سورة الحجرات وسلاح الشائعات: عندما يواجه القرآن الحرب النفسية
25 أبريل، 2025
منبر الدعاة

بقلم فضيلة الشيخ: رمضان الخواص
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
المقدمة:
في زمن كثرت فيه الشائعات، وانتشر فيه الكذب باسم الأخبار، وتحوّل “الخبر الكاذب” إلى أداة لتشويه الحقائق وتدمير المجتمعات، تبرز سورة الحجرات كمنهج رباني يُعلِّم الأمة كيف تواجه هذه الحرب الناعمة، بل القاتلة. لم يترك الإسلام خطر الشائعات دون علاج، بل واجهها بالحسم والحكمة، ورسم لنا في سورة الحجرات خريطة النجاة من هذا البلاء المدمر.
أولًا: ما هي الشائعة؟
الشائعة هي: “خبر أو معلومة تنتشر بين الناس دون التأكد من صحتها، وغالبًا ما تحمل جانبًا سلبيًا يثير القلق أو الفتنة أو التشويش.”
وقد تكون الشائعة في السياسة، أو الدين، أو الأخلاق، أو حتى في العلاقات الشخصية. وتكمن خطورتها في أنها تنتشر بسرعة، وتؤثر في عقول الناس، وتغيّر اتجاهاتهم دون أدلة أو براهين.
ثانيًا: خطر الشائعات على الفرد والمجتمع
1. على الفرد:
تزرع القلق، وتُفقد الثقة، وتدمر السمعة، وتوقع في الإثم إن شارك في نشرها.
2. على المجتمع:
– تزرع الفتنة والفرقة.
– تضعف الروابط الاجتماعية.
– تُمهد لجرائم معنوية وأحيانًا مادية.
– قد تؤدي إلى انهيار الثقة في القيادات والمؤسسات.
وقد قيل: “الشائعة أسرع من الرصاصة، وأعمق من الطعنة.”
ثالثًا: موقف الإسلام من الشائعات في سورة الحجرات
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].
هذه الآية من أقوى القواعد في مقاومة الشائعات:
“إن جاءكم فاسق”: لأن الشائعة غالبًا ما تأتي من شخص غير موثوق.
“فتبينوا”: أي لا تنقل قبل أن تتحقق، التبيُّن هو الفحص والتمحيص.
“أن تصيبوا قومًا بجهالة”: خطر الشائعة أنها توقع ظلمًا.
“فتصبحوا على ما فعلتم نادمين”: لأن أثرها لا يُمحى بسهولة.
رابعًا: قواعد قرآنية لمواجهة الشائعات من سورة الحجرات
1. التحقق قبل النشر
لا تكن وسيلة في نشر الكذب. النبي صلى الله عليه وسلم قال:
“كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع.” [رواه مسلم]
2. الإصلاح لا الإثارة
الآيات التي تلي الآية 6 تتحدث عن الإصلاح بين المتخاصمين، وهذا يعلّمنا أن الهدف من نشر المعلومة ليس التهييج، بل الإصلاح.
3. احترام الأعراض
في نفس السورة، نهى الله عن الغيبة واللمز والتجسس، وكلها من وسائل نشر الشائعات بطريقة خبيثة.
خامسًا: خطوات عملية من وحي السورة لمواجهة الشائعات
لا تُعدّ الشائعة خبراً إلا بعد التثبت.
لا تكن مشاركًا في النشر، حتى وإن كنت تنقل فقط.
اسأل نفسك: هل نشر هذه المعلومة يحقق خيرًا؟ أم يزرع الفتنة؟
التزم بقول الله: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}
تذكير بأن الله مطلع على من يقول، وينقل، ويؤذي.
الخاتمة:
سورة الحجرات ليست فقط سورة آداب، بل هي أيضاً سور الوقاية المجتمعية، والتحصين الإيماني، ومواجهة الشائعات بكل حسم. إنها تبني في المسلم شخصية متزنة لا تنخدع، ولا تخدع. فليكن شعارنا في زمن الفتن: “فتبينوا…”