سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا

بقلم الدكتور : عثمان عبدالحميد الباز

سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا

من هم الذين قالوا هذا الكلام ؟ أتوافقهم عليه؟ أين تصديق ذلك من فعلك وقولك وسيرك في دربك ؟
لقد قالوا سبحانك فهل قلت؟ وعملوا بمقتضاها فهل عملت ؟
يا أنا ويا أنت متى قدرنا الله حق قدره ؟ ومتى حدث ذلك وضيعنا الله في المهالك؟متى اعتمدت عليه
وخبت ؟متى توكلت عليه وتركك؟

سبحانك كلمة قالتها الملائكة لتعلمنا شيئا مهما أولا وهو ألا نغوص في بحر الجهل والظلام عند عدم بيان الأمر بين أيدينا فكم من مصائب وبلايا حدثت جراء هذا الجهل

ومقولة من قال لا أدري فقد أفتي هذه مقولة من مقولات الحكماء , وليست حديثا نبوياً , والمقصود بها أنه لا يجوز للمسلم أن يقول في دين الله ما لا علم له به , وليس خبيرا , وفقيها فيه وغير محيط بأحكامه وفي هذا قال على رضي الله عنه: ولا يستحي من يعلم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول «الله أعلم»

وقال الإمام مالك من فقه العالم أن يقول لا أعلم .

وقد ذكرالإمام ابن الجوزي في كتابه (صيد الخاطر) في فصل «من قال لا أدري فقد أفتى»، أنّ مالك بن أنس روى أنّ رجلاً سأله عن مسألة فقال «لا أدري» فقال سافرت البلدان إليك، فقال: إرجع إلى بلدك وقل: سألت مالكاً فقال «لا أدري» وكان علماء الصدر الأول يفصحون عمّا لا يعلمون باعتداد ودون حرج، حتي لا يقولوا على الله ورسوله ما لا يعلمون.

فمتى قلتَ وقلتُ معك لا ندري؟

خفنا من كلام الناس ؟

بم سينفعونا وبأي شيئ يضرونا النفع والضرب بيد من بيده الأمر.

خفت على مكانتك ؟

أأنت أعلى مكانة أم أحد المكثرين من الرواية ؟أنس بن مالك ؟

منعنا الجهل والكبر وعدم الورع .
عرض الله على الملائكة أسماء الأشياء وسألهم ماهذه الأشياء ؟
صدر الجواب دون دوران وإطناب لا علم لنا .
أتقولها الملائكة ونستنكف نحن عن قولها؟

بئس مَن هذا فكره !!!
واسمتع إلى مفهوم سيدنا عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في هذا الأمر .

روى ابن عبد البر في ” جامع بيان العِلْم ” مِن طريق عقبة بن مسلم قال : صَحِبْت ابن عمر أربعة وثلاثين شهرا ، فكان كثيرا ما يُسأل ، فيقول : ” لا أدري ” ، ثم يَلْتَفت إليّ ، فيقول : أتَدري ما يُريد هؤلاء ؟ يُرِيدُون أن يَجْعَلُوا ظهورنا جِسْرًا إلى جهنم !
هم يريدون فأنقذ نفسك أنت ،لا تتكلم فيما لا تعلم .
يُسأل سعيد بن جبير من سادات التابعين فيباشر الجواب لا أعلم حتى أسأل ابن عباس فما أجرأنا على النار؟؟؟!!!

قال سعيد بن جبير : سألني يهودي مِن أهل الْحِيرة : أي الأجلين قَضى موسى ؟ قلت : لا أدري حتى أقدم على حَبْر العَرب فأسأله ، فقدمت فسألت ابن عباس فقال : قضى أكثرهما وأطيبهما ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال فَعَل . رواه البخاري

يبعث أهل المغرب بمسألة مع رجل للإمام مالك فركب إليه ستة أشهر فلما وصله وعرضها عليه قال لا أدري ،فقال وماذا أقول لأهل المغرب وقد أرسلوني إليك مسيرة ستة أشهر ؟
قال قل لهم مالك لا يعلم.فقال له ومن يعلم ؟قال الذي علمه الله.
حرفيا طبق الأية ﴿لا علم لنا إلا ما علمتنا ﴾

طرفة تهب حكمة
يدخل العجل رأسه في الزير ليشرب فلا تخرج وهم يحتاجون الزير ،
استدعوا عالمَ زمانه عندهم أجهل الناس في العلم والرأي وهذه مصيبة أن يظن الناس فيك خلاف علمك بنفسك والمصيبة الأشد أن تجاريهم في ذلك، استدعوه ليحل هذا الموضوع الشائك بلا خسائر ، جاء راكبا جمله واقترب من باب المكان أينزل؟

لا قال لهم اهدموا البوابة ،
البوابة أم العجل ؟هدموها !!!!!
جاء عند المعضلة راس العجل في الزير وكاد يموت قال أعطوني سكينا فأعطوه فذبح العجل !خيبة عليك وعلى رأيك لم تخرج رأس العجل بعد,
ثم قال آتوني مطرقة ثم كسر الزير .هدم الباب وذبح العجل وكسر الزير هذا حال أكثرنا حين يُسأل فيقول فيما لا يعلم بما لا يدري .
أدركت الأن عظمة رد الملائكة قالوا سبحانك نسبوا الكمال والتنزيه المطلق والعلم اللا محدود واللا متناهي لله تعالى .
فمن نحن بجانب الملائكة؟

وانظر إلى تذييل كلامهم لربهم بالتأكيد والخطاب الموجه للذات العلية ﴿إنك﴾

ثم ساقوا ضمير الفصل ﴿أنت﴾ليفيد تمام الإختصاص فلا أحد معك ولا أحد سواك يعلم العلم المحكم .

وجاءوا بصيغة المبالغة في العلم والحكمةالمصدرة بالألف واللام لتكتمل الصورة صورة كمال العلم الإلاهي الممزوج بالحكمة المطلقة فقد يعلم الإنسان علما وينفذه بطريقة ما فيكون شرا ووبالا علم لكن لم يقدر العواقب بحكمة

حين اخترع نوبل الديناميت ألم يكن عالما؟

نعم ولكن العلم البشري الذي لا يدري وليست لديه الحكمة بعاقبة علمه
والأن كم من أرواح أُزهقت بالديناميت ؟
وكم من مصائب وكم من خسائر ؟

ولعلك علمت الأن لماذا مزج الملائكة بين العلم والحكمة في وصفهم للعلم الإلهي .

أعلمنا الآن سبب تزييل الآية بالعلم والحكمة لأن العلم فقط وبال ودمار وخرابٌ وخسار.

من كتاب خطاب القرآن بين البلاغة والبيان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *