنهُ فَقَال:” أَينَ الَّذِي سَأَلَنِي عَنِ العُمرَةِ آنِفًا ؟!”، فَالتُمِسَ الرَّجُلُ فَجِيءَ بِه، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّم:” أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ فَاغسِلهُ ثَلَاثَ مَرَّات، وَأَمَّا الجُبَّةُ فَانزَعهَا، ثُمَّ اصنَع فِي عُمرَتِكَ مَا تَصنَعُ فِي حَجِّك “..
قَالَ سَيِّدِي الإِمَامُ الزَّركَشِيُّ رَضِيَ الله تَعَالَى عَنه:” وَهُوَ دَلِيلٌ قَطعِيُّ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ كَانَت تَنزِلُ كَمَا يَنزِلُ القُرآن “..
قَالَ حَسَّانُ بنُ عَطِيَّة:” كَانَ جِبرِيلُ يَنزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّم بِالسُّنَّةِ كَمَا يَنزِلُ عَلَيهِ بِالقُرآن “..
وَالسُّنَّةُ مِنهَا مَا كَانَ مِنْ فِعلِ سَيِّدِنَا رَسُولِ الله تَعَالَى مُحَمَّد عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ دُونَ وَحي، وَلَا تَعَارُضَ بَينَ كَونِهَا وَحيًا أَو لَا، لِأَنَّ فِعلَهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَشرِيعٌ لَنَا..
وَقَد قَيَّضَ الله تَعَالَى لِسُنَّةِ رَسُولِهِ الكَرِيمِ سَيِّدِنَا مُحَمَّد عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام عُلَمَاءَ مُخلِصِينَ لِلدِّين، كَانُوا يَخَافُونَ مِنْ ضَيَاعِ شَيءٍ مِنْ أَحَادِيثِ حَبِيبِهِم وَنَبِيِّهِم وَإِمَامِهِم سَيِّدِنَا رَسُولِ الله تَعَالَى مُحَمَّد عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام، وَيَخَافُونَ مِنْ نِسبَةِ مَا لَم يَصدُر عَنهُ إِلَيهِ صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيهِ وَسَلَّم، فَعَمِلُوا عَلَى تَمحِيصِ الأَحَادِيث، فَأَعَانَهُمُ الله تَعَالَى عَلَى ذَلِكَ فَبَيَّنُوا صَحِيحَهَا مِنْ ضَعِيفِهَا، وَمَشهُورَهَا مِنْ غَرِيبِهَا، وَحَسَنَهَا مِنْ مَوضُوعِهَا، وَصَنَّفُوا فِي بَيَانِ الأَحَادِيثِ المَوضُوعَةِ وَالحَذَرِ مِنهَا..
فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ لِكُلِّ ذِي عَقلٍ أَنَّ السُّنَّةَ مَشمُولَةٌ بِوَعدِ الله تَعَالَى بِالحِفظ، حَيثُ قَالَ تَعَالَى:{ إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون}، وَأَنَّ مَنْ يَطعَن فِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّة الشَّرِيفَة وَثُبُوتِهَا إِنَّمَا يَطعَنُ فِي حِفظِ الله تَعَالَى لَهَا..
فَلَا يَخدَعَنَّكَ تَلبِيسُ أَهلِ الغَيِّ وَالضَّلَال، الَّذِينَ يُنكِرُونَ السُّنَّةَ وَحُجِّيَّتَهَا بِدَعَاوٍ كَاسِدَة، وَآرَاءٍ فَاسِدَة..
وَالله تَعَالَى أَعلَم..