بقلم فضيلة الشيخ : أحمد عزت حسن
الباحث فى الشريعة الإسلامية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها الإخوة الكرام؛
بمناسبة هذه الأيام المباركة -موسم الحج- اقترح بعض الأصدقاء أن نتحدث عن تاريخ البيت الحرام منذ بنائه حتى يومنا هذا
وهذا -والله- تشريف لنا نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يوفقنا على حسن العرض.
يبدأ تاريخ المسجد الحرام بتاريخ بناء الكعبة المشرفة، وقد بناها أول مرة الملائكة قبل آدم عليه السلام، وكانت من ياقوتة حمراء، ثم رفع ذلك البناء إلى السماء أيام الطوفان، وبعد الطوفان قام سيدنا إبراهيم مع ابنه إسماعيل عليهما السلام، بإعادة بناء الكعبة، بعد أن أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام بمكان البيت، قال تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ (الحج: ٢٦).
وهـكذا أمر الله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام ببناء البيت الحرام.
وقد ذكر القرآن الكريم بناء سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام للكعبة وتطهير المساحة المحيطة به، ولقد جاءه (أي إبراهيم عليه السلام) جبريل عليه السلام بالحجر الأسود، ولم يكن في بادئ الأمر أسود بل كان أَبْيَضَا يتلألأ من شدة البياض وذلك لقول الرسول ﷺ «الحجر الأسود من الجنة وكان أشد بياضا من الثلج حتى سودته خطايا أهل الشرك».
ولقد تم بناء الكعبة المُشرَّفة عدة مرات وقد اختُلِف في عدد مرات بنائها، ومن مجموع ما قيل في ذلك: أنها بُنيت حوالي عشر مرات، منها بناء الملائكة عليهم السلام، ومنها بناء آدم عليه السلام، ومنها بناء أولاده ومنها بناء العمالقة، ومنها بناء جرهم، ومنها بناء قُصَي، ومنها بناء قريش، ومنها بناء الخليل إبراهيم عليه السلام، ومنها بناء عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي رضي الله عنهما، ومنها بناء الحجاج بن يُوسُف الثقفي وهذا هو البناء الموجود حتى يومنا هذا.
وهناك بعض الأقاويل التي تدور حول بناء الكعبة حوالي إحدى عشر مرات أو أكثر.
وقد اختلفت آراء العلماء في أول من بَنى الكعبة المُشرَّفة، رأى البعض منهم أنَّ آدم عليهِ السلام هو أول من بنى الكعبة بمعونة الملائكة الكرام، ومنهم من قال أنَّ شيث ابن آدم هو أول من بناها.
لكن ذهب رأي أغلبية العلماء إلى أنَّ بناء الملائكة هو أول بناء للكعبة المُشرَّفة على الأرض، أي قبل آدم عليه السلام، استنادًا لما وُرد عن بعض الصحابة، أن الملائكة هم أول من بنوا الكعبة.
فيرى العلماء أن تاريخ بِناء الكعبة المُشرَّفة يرجع لزمن قبل آدم عليه السلام، ثم عاد عليهِ السلام وبناها هو ومن بعده ابنه شيث بناها مرةً أُخرى. وقد وُرِد عن علي بن الحسين أنَّ الله تعالى وضع تحت عرشه بيتًا، ويُقال أنّهُ البيت المعمور، فأمر الملائكة أن يطوفوا بهِ، ثم أمر الملائكة الذين هم سكان الأرض أن يبنوا في الأرض بيتًا مثله، فبنوه الملائكة واسمه الضَّرَّاح، وأمر من في الأرض أن يطوفوا به كما يطوف أهل السماء بالبيت المعمور.
ورُوي أيضاً أنَّ الملائكة بنوه قبل خلق آدم بألفي عام، فكانوا يحجُّون إليه، فلما حجَّه آدم قالت له الملائكة: بِرّ حجك يا آدم، حججنا هذا البيت قبلك بألفيّْ عام.
بناء سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل للكعبة
بناء إبراهيم عليهِ السلام وإسماعيل عليهِ السلام للكعبة المُشرَّفة
ورد بناء سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل عليهما السلام للكعبة في القرآن والسُنَّة، ذكر القرآن ذلك مختصرًا في رفعِهما لقواعد البيت إذ بيَّن ذلك أنَّها قد بُنيت ووُضِعت قبلهم في الأرض، قال تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
وأهدى الله تعالى إبراهيم عليه السلام إلى مكان الكعبة المُشرَّفة، وأمره ببنائها، فبناها، ودعا فقال: (رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا).
وجاء في السُنَّة أنَّ سيدنا إبراهيم عليهِ السلام عندما أخبر ابنهُ إسماعيل عليهِ السلام بأمر الله تعالى إليهِ ببنائها، وافق إسماعيل أباه امتثالاً وطاعة لأمر ربه، فقال إبراهيم لابنه: (أوَ تُعينني، قال: وأُعينك، قال إبراهيم: إنَّ الله أمرني أن أبني ها هنا بيتًا له) – مُشيرًا إلى تلَّة البيت المرتفعة على ما حولها.
وقد بنى إبراهيم الكعبة من الحجارة وكانت الملائكة تأتي بالحجارة إليه من الجبال، فكان هو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة، فبناها على أساس بناء الملائكة وآدم الذي يسبقه، ومن ثم أحضر حجر لونه أسود أنزلهُ جبريل عليهِ السلام من الجنة لإتمام البناء.
وقاما بإتمام البناء وهم يُرددان (ربنا تقبَّل منَّا إنك أنت سميع الدعاء)، وقاما عليهما السلام بالبناء على أتم وجه وجعلا البيت العتيق مُهيأ لاستقبال الطائفين به والعاكفين فيه من المسلمين والمؤدين للصلاة بهِ.
وقد جعل إبراهيم عليه السلام للكعبة رُكنين فقط، الرُكن الأسود والرُكن اليماني ولم يجعل لها أركانًا من جهة الحِجر بل جعلها مدورة على هيئة نصف دائرة كجدار الحِجر، وجعل الباب لاصقًا بالأرض وغير مُبَوبْ، وجعل ارتفاعها يصل من الأرض إلى السماء وهو ما يعادل تسع أذرع، وجعل إبراهيم عرض جدار وجهها اثنين وثلاثين ذراعًا، وعرض الجدار المقابل واحدًا وثلاثين ذراعًا، وعرض الجدار الذي فيه الميزاب اثنين وعشرين ذراعًا، وعرض الجدار المقابل له عشرين ذراعًا.
وهكذا بنى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام الكعبة المشرفة على أساسها القديم وطهراها من الأنجاس، وأذن إبراهيم عليه السلام في الناس بالحجّ، وبقيت الكعبة بيت الله الحرام الذي كان وما زال حرمًا آمنًا إلى قيام الساعة بوعدٍ من الله عز وجل.
ومنذ أن بنى الخليل عليه السلام الكعبة المشرفة، ونادى في الخلق بالحج إليها، وهي محل تعظيم وإجلال واهتمام، وقد اعتنى بها سكان مكة بل وغير سكانها فكسوا الكعبة ورمموا بناءها، ولما جاء الإسلام زادها الله تعظيمًا وتشريفًا، ولم تتح الفرصة للمسلمين لأداء الصلاة في المسجد الحرام قبل الهجرة إلا نادرًا، وفي حالات خاصة سواء قبل الهجرة أو بعدها، فقد كانت قريش تمنعهم من الصلاة فيه عمومًا، وكانت الكعبة بصفة خاصة والمسجد الحرام عمومًا بيد قبيلة قريش.
ويجب أن نشير أيضًا أن قصي بن كلاب وهو أحد أجداد الرسول ﷺ أول من سَقْف الكعبة، حيث قام بسقفها بخشب الدوم وجريد النخيل، وذلك قبل بناء قريش للكعبة بزمن طويل.
يتبع