الأخلاق وبناء الإنسان
17 نوفمبر، 2024
بناء الأسرة والمجتمع
بقلم الأستاذ/ عمر عبد العاطى السلامونى
الأخلاق هي الشجرة الوارفة التي تغمر أرواحنا بظلالها، هي ذلك العطر الخفي الذي يظل في الهواء حتى بعد مرورنا..
إنها الوعد الأبدي الذي نمنحه لأنفسنا وللعالم، أن نكون أكثر من مجرد كائنات عابرة في حياة الآخرين، أن نترك أثراً نقيّاً لا يمحوه الزمن.
الأخلاق ليست قناعًا نرتديه في المناسبات، بل هي ضوء ينبعث من أعماقنا، يظهر في ملامحنا، في خطواتنا، في الكلمة التي نقولها دون حساب، في الجُملة التي نرفض أن نقولها كي لا نؤذي غيرنا..
هي الجسر الرفيع الذي نمشي عليه نحو أنفسنا ونحو الآخر، هي التوازن الدقيق الذي يمنعنا من السقوط في هاوية الأنانية والتسلّق على قلوب من حولنا.
أن تكون أخلاقيًا، يعني أن تعرف قيمة الصمت حين يكون الصمت حكمة، وقيمة الكلمة حين تكون الكلمة شفاء.. أن تملك الشجاعة للوقوف إلى جانب الحق حتى لو كنت وحدك، وأن تملك العطف كي لا تجعل أحدهم يشعر أنه وحيد في هذا العالم القاسي..
الأخلاق هي الترجمة الحيّة للكرامة، هي قدرتك على أن تعيش نقيًّا رغم كل ما يسعى لانتزاع نقائك.
في زمنٍ باتت فيه الأخلاق عملة نادرة، يصبح للإنسان الأخلاقي حضور يشبه حضور الماء في الصحراء..
إنه يشرب الناس من نهر قلبه، يغسل أرواحهم من تعب الأيام، يرطب جفاف أرواحهم.. هو الإنسان الذي يصنع السلام حتى دون أن يتكلم، الذي يبعث الحياة في القلوب المتعبة لمجرد مروره، الذي يشعر الجميع أنه ينتمي لأرواحهم، دون أن يدّعي ملكيتهم.
الأخلاق ليست وصيّة باردة نتلقاها في الكتب، ولا هي شعار نردده أمام الآخرين، إنها طريقة حياة.. الأخلاق هي أن تعيش بلا عتاب، بلا شتائم مكتومة، بلا قسوة معلقة على حافة كلامك. الأخلاق هي أن تمشي في الحياة خفيفًا، لا تحمل في حقيبتك سوى كرامتك ونواياك الطيبة، أن تزرع في كل خطوة لك زهرة لا تنبت سوى الخير.