تاريخ ومعالم البيت الحرام ٣

بقلم الشيخ : أحمد عزت

في عهد الخلفاء الراشدين
وقد كان المسجد على عهد رسول الله ﷺ بلا جدار يحيط به ولا باب يغلق عليه وبقي المسجد على حاله في خلافة أبي بكر الصديق، وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب وتحديدًا سنة ١٧هـ بدأت أعمال التوسعة الأولى للمسجد الحرام، بعدما أفسد سيل أم نهشل مباني المسجد الحرام، فقد انحدر السيل من جانب المسعى وأحدث تلفًا عظيمًا في المباني، ولضيق المسجد بالمصلين رغب عمر رضي الله عنه بتوسعة المسجد، فاشترى الدور الملاصقة للمسجد الحرام وضمها له، وأقام جدارًا حوله، وجعل له أبوابًا، ووضع عليه مصابيح كي تضيء بعد سدول الظلام، وعمل سدًا لحجز ماء السيول عن الكعبة وتحويلها إلى وادي إبراهيم المجاور، وتعتبر أعمال عمر بن الخطاب، هي أول توسعة للمسجد الحرام في العصر الإسلامي.

واستمر المسجد الحرام على هذا الوضع إلى سنة ٢٦هـ أي في عهد الخليفة عثمان بن عفان، حيث بدأت أعمال التوسعة الثانية للمسجد الحرام، وكانت بعد التوسعة الأولى بحوالي عشر سنوات، وذلك عندما رأى الخليفة عثمان بن عفان ازدياد السكان بمكة، وازدياد ضيوف الرحمن؛ لانتشار الإسلام السريع، فقرر توسعة المسجد الحرام، وبدأت أعمال التوسعة في سنة ٢٦هـ، وذلك عن طريق شراء الدور الملاصقة للمسجد وضم أرضها، ومع هذه التوسعة جدد المسجد تجديداً شاملاً وجعل في المسجد أعمدة من الرخام، وأدخل الأروقة المسقوفة، فكان أول من اتخذ الأروقة وبذلك نُسب إليه الرواق العثماني.

في عهد عبد الله بن الزبير
أما التوسعة الثالثة فكانت إبان حكم عبد الله بن الزبير، وقد أعاد بناء الكعبة بعدما أصابها من الحريق الذي شب في الكعبة أثناء حصار يزيد لمكة في نزاعه مع عبد الله بن الزبير، وسبب الحصار هو أن عبد الله بن الزبير رفض مبايعة يزيد بن معاوية وثار الزبيريون معه في المدينة فأرسل يزيد جيشًا إلى المدينة بقيادة مسلم بن عقبة، ودخلها ثم اتجه إلى مكة ولكنه توفي قبل أن يصل إليها، فخلفه في قيادة الجيش الحصين بن النمير الذي حاصر مكة لفترة، وبالفعل استطاع الحصين أن يسيطر على جبل أبي قبيس وجبل قعيقعان، ثم أخذ يرمي ابن الزبير وأتباعه الذين كانوا متحصنين داخل المسجد بالمنجنيق فأصيب المسجد،
ولم يكتف الحصين بذلك بل رمى المسجد بالنار فاحترقت الكعبة، وضعف بنائها، ولكن الحصين عاد إلى الشام بعد أن توفي يزيد، وكان أمام عبد الله بن الزبير أمران: إما أن يرمم الكعبة أو أن يهدمها ثم يعيد بنائها، فقرر هدم الكعبة وأعاد بنائها على قواعد سيدنا إبراهيم، وكان ارتفاعها سبعة وعشرين ذراعًا وعرض جدرانها ذراعين كما جعل لها بابين (شرقي للدخول وغربي للخروج)، كما قام ابن الزبير بتوسعة المسجد الحرام، وقد تمت هذه التوسعة في السنة الخامسة والستين للهجرة وضاعفت من مساحة المسجد وبلغت مساحته عشرة آلاف متر مربع

وكان أهم سبب لبناء ابن الزُبير الكعبة قول رسول الله ﷺ: (لولا حدثان قومك بكفر لنقضت الكعبة ولأُدِخلت فيها الحجر، فإن قومك قصرت بهم النفقة، ولجعلت لها بابا شرقيا وبابا غربيا، يدخل الناس من أحدهما ويخرجون من الآخر، ولألصقت بابها بالأرض، فإن قومك رفعوا بابها ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا).
فبناها ابن الزُبير رضي الله عنه كما أرادها الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام.

فقد مال جدار الكعبة مما رُميت به من حجارة المنجنيق، فهدم ابن الزُبير الجدران حتى وصل إلى أساس إبراهيم، وكان الناس يطَّوَفون ويُصلون من وراء ذلك، وجعل الحجر الأسود في تابوت في سرقة من حرير، وادخر ما كان في الكعبة من حُلي وثياب وطيب عند الخزان، حتى أعاد ابن الزبير بناءها على ما كان رسول الله ﷺ يريد أن يبنيها عليه من حيث الشكل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *