خطبة الجمعة القادمة ( بداية جديدة وأمل جديد ) للشيخ ياسر عبدالبديع

خطبة الجمعة القادمة ( بداية جديدة وأمل جديد )
للشيخ :  ياسر عبدالبديع

بتاريخ 2 محرم 1447 هجرية – 27 من يونيو 2025 م

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمَلْءَ مَابَيْنَهُمَا وَمُلْءَ مَاشِئْتَ يَارِبُ مِنْ شَئٍّ بَعْدَ أَهْلِ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَاقَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ اللَّهُمَّ لَامُعْطَى لِمَا مَنَعْتَ وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ وَنَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ

سَبْحَانُكَ اللَّهُمَّ خَيْرَ مُعَلِّمٍ عَلَّمْتَ بِالْقَلَمِ الْقُرُونَ الْأُولَى أَخْرَجْتَ هَذَا الْعَقْلَ مِنْ ظُلُمَاتِهِ وَهَدَيَتَهُ النُّورَ الْمُبِينَ سَبِيلًا وَأَرْسَلْتَ بِالتَّوْرَاةِ مُوسَى مُرْشِدًا وَابْنَ الْبَتُولِ فَعَلَّمَ الْإِنْجِيلَا وَفَجَرَتْ يَنْبُوعَ الْبَيَانِ مُحَمَّدًا فَسَقَى الْحَدِيثَ وَنَاوَلَ التَّنْزِيلَا

وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا وَحَبِيبَنَا وَمُصْطَفَانَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيًّا وَرَسُولًا أُوصِيكُمْ وَنَفْسَى بِتَقْوَى اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُو اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحُ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرُ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا أُحَدِّثُكُمْ الْيَوْمَ عَنْ مَوْضُوعٍ تَحْتَ عُنْوَانِ
بداية جديدة وأمل جديد

العُنْصُرُ الْأَوَّل : بَثّ رَوْح الْأَمَلِ فِي النُّفُوسِ

الْأَمَل بِاَللَّه عِنْوَان النُّفُوسُ السَّوِيَّةُ الْمُؤْمِنَة؛ فَبَعْدَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ تُشْرِق فِي صَبِيحَةِ الْيَوْمِ التَّالِي، وَبَعْدَ أَنْ يَبْدَأَ الْقَمَر هِلَالًا يَصِير بَدْرًا، وَبَعْدَ أَنْ يَجْزُر الْبَحْر يَمُدّ، وَبَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ طِفْلًا يُكَبِّر لِيَكُون عَالِم الْغَد، وَحِينَمَا يُذْنِب الْعَبْدِ فَهُنَاكَ بَابَ التَّوْبَةِ مَفْتُوحٌ عَلَى مِصْرَاعَيْهِ، وَرَبّ يُنَادِي عُبَادَة: ﴿ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ ﴾ [الزُّمَر: 54]، وَبَعْدَ أَنْ تَتَجَرع الْأُمِّ لَأْوَاء الْحَمْل يَأْتِي يَوْمَ الْوِلَادَةِ لَتَضَع وَلِيدَهَا، وَحِين يَأْتِي الْخَرِيف وَيَذْبُل بِهَاء الْأَشْجَار يَأْتِي الرَّبِيع لِيَكْسُو ذَلِك الْحُطَام بِالْخَضِرَة وَالنَّضَارَة فَيُفِيح عَبِير النَّدَى، وَيُقَطَّرُ فِي سُكُونِ اللَّيْل بِالأَمَل، وَحِين تَشْتَدّ الظُّرُوف يَأْتِي الْفَرْجُ وَكَأَنَّهُ سَحَابَة مَحْمَلُه بِالْقُطْر تَهْطِلُ عَلَى تِلْكَ الْقُلُوب الْمَتَلَهُّفِه لِغَيْث الْأَمَلُ.

أنْ قُوَّة الثِّقَة بِالأَمَل وَالْمُؤَمَّل تَكُونُ مِنْ قُوَّةِ الْوَاعِد وَقُوَّة عِلْمِه وَإِدْرَاكُه؛ فَاَللَّه – جَلَّ جَلَالُهُ – وَعَدَ عِبَادَهُ بِالنَّصْر، وَأَمَّلهم بِالْخَيْرِ الْمُطْلَق، فَمِنْ هُنَا تَكْمُن قُوَّة الثِّقَة وَالْأَمَل بِالْوَعْدِ الصَّادِقِ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ بِشَارَات الْأَمَل الْكَثِير الْكَثِيرِ:

قَالَ تَعَالَی: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشَّرْح: 5، 6]، فَلَنْ يَغْلِبَ عُسْرٌ يُسْرَيْنِ، فَتِلْك الْايَات تُبَثّ فِي النَّفْسِ رُوحَ الْأَمَل، وَتَنْبض فِي قَلْبِ الْحَيَاةِ بِالتَّفَاؤُل، فَهِيَ مِنْ أَصْدَقِ الْقَائِلِينَ، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلًا جَلَّ فِي عَلَاه؟!

﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلا مَنْ عِنْدَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [ال عِمْرَانَ: 126].

﴿ أَنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبَّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فُصِّلَتْ: 30].

بِشَارَات اللَّه بِالأَمَل وَالطُّمَأْنِينَة، وَالْفَلَاح لِلْمُؤْمِنِين وَالْأَتْقِيَاء وَالْمُتَوَكِّلِين – لَا تَنْتَهِي وَلَا تَنْقَضِي، فَأَيْن الْقُلُوب النَّقِيَّة التَّقِيَّة الَّتِي تُؤْمَنُ بِهَا كَإِيمَانِهَا بِوُجُودِهَا، فَوَاللَّهِ لَوْ صَدَّقْنَا مَعَ اللَّهِ حَقَّ الصِّدْق بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالِاعْتِقَادِ لَرَأَيْنَا الْعَجَبِ.

وَمِنْ عِطْر السُّنَّة يَفُوح شَذَّا التَّفَاؤُل وَالْأَمَل:

عَنْ أَنَسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ (‏(‏لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ‏))‏‏، قَالُوا‏: وَمَا الْفَأْلُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ (‏(‏الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَة‏)‏).

الشَّرْحِ:
قَوْلُهُ‏:‏ ((وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ))؛ أَيْ‏:‏ يَسُرُّنِي، وَالْفَأْل بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ((‏الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ))،‏ فـ‏”‏الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ‏”‏ تُعْجِبُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لَمَّا فِيهَا مِنْ إدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى النَّفْسِ وَالِانْبِسَاط، وَالْمُضِيّ قَدِمَا لِمَا يَسْعَى إلَيْهِ الْإِنْسَانُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الطِّيَرَةِ، بَلْ هَذَا مِمَّا يُشَجِّعُ الْإِنْسَانِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ عَلَيْهِ، بَلْ تَزِيدُهُ طُمَأْنِينَة وَإِقْدَامًا وَإِقْبَالًا‏؛ بَلْ وَتَفَاؤُلًا وَامْلَأْ بِكُلِّ مَا هُوَ مَوْعُودٌ وَحَسُنَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالی.
شَوَاهِد:

يُرِيدُ الْمَرْءُ أَنْ يُعْطِيَ مُنَاهُ
وَيَأْبَى اللَّهُ إلَّا مَا أَرَادَا
يَقُولُ الْمَرْءُ فَائِدَتِي وَمَالِي
وَتَقْوَى اللَّهِ أَفْضَلُ مَا اسْتَفَادَا
••••

وَلِرَبّ نَازِلَة يَضِيق بِهَا الْفَتَى
ذَرْعًا وَعِنْدَ اللَّهِ مِنْهَا الْمُخْرَج
ضَاقَتْ فَلَمَّا اسْتَحْكَمَتْ حَلَقَاتِهَا
فَرَّجْتَ وَكُنْت أَظُنُّهَا لَا تَفْرُجُ

رَسُول اللَّهِ يَشْكُو إلَى اللَّهِ وَلَا يَيْئِسْ:

بَعْدَمَا لَاقَى رَسُولُ اللَّهِ مَا لَاقَى مَنْ أَهَلَّ الطَّائِفُ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالسِّبَاب، وَجَدَ حَائِطًا (حَدِيقَة) فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ يَحْتَمِي بِهِ، دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى الْحَائِطِ، وَهُوَ مُثْقَل بِالْهُمُوم وَالْأَحْزَان وَالْجِرَاح، فَأَسْرَعَ إِلَى ظِلِّ شَجَرَةٍ وَجَلَسَ تَحْتَهَا وَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إلَيْهَا، وَمَدَّ يَدَهُ إلَى السَّمَاءِ، وَانْهَمِرِت عَبَّرَاته وَهُوَ يَدْعُو بِدُعَاءٍ مَا دَعَا بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَمَا دَعَا بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، دُعَاءً يُعَبِّرُ عَنْ مَدَى الْأَلَم وَالْحُزْنِ وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ الَّذِي شَمِلَ كُلَّ كِيَان رَسُولُ اللَّهِ، وَقَدْ أَغْلَقْت إمَامَةُ كُلٍّ الْأَبْوَابِ إلَّا هَذَا الْبَابِ الَّذِي لَا يُغْلَقُ أَبَدًا، بَاب الرَّحْمَنِ، فَهُوَ بَابٌ الْأَمَل الْوَحِيدَ الَّذِي لَا يُقْلِق إطْلَاقًا.

وَرَغْم تِلْكَ الظُّرُوفِ الْحَالِكَة وَالتَّنْكِيل مِنْ قَوْمِهِ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ؛ فَهُوَ الرَّحْمَةُ الْمُهْدَاةُ، وَلَمْ يَيْئِسْ مِنْ هِدَايَتَهُمْ، فَكَانَتْ الرَّحْمَة تَفِيضُ مِنَ فُؤَادِه الرَّحوم، وَالأَمَلُ يَتَفَجَّر فِي دَاخِلِهِ بِهِدَايَة قَوْمِه.

أَرْسَلَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِلْكُ الْجِبَالِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَرْسَلَنِي لِتَأْمُرَنِي بِمَا شِئْت، فَإِنْ شِئْت أُطْبِقَتْ عَلَيْهِمْ الأَخْشَبَيْنِ – وَهُمَا جَبَلَانِ عَظِيمَان بِمَكَّةَ – فَقَالَ: ((لَا يَا أَخِي، دَعْهُمْ؛ فَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يُوَحِّدُ اللَّهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا))، فَلَمْ يَيْئِسْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ كَانَ يَنْظُرُ بِثِقَة اللَّه، وَيَسِيرُ عَلَى ضَوْءِ شَمْسٍ الْأَمَل، فَإِنَّهَا وَإِنْ غَابَتْ لَا بُدَّ أَنْ تَعُودَ فِي الْغَدِ لِتَشَع وَتُنْشَرُ ضَيَاءها.

فَالْأَمَلُ سِرُّ الْحَيَاةِ، مِنْ عَرَفَةَ سَعِدَ، وَلَوْ فُقِدَ كُلٌّ شَيْءٍ.
الْحَدِيثَ عَنْ الْأَمَلِ مَسْعَد، فَكَيْفَ بِمَنْ عَاش ظُرُوفِه، وَاسْتَبْشَر بِقُدُومِه، وَذَاق حَلَاوَتُه، وَتَفْيا ظِلالُه، وَرَفَل فِي أَكْنَافِه، فَكُنْ أَنْتَ مِمَّنْ أَسْهُمٍ فِي بَثِّ الْأَمَلِ فِي نُفُوسِ وَغَيَاهِب الْاخَرِين.
كُنْ أَنْتَ بِإِيمَانِك وَأَخْلَاقِك وَمَالِك أَمْلَأ لِغَيْرِك؛ فَبِالْمَال تَسْتَطِيعُ أَنْ تُرْسَمَ بِسِمَة أَمَل وَتَسْهَم فِي شِفَاءِ مَرِيضٍ وَتَفْرِيج كُرْبَة، وَأَعَانَه ضَعِيفٌ وَلَمْ شَتَات أَسَرَتْه، وَبِالْخَلْق النَّبِيل الرَّاقِي كَذَلِكَ، وَلَنَا فِي سَيِّدِ الْخَلْق وَحَبِيب الْحَقّ الْأُسْوَةُ الْحَسَنَةُ فِي الأَمَلِ وَالتَّفَاؤُل وَعَمَلُهُ الصَّالِحُ فِي إدْخَالِ السُّرُورِ وَالْأَمَل عَلَى الْاخَرِينَ، وَكُلُّ مَا يَسْعَد فِي الدَّارَيْنِ؛ ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْاخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأَحْزَاب: 21]، فَكَيْف يَئِيسن مِنْ يَعْبُدُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟ وَكَيْف يَيْئِسْ مِنْ يَعْبُدُ اللَّطِيف الْكَبِير الْعَزِيز النَّاصِر الْقَهَّار السَّمِيعُ الْمُجِيبُ، وَمَنْ لَهُ مَا لَا يُحْصَى مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْفَضْلِيّ؟ فَأَنْتَ مَعَ الَّذِي يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذَا دَعَاهُ، فَلَا تُغْلَقُ أَبْوَابِه، وَهُوَ الْقَائِلُ – جَلَّ فِي عُلاَهُ -: ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّك بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [هُود: 123]، فَإِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ رَاجِعٌ إلَيْهِ؛ أَمْرُ الْغَيْب، وَأَمَر السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَأَمَر الْحَيَاة، وَأَمْرُك كُلُّهُ مِنْ دُونِ اسْتِثْنَاء، فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ؛ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَكُنْ مُتَفَائِلًا مُؤَمِّلًا وَاثِقًا بِمَوْلَاك.

العُنْصُرُ الثَّانِي : التَّفَاؤُل وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ

التَّفَاؤُل سَنَة نَبَوِيَّة، وَصْفِه إِيجَابِيَّة لِلنَّفْس السَّوِيَّة، يُتْرَك أَثَرُهُ عَلَى تَصَرُّفَاتٍ الْإِنْسَان وَمَوَاقِفَة، وَيَمْنَحُه سَلَامِه نَفْس وَهْمِه عَالِيَة، وَيَزْرَع فِيه الْأَمَل، وَيُحَفِّزُه عَلَى الْهِمَّةِ وَالْعَمَل، وَالتَّفَاؤُل مَا هُوَ إلَّا تَعْبِير صَادِقٍ عَنْ الرُّؤْيَةِ الطَّيِّبَة وَالْإِيجَابِيَّه لِلْحَيَاة .

وَفِي الْمُقَابِلِ هُنَاك عَلَاقَة وَطِيدَة بَيْن التَّشَاؤُم وَكَثِيرٌ مِنْ مَظَاهِرِ الِاعْتِلَال النَّفْسِيّ وَضَعْفُ الْهِمَّةِ، حَيْثُ يَجْعَلُ صَاحِبَهُ يَنْتَظِر حُدُوث الْأَسْوَأ، وَيُتَوَقَّع الشَّرّ وَالْفَشَل، وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُ التَّشَاؤُم، وَيُحِبُّ الفَأْلَ الحَسَنَ الَّذِي لَهُ عَلَاقَةٌ بِالْعَمَل وَالْأَمَل، فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ: الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ) رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: “كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ الْحَسَنُ، وَيَكْرَهُ الطِّيَرَةَ” رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، قَالَ النَّوَوِيُّ: “الطِّيَرَةُ شِرْكٌ أَيْ اعْتِقَادُ أَنَّهَا تَنْفَعُ أَوْ تَضُرُّ، إذَا عَمِلُوا بِمُقْتَضَاهَا مُعْتَقِدِين تَأْثِيرِهَا فَهُو شِرْك لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا لَهَا أَثَرًا فِي الْفِعْلِ وَالْإِيجَاد”.

وَالتَّفَاؤُل نُورٌ فِي الظُّلُمَاتِ، وَمُخْرَجٌ مِنْ الْأَزَمَات وَالْكُرُبَات، وَهُو سُلُوك نَفْسِي حَثَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، وَهُوَ مَقْرُونُ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ، وَمَعْرِفَتِه بِأَسْمَائِهِ الحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلْيَا، لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْتَشْعِر مَعِيَّة اللَّهُ {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (التَّوْبَةِ: 40)، كَمَا يُعْرَفُ رَبُّهُ بِأَسْمَائِهِ الحُسْنَى وَأَنَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (يُوسُف:64)، لَطِيف بِالْعِبَاد {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} (الشُّورَى: 19)، وَسِعَتْ رَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (الْأَعْرَاف: 156)، يُدَافِعُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ {أَنْ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ امَنُوا} (الْحَجّ: 38)، وَاسِعَ الْمَغْفِرَةِ قَابِلِ التَّوْبِ وَغَافر الذَّنْبِ {غَافِرُ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} (غَافِر:3)، نَاصِر لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَاَلَّذِينَ امَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْإِشْهَادُ} (غَافِر:51)، وَغَيْرِهَا مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ الْحُسْنَى الَّتِي تُجْعَلُ الْمُؤْمِنِ فِي تَطْلُع لِلْإِمل، وَتَوَقُّعُ لِلْخَيْر، وَانْتِظَار دَائِم لِلْفَرْج، وَهَذِهِ كُلُّهَا تَصَبُّ فِي مَعْنَى التَّفَاؤُلِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ وَحَثَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ، وَرَبِّي عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ.. وَمَنْ الْأَمْثِلَة الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ :

فِي الْهِجْرَة :

انْطَلَق الْمُشْرِكُونَ فِي اثَارِ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَصَاحِبُهُ، يَرْصُدُون الطُّرُق، وَيُفَتِّشُون فِي جِبَالِ مَكَّةَ، حَتَّى وَصَلُوا غَارَ ثَوْرٍ، وَأَنْصَت الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبُهُ إلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ وَكَلَامُهُمْ.

يَقُولُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الْغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا!، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا أَبَا بَكْرٍ! مَا ظَنُّك بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا) رَوَاه الْبُخَارِىّ .

وَيَصِف أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا حَدَثَ مَعَ سُرَاقَة فَيَقُول: فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا مَالَتْ الشَّمْسُ وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، فَقُلْتُ: أَتَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا، فَقَالَ: إِنِّي أُرَاكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَىَّ، فَادْعُوَا لِى، فَاللَّهُ لَكُمَا إِنَّ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ، فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَجَا، فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إلَّا قَالَ: كَفَيْتُكُمْ مَا هُنَا، فَلَا يُلْقِي أَحَدًا إلَّا رَدُّهُ، قَالَ: “وَوَفَى لَنَا” رَوَاه الْبُخَارِيُّ.

قَالَ أَنَسٌ: ” فَكَانَ سُرَاقَة أَوَّلِ النَّهَارِ جَاهِدًا – مُبَالِغًا فِي الْبَحْثِ وَالْأَذَى – عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ اخِرُ النَّهَارِ مَسْلَحَةً لَهُ حَارِسًا لَه بِسِلَاحِه
يُعْلَمُ أَصْحَابِه التَّفَاؤُل :

لَمْ يَكْتَفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحَقُّقِ هَذِهِ السِّمَةِ لَدَيْهِ فِي شَخْصِهِ، بَلْ كَانَ يُرَبِّي أَصْحَابَهُ عَلَيْهَا وَيُعَلِّمُهُمْ إيَّاهَا، فَفِي أَشَدِّ الْمَوَاقِف وَأَصْعَبُهَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْرِسُ فِي نُفُوسِ أَصْحَابِهِ الضُّعَفَاء وَالْمُضْطَهِدَيْن التَّفَاؤُل وَالْأَمَل، وَعَدَم الْيَأْس، وَالْيَقِين بِمَوْعُودِ اللَّهِ وَنُصْرَةِ لِعِبَادِه الْمُؤْمِنِينَ.

عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ أَتَاهُ رَجُلٌ، فَشَكَا إلَيْهِ الْفَاقَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ اخَرُ فَشَكَا إلَيْهِ قَطَعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ: يَا عَدِيُّ! هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ؟، قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا، فَقَالَ: إِنَّ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ -الْمَرْأَة- تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ أَحَدًا إلَّا اللَّهُ، قُلْت فِي نَفْسِي: فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ -قُطَّاعِ الطَّرِيقِ- الَّذِينَ سَعَرُوا فِي الْبِلَادِ؟!، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى، قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟! قَالَ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ!!، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يَخْرُجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، يَطْلُبُ مِنْ يَقْبَلُهُ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ عَدِيُّ: “فَرَأَيْت الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنْ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تَخَافُ إلَّا اللَّهُ، وَكُنْت فِيمَنْ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِلْء كَفِّهِ”.

وَعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: ( شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: إلَّا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، إلَّا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دَيْنِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عِظَمِ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دَيْنِهِ، وَاَللَّهُ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرِ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهُ، أَوْ الذِّئْبُ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ ) رَوَاه الْبُخَارِيُّ.

قَالَ الْحَافِظُ فِى الْفَتْحِ: ” يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ صَنْعَاءِ الْيَمَنِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ حَضْرَمَوْتَ مِنْ الْيَمَنِ أَيْضًا مَسَافَةَ بَعِيدَة نَحْوِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ صَنْعَاء الشَّام وَالْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ بِكَثِيرٍ

كَمَا أَنَّنَا لَا نَنْسَى مَع الْأَمَل وَالتَّفَاؤُل أَمْرٍ فِي غَايَةِ الْأَهَمِّيَّة وَهُوَ حَسَنٌ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَنَازِلِ وَالْمَقَامَاتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ مِنْ الْمُسْلِمِ فِي كُلِّ حَالٍ وَزَمَانٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(الْمَائِدَةِ:23)، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوَكُّل، فَقَال: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ}(النَّمْل:79). وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَفَاه وَهَدَاه، قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}(الطَّلَاق:3).

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ مَعَ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَاب وَإِعْدَاد الْعِدَّةِ، فَعَنْ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ نَاقَتِه، وَقَال: أَأَعْقُلُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ أَوْ أَطْلَقَهَا وَأَتَوَكَّلُ؟! فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اعْقِلْهَا (شُدَّ رُكْبَةَ نَاقَتِك مَعَ ذِرَاعِهَا بِحَبْلٍ)، وَتُؤْكَل) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيّ. فَتَقْيِيد لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ. قَالَ الصَّنْعَانِيّ: “فَهَذِهِ الْكَلِمَةُ الشَّرِيفَة مُرْشِدَة إلَى أَنْ التَّوَكُّلَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِاِتِّخَاذ الْأَسْبَابِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ وُصْلَةً إِلَى مُسَبَّبَاتِهَا، لِأَنَّ تَرْكَ السَّبَبِ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمُتَوَكِّلِين، بَلْ الْمُتَوَكِّلُ مَنْ اتَّخَذَ السَّبَبِ ثُمَّ تُؤْكَلُ، فَدَائِمًا نَقُول خُذْ بِالْأَسْبَاب وَكَان الْأَسْبَابِ لَا شَيْ ثُمَّ تُؤْكَلُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ الْأَسْبَاب كُلِّ شَيْ كَتَوَكُّل الزُّرَّاعِ فِي سَقْيِ الْأَرْضِ وَإِلْقَاء الْبُذُور، وَأَمَّا تَارِكُ السَّبَبِ فَلَا يُسَمَّى مُتَوَكِّلًا بَلْ مُتَّكِلًا عَاجِزًا مُفَرِّطًا”. وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: “وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَعْلَمَ: مَا قَالَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، قَالُوا: الِالْتِفَاتِ إلَى الْأَسْبَابِ شِرْكٌ فِي التَّوْحِيدِ.. وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْأَسْبَابِ بِالْكُلِّيَّةِ قَدْحٌ فِي الشَّرْع”.

وَالمُتَأَمِّل فِي إحْدَاثِ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ مُنْذ خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِهِ إلَى بَيْتِ صَاحِبِهِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمَرَّورا بِإِحْدَاثِ الطَّرِيق وَالسَّفَرِ حَتَّى الْوُصُولِ إلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ، يَجِدُ فِيهَا مَعَانِي التَّوَكُّل وَالْيَقِين، مَعَ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَاب وَإِعْدَاد الْعِدَّة.

الْأَخْذ بِالْأَسْبَاب وَإِعْدَاد الْعِدَّة (اعْقِلْهَا) :

اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي أَمَرَنَا بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، أَمْرُنَا أَيْضًا بِاِتِّخَاذ الْأَسْبَاب وَإِعْدَاد الْعِدَّة، فَالْأَخْذ بِالْأَسْبَاب وَإِعْدَاد الْعِدَّةِ أُمِرَ ضَرُورِيّ وَوَاجِب شَرْعِيٌّ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةِ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}(الْأَنْفَال :60)، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلرَّجُلِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَتْرُكَ نَاقَتِه دُونَ أَنْ يَعْقِلَهَا: (اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ). وَعَلَى طَرِيقِ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ ظَهَرَ ذَلِكَ الْأَمْرِ وَاضِحَا جَلِيًّا مُنْذ تَفْكِير النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْهِجْرَةِ، فَقَدْ اخْتَارَ صَاحِبًا لَهُ فِي هِجْرَتِهِ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
وَبَدَأَتْ وَقَائِع الْهِجْرَةِ حِينَ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وَقْتِ شَدِيدِ الْحَرِّ، وَهُوَ الْوَقْتُ الَّذِي لَا يَخْرُجُ فِيهِ أَحَدٌ، وَجَاء مُقَنَّعًا قَدْ أَخْفَى وَجْهِه، مُتَكَتِّمًا الْأَمْرِ عَنْ الْجَمِيعِ، وَكَانَ قَدْ اشْتَرَى بَعِيرَيْنِ وَعَلَفَهُمَا ـ وَهُمَا وَسِيلَة السِّيَر وَالْهِجْرَة ـ. وَخَرَج لَيْلًا وَمَنْ بَاب خَلْفِي فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ لِاحْتِمَالَات الْمُرَاقَبَةُ مِنْ الْعَدُوِّ. وَمَعَ ذَلِكَ ـ وَزِيَادَةٌ فِي الْحَيْطَة ـ اتَّخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرِيقًا غَيْرَ مَأْلُوفِ لِقُرَيْش، وَلَمْ يَتَّجِهْ مُبَاشَرَةً إِلَى اتِّجَاه الْمَدِينَةِ، إنَّمَا اخْتَارَ طَرِيقًا اخَرَ وَهُوَ طَرِيقُ السَّاحِل. وَكَانَ قَدْ اتَّفَقَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُرَيْقِط ـ دَلِيل السِّيَر ـ لِيَكُونَ لَهُمَا دَلِيلًا لِمَعْرِفَتِه بِمَسَالِك الْبَادِيَة وَطُرُق الصَّحْرَاءِ. وَقَدْ انْتَقَى وَاخْتَار النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَخْصِيَّات عَاقِلَةً أَمِينَةً لِتَقُوم بِالْمُعَاوَنَةِ فِي الْهِجْرَةِ، مَعَ وَضْعِ كُلِّ فَرْدٍ فِي عَمَلِهِ الْمُنَاسِبُ، الَّذِي يُجِيد الْقِيَامُ بِهِ عَلَى أَحْسَنِ وَجْهٍ، لِيَكُونَ أَقْدَرُ عَلَى أَدَائِهِ وَالنُّهُوض بِتَبِعَاتٍه، فَعَلَى بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَنَامُ فِي فِرَاشِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَخْدَع قُرَيْش، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: كَاشِف تَحَرُّكَات قُرَيْش، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ: حَامِلَةً الزَّادَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْغَارِ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ: الرَّاعِي يُبَدِّدْ اثَارِ أَقْدَامِ السِّيَر بِأَغْنَامِه، كَيْلًا يَتَتَبَّعُهُا الْمُشْرِكُونَ، فَكُلُّ هَذَا كَانَ مِنْ بَابِ الْأَخْذِ بِالْأَسْبَاب وَإِعْدَاد الْعِدَّةِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هِجْرَتِهِ.

العُنْصُرُ الثَّالِث : الصَّاحِب الصَّالِحِ

وَمَنْ أَوَامِرِ اللَّهِ وَأَوَامِرِ رَسُولِهِ: الْأَمْر بِصُحْبَةِ الْأَخْيَارِ: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعُدْ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الْكَهْف:28] فَأَمَر بِصُحْبَةِ الْأَخْيَارِ وَمُلَازَمَتِهِمْ، وَنَهَى عَنْ صُحْبَةِ الْأَشْرَارِ: وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا [الْكَهْف:28] .

وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ مَسَائِلِ هَذِهِ الْحَيَاةِ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ صَدِيقٍ وَصَاحِب، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَوْمٍ يَأْوِي إلَيْهِمْ، وَيَكُونُ مَعَهُمْ.

وَلَعَلَّ هَذَا الْوَقْتِ فِي بِدَايَةِ الْعَامِ يَكُونُ وَقْتًا مُنَاسِبًا لِلتَّذْكِير بِهَذَا الْمَوْضُوع (إنْشَاء الْعَلَاقَات الْجَدِيدَة) وَتَنْقِيَة الْعَلَاقَات الْقَدِيمَة وَتَمْحِيصٍها.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلَّا الْمُتَّقِينَ [الزُّخْرُف:67] .

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُصَاحِبْ إلَّا مُؤْمِنًا) .

وَقَالَ: (الْمَرْء عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مِنْ يُخَالِلْ) .

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ) .

قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : لَقَدْ عَظُمَتْ مَنْزِلَةُ الصَّدِيقِ عِنْدَ أَهْلِ النَّارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ [الشُّعَرَاء:100-101] .

وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ) : انْظُرُوا إِلَى فِرْعَوْنَ مَعَ هَامَانَ، أَضَلّ هَذَا بِهَذَا، وَأَخَذَ هَذَا مِنْ عِزِّهِ هَذَا، وَأَعَان بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى الْكُفْرِ وَاسْتَعْبَاد الْبَشَر.
وَجَلِيس الْخَيْر مُفِيد دَائِمًا وَأَبَدًا، مِثْلَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِثْلَ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ كَمَثَلِ الْعَطَّارِ، أَنَّ لَمْ يُعْطِك مِنْ عِطْرِهِ أَصَابَك مِنْ رِيحِهِ) وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَافِخ الْكِيرُ، الَّذِي يَحْرِقُ ثِيَابَك، أَوْ تَجِدْ مِنْهُ رِيحًا سَيِّئَةً.

فَلَا شَكَّ أَنَّ الْجُلَسَاء يُؤْثِرُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَيَقْتَبِس بَعْضُهُمْ مِنْ خِصَالِ بَعْض؛ وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ:

قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (إنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَأَمَّا إنْ تَجِدْ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إمَّا أَنْ يُحَرَّقَ ثِيَابَك وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَة”.

وَهَذَا مِثْلُ نَبَوِيّ عَظِيم مُحْكَم: فَالْجَلِيُّس الصَّالِحُ أَمَا إِنَّ يُعْطِيَك مِنْ إرْشَادًاتِه وَنَصَائِحِه وَعِلْمِه، وَأَمَّا إنْ تَقْتَبِس مِنْهُ مَا يَصْلُحُ أَحْوَالِك وَيَدُلُّك عَلَى الْخَيْرِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا وَلَا ذَاكَ، فَإِنَّكِ عَلَى أَقَلِّ الْأَحْوَالِ سَتَكُتسب مِنْ مُجَالَسَتِهِ السُّمْعَة الْحَسَنَةُ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا بُدَّ أَنْ تَتَأَثَّرَ مِنْ سُلُوكِهِ وَأَخْلَاقِه.

أَمَّا الْجَلِيسِ السُّوءِ، فَإِنَّهُ يُحَرَّقُ إيمَانِك وَيُعْرضك لِخَطَرِ الِانْحِرَافُ فِي طَرِيقِ الْفَسَادِ، وَلَوْ أَنَّكَ سَلِمَتْ مِنْ ذَلِكَ فِي بَادِئِ الْأَمْرِ، فَإِنَّك لَنْ تَسْلَمْ مِنْ السُّمْعَةِ السَّيِّئَة وَالتَّأَثُّر النَّفْسِيُّ الَّذِي هُوَ بِدَايَة التَّأَثُّر السُّلُوكِي.

فَالصَّاحِبُ سَاحِب وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ: وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَا يَتَأَثَّرُ بِمُصَاحَبَة الْأَشْرَار وَأَصْحَاب الْهِمَم الدَّنِيئَة، فَهُوَ مُكَابِرٌ؛ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: “مَا رَأَيْت أَكْثَرَ أَذًى لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ مُخَالَطَةِ مَنْ لَا يَصْلُحُ، فَإِنْ الطَّبْع يَسْرِق فَلَمْ يَتَشَبَّهُ بِهِمْ، وَلَمْ يَسْرِقْ مِنْهُمْ فَتَرَ عَنْ عَمَلِهِ”.

وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مِنْ يُخَالِلْ)؛ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيّ.

فَالْسحب مِنْ الصَّاحِبِ لِصَاحِبِه وَاضِحٌ، فَإِنَّ كَانَ الصَّاحِب مُؤْمِنًا زَادَه تَمَسُّكًا بِالْإِيمَان وَمُسَارَعَةً إلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِانْحِرَافَ انْحَرَفَ مَعَهُ إلَى طَرِيقِه.

فَمُجَالسَّه الْحَرِيصُ تَحَرَّك الْحِرْص، وَمُجَالَسَة الْكَرِيم تَحَرَّك الْكَرْم، وَمُجَالَسَة الزَّاهِد تَحَرَّك الزُّهْد … وَهَكَذَا.

وَلَيْسَ الْجَلِيس مِنْ النَّاسِ فَحَسْب هُوَ الَّذِي يُؤَثِّرُ، بَلْ إنْ مُجَالَسَة الْحَيَوَان تُؤَثِّرُ.

فِي الْبُخَارِيِّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَهْلِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ، وَالْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوِتْر، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ )

وَلِأَنَّ الصَّاحِب سَاحِب: طَلَبِ مُوسَى مِنْ رَبِّهِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ الَّذِين ضَعْف أَيْمَانِهِمْ، وَقُلْ يَقِينِهِمْ بِنَصْر رَبِّهِمْ وَعَصَوْا الرَّسُولُ: ﴿ قَالَ رَبُّ إنِّي لَا أَمْلِكُ إلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الْمَائِدَة: 25].

وَلِأَجْلِ ذَلِكَ اعْتَزَلَ الْخَلِيلِ إبْرَاهِيمَ مَجَالِس قَوْمِهِ وَقَالَ لَهُمْ: ﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي ﴾ [مَرْيَمَ: 48].

وَقَالَ أَيْضًا: ﴿ وَقَالَ إنِّي ذَاهِبٌ إلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الصَّافَّات: 99]، فَأَكْرِمْه اللَّه وَكَافَأَه أَحْسَن مُكَافَأَة؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيًّا ﴾ [مَرْيَم: 49]، وَهَكَذَا مِنْ يُتْرَك مُجَالَسَة الْأَشْرَار ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ، يُكْرِمُه اللَّهُ، وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا اتِّقَاءَ اللَّهِ، عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْه.

وَهَا هِيَ نَصِيحَةُ الْعَالِمِ الرَّبَّانِيِّ الْفَقِيه لِلَّذِي قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ: “وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ، انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ بِهِمْ أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ، فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ وَلَا تَرْجِعُ إلَى أَرْضِك؛ فَإِنَّهَا أَرْضُ سُوءٍ، فَانْطَلَقَ حَتَّى إذَا نُصِّفَ الطَّرِيقَ، أَتَاهُ الْمَوْتُ، فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إلَى اللَّهِ، وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ ادَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: “قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا أَدْنَى، فَهُوَ لَهُ، فَقَاسُوا فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ: “فَكَانَ إلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ أَقْرَبَ مِنْهَا بِشِبْرٍ، فَجُعِلَ مِنْ أَهْلِهَا)؛ رَوَاهُ مُسْلِمٍ.

وَهَلْ كَانَ أَبِي طَالِبٍ – عِنْدَ الْوَفَاةِ – أَضَرُّ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ الَّذِينَ لَمْ يَزَالُوا بِهِ، حَتَّى حَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلِمَةِ تُوجِبُ لَهُ سَعَادَةٌ الْأَبَد، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (يَا عَمِّ، قُلْ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَك بِهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَقَالَ: أَبُو جَهْلٍ وَعِبَدِاللَّه بْن أُمَيَّةَ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِالْمُطَّلِب، فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَزَالَا يَخْذُلِأَنَّه، حَتَّى قَالَ اخِرُ كَلَامِهِ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِالْمُطَّلِب.

فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: “أَمَّا وَاللَّهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ”، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ امَنُوا إِنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾ [التَّوْبَة: 119].
وَهَا هُوَ صَاحِبُ السُّوء كَادَ أَنْ يَهْلِكَ صَاحِبِهِ وَلَكِنْ اللَّه سَلَّمَ.

قَالَ تَعَالَى فِي شَأْنِ أَهْلِ الْجَنَّةِ: ﴿ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَاهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ * قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾ [الصَّافَّات].

وَمَنْ الْمُشَاهَدَ أَنَّ الْمَاءَ وَالْهَوَاءَ يَفْسُدَان بِمُجَاوَرَة الْجِيفَة، فَمَا الظَّنُّ بِالنُّفُوس الْبَشَرِيَّةِ، وَلَا تَجْلِسُ إِلَيَّ أَهْل الدَّنَايَا، فَإِنْ خَلَائِق السُّفَهَاء تَعَدَّى.

وَلِهَذَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِمُصَاحَبَة الصَّالِحِين وَالِاقْتِرَاب مِنْهُمْ:

قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التَّوْبَةِ: 119].

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعُدْ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الْكَهْف: 28].
وَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مُصَاحَبَةِ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْفَسَادِ:

قَالَ تِعْلَى: ﴿ وَقَدْ نَزَلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنَّ إذَا سَمِعْتُمْ ايَاتِ اللَّهِ يُكَفِّرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ [النِّسَاءِ: 140].

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْت الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي ايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ وَأَمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الْأَنْعَام: 68].

وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَأَعْرَضَ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغِهِمْ مِنْ الْعِلْمِ ﴾ [النَّجْمِ: 29، 30].

مِنْ تُصَاحِبْ؟

صَاحِبٍ مِنْ تُلْتَمَس مِنْهُمْ الْإِخْلَاصُ وَالصِّدْقُ وَالتَّقْوَى؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التَّوْبَةِ: 119].

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُصَاحِبْ إلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلُ طَعَامَك إلَّا تَقِيٌّ)؛ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيّ.

وَقَالَ بِلَالُ بْنُ سَعْدٍ: “أَخٍ لَك كُلَّمَا لَقِيَك ذَكَرَك بِحَظِّك مِنْ اللَّهِ، خَيْرٌ لَك مِنْ أَخٍ كُلَّمَا لَقِيَك وُضِعَ فِي كَفِّك دِينَارًا”؛ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ.

وَقَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: “يَا بَنِي مِنْ لَا يَمْلِكُ لِسَانَهُ يَنْدَمْ، وَمَنْ يَكْثُرُ الْمِرَاء يَشْتُم، وَمَنْ يُصَاحِبُ صَاحِبَ السُّوءِ لَا يُسَلِّمُ، وَمَنْ يُصَاحِبُ الصَّالِح يَغْنَم”.

خَمْسَةٌ لَا تُصَاحِبْهُمْ:

وَصَّى أَحَدَ الصَّالِحِينَ وَلَدِهِ، فَقَالَ: “يَا بَنِي اُنْظُرْ خَمْسَةٌ لَا تُصَاحِبْهُمْ وَلَا تَحَادِّثُهُمْ، وَلَا تَرَى مَعَهُمْ فِي طَرِيقِ، قَالَ: يَا أَبَتِ جُعِلْت فِدَاك أَبِي وَأُمِّي، مَنْ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ؟

قَالَ: إيَّاكَ وَمُصَاحَبَة الْفَاسِقِ، فَإِنَّهُ يَبِيعُك بِأَكْلِهِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا، قَالَ: يَا أَبَتِ، وَمِنْ الثَّانِي؟ قَالَ: إيَّاكَ وَمُصَاحَبَة الْبَخِيل، فَإِنَّه يَخْذُلْك فِي مَالِهِ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إلَيْهِ، قَالَ: يَا أَبَتِ، وَمِنْ الثَّالِثِ؟ قَالَ: إيَّاكَ وَمُصَاحَبَة الْكَذَّابُ؛ فَإِنَّهُ يَقْرُبُ مِنْك الْبَعِيدَ وَيُبَاعِدُ عَنْك الْقَرِيبِ، قَالَ: يَا أَبَتِ، وَمِنْ الرَّابِعِ؟ قَالَ: إيَّاكَ وَمُصَاحَبَة الْأَحْمَقُ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرُّك، قَالَ: يَا أَبَتِ، وَمِنْ الْخَامِسِ؟ قَالَ: إيَّاكَ وَمُصَاحَبَة الْقَاطِع لِرَحْمَة، فَإِنِّي وَجَدْتُه مَلْعُونًا فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي ثَلَاثَةٍ مَوَاضِعَ: [فِي الْبَقَرَةِ وَالرَّعْدِ وَمُحَمَّد].

فَنَحْنُ الْانَ أَمَامَ مَشْهَد تَتَجَلَّى فِيهِ الصَّدَاقَةُ وَالْأُخُوَّةُ فِي أَنْقَى مَعَانِيهَا، هَذَا هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – يَهُمّ بِالْهِجْرَة، فَيُطْلَبُ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أَنْ يَنْتَظِرَ، وَعِنْدَمَا جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مُتَخَفِّيًا؛ لِيُخْبِرَه أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ بِالْهِجْرَة؛ فَيَكُونُ أَوَّلُ شَيْءٍ مِنْ رَدِّ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: “الصُّحْبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهُ”.

هَكَذَا كَانَ شَغَفُ الصِّدِّيقِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – بِنُصْرَةِ الدِّينِ: “الصُّحْبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ”، وَهِيَ لَيْسَتْ صُحْبَة رَجُلٍ ذِي ثَرَاء وَأَمْوَال، وَلَيْسَتْ صُحْبَة رَجُل يُسَافِرَ إلَى دَوْلَة يَتَرَفَّه فِيهَا وَيَتَنَعَّم، وَلَيْسَتْ صُحْبَة رَجُلٌ لَهُ مَوْكِب وَحَاشِيَة، وَخَدَم وَحَشَم، أَنَّهَا صُحْبَة رَجُل مُطَارِد مَطْلُوبٌ رَأْسَه، فَعَلَام يَحْرِص الصِّدِّيقِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – عَلَى هَذِهِ الصُّحْبَةِ وَيَفْرَح وَيَفْتَخِر بِهَا؟! أَنَّهُ الْإِيمَانُ الَّذِي تَمَيَّزَ بِهِ صِدِّيقٌ هَذِهِ الْأُمَّةِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – وَاَلَّذِي جَعَلَه يُسَخِّرَ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ وَمَالَهُ مِنْ أَجْلِ صَاحِبِه وَنَبِيِّه رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَعَرَضَ نَفْسَهُ لِمُصَاحَبَتِه وَخِدْمَتِه وَحِمَايَتِه فِي الْهِجْرَةِ، وَأَنْفَق مَالِهِ فِي أَعْدَادِ الْعُدَّةِ لِذَلِكَ وَفِي اسْتِئْجَارِ الدَّلِيل، وَعَرَض ابْنِه عَبْدِاللَّه لِلْخَطَر؛ حَيْثُ كَانَ يُمْسِي عِنْدَهُمَا عِنْدَمَا كَانَا فِي الْغَارِ، وَيُصْبِح عِنْدَ قُرَيْشٍ يَتَسَقَّط الْإِخْبَارِ، وَكَانَ مَوْلاهُ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ يُسَرَّح بِغَنَمِه عِنْدَ الْغَارِ؛ لِيَسْقِيَهُمْ مِنْ لَبَنِهَا، وَكَذَلِك فَعَلْت أَسْمَاء الَّتِي حَفِظَتْ السِّرّ، وَاَلَّتِي شَقَّتْ نِطَاقِهَا؛ لَتَضَع فِيه طَعَامَهُمَا، فَسُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ، فَكَانَتْ عَائِلَة الصِّدِّيق كُلِّهَا مُجَنَّدَة فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَخَادِمِه لِرَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

هَذِهِ هِيَ الصَّدَاقَةُ، وَهَذِهِ هِيَ الصُّحْبَةُ الصَّالِحَةِ، هَذَا هُوَ الْوَفَاءُ مَعَ الصَّاحِبِ، هَكَذَا يُعَلِّمُنَا الصِّدِّيقِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – دَرْسًا فِي أَهَمِّيَّةِ الصُّحْبَةُ عَلَى الطَّرِيقِ إلَى اللَّهِ، فَأَيْنَ هِىَ الصُّحْبَة الصَّالِحَةِ فِي زَمَانِنَا؟ وَأَيْن الْوَفَاءِ فِي هَذَا الْمُجْتَمَعِ؟ أَصْبَحْت الدُّنْيَا مَصَالِح، كَمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي زَمَانِنَا لَا يَمْشِي أَحَدُهُمْ مَعَ أَخِيهِ إلَّا مِنْ أَجْلِ مَصْلَحَةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ يَعُود خَيَّرَهَا إلَيْهِ! كَمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ لَا يُصَادقك إلَّا مِنْ أَجْلِ عَمِل، فَإِذَا انْتَهَى الْعَمَلُ تَرَكَك! وَكَمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ يُكْثِرُ مِنْ زِيَارَةِ أَخِيهِ الَّذِي تَوَلَّى مَنْصِبًا لَا لِلَّهِ، بَلْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ يَصِلُ إلَى غَايَتُه!

إمَّا أَنْ تَجِدَ مُسْلِمًا يَزُور أَخَاه لِمَحَبَّة وَمِنْ أَجْلِ اللَّهِ – تَعَالَى – فَهَذِهِ لَا تُوجَدُ إلَّا عِنْدَ الْقَلِيلِ؛ حَتَّى أَصْبَحَ النَّاسُ يَقُولُونَ لَك عِنْدَمَا يَرَوْنَك تَزُور أَخَاك: هَلْ عِنْدَكَ مَعَه مَصْلَحَةٍ أَوْ عَمَلٍ اخَرَ فِي زِيَارَتَك لَهُ؟ هَكَذَا أَصْبَح حَالُ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ.

هَذَا رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يُخْبِرُ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ رَبَّنَا – جَلَّ وَعَلَا – أَرْصَد مِلْكًا مِنْ مَلَائِكَتِهِ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ يُخْبِرَهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ، بِأَيِّ شَيْءٍ حَصَلَ ذَلِكَ يَا عِبَادَ اللَّهِ؟

يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((أَنْ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللَّهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ – أَيْ طَرِيقَةٌ – مَلَكًا، فَقَالَ لَهُ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ قَالَ: أَزُورُ أَخًا لِي فِي اللَّهِ فِي قَرْيَةٍ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: هَلْ لَهُ عَلَيْك مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا وَلَكِنَّنِي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ – عَزَّ وَجَلَّ)).

اللَّهُ أَكْبَرُ! يَذْهَبُ إلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ يُحِبُّهُ فِي اللَّهِ، وَمَاذاقال لَهُ الْمُلْكُ؟ ((قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ، أَنْ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ))؛ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.

مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ يُعْلَم الضَّمَائِر وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ، عَلَّامُ الْغُيُوبِ يَعْلَمُ مَا فِي الْقُلُوبِ، يُرْسِل مِلْكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ يُخْبِرَهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ؛ وَبِسَبَب أَنَّهُ يُحِبُّ أَخًا لَهُ فِي اللَّهِ، وَيَزُورُه فِي اللَّهِ، اللَّهُ أَكْبَرَ!

إنْ أَخَاك الْحَقَّ مِنْ كَانَ مَعَك
وَمَنْ يَضُرُّ نَفْسَهُ لِيَنْفَعَك
وَمَنْ إذَا رَيْبُ الزَّمَانِ صَدَّعَك
شَتَّتَ فِيك شَمْلَهُ لِيَجْمَعَك

فَالْدرس الَّذِي نَسْتَنْبِطَه مِنْ دُرُوسِ الْهِجْرَة الْمُبَارَكَة هُو الصُّحْبَة الصَّالِحَة، الصُّحْبَة النَّقِيَّة، الصُّحْبَة الْخَالِصَةِ لِلَّهِ – تَعَالَى – لِذَلِكَ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يُوصِي أَمَتِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ: ((لَا تُصَاحِبْ إلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلُ طَعَامَك إلَّا تَقِيّ)).

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((الرَّجُلَ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مِنْ يُخَالِلْ))؛ قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

بَلْ هَا هُمْ سَلَفُنَا الصَّالِحُ – رَحِمَهُمُ اللَّهُ – يَرْشُدُون أَبْنَاءَهُمْ إِلَى اخْتِيَارِ الصَّاحِب الصَّالِحِ: هَذَا أَحَدَهُمْ يَقُولُ: “يَا بَنِي، إذَا أَرَدْت مُصَاحَبَة شَخْصٍ، فَلَا تَصْحَبُهُ إلَّا بِخِصَال يَتَّصِفُ بِهَا، مَا هِيَ يَا أَبَتَاهُ؟ فَقَالَ لَهُ: “يَكْتُم سَرَّك، وَيَسْتُرُ عَيْبَك، وَيَكُنْ مَعَك فِي النَّوَائِبِ، وَيَنْشُر حَسَنَاتِك، وَيَطْوِي سَيِّئَاتِك، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ، فَعَلَيْك بِنَفْسِك”.

وَهَذَا اخِرُ يَقُولَ لِوَلَدِهِ: “لَا تُصَاحِبْ إلَّا رَجُلَيْنِ: رَجُلٌ تَتَعَلَّمُ مِنْهُ مَا يَنْفَعُكَ مِنْ أُمُورِ دِينِك، وَرَجُل تَعَلُّمِهِ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ دِينِهِ، فَيَتَقَبَّل مِنْك، وَالثَّالِثُ أَهْرَب مِنْه”.

وَثَالِث يَقُولَ لِوَلَدِهِ: “يَا بَنِي، لَا تَصْحَبُ إلَّا مِنْ أَضَرِّ بِنَفْسِه لِيَنْفَعَك”.

لِيُفَتِّش كُلٌّ مِنَّا عَنْ صَاحِبِهِ: هَلْ هُوَ مِمَّنْ يَتَخَلَّق بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَخْلَاقِ، وَبِمِثْلِ هَذِهِ الصِّفَاتِ؟ أَنَا أَدْعُو – مِنْ خِلَالِ دَرْس الْهِجْرَة – الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا إلَى إعَادَةِ النَّظَرِ فِي اخْتِيَارِ أَصْحَابِهِمْ قَبْلَ فَوَاتِ الْأَوَانِ، لَا بُدَّ مِنْ اخْتِيَارِ الصِّدِّيق الصَّالِحِ، وَلَا بُدَّ مِنْ الصُّحْبَةِ الصَّالِحَة.
الصَّاحِب الصَّالِح، وَالصَّدِيق الصَّادِق تَتَعَلَّمُ مِنْهُ كُلَّ خَيْرٍ، تَتَعَلَّمُ مِنْهُ الصَّلَاةُ، وَالْإِخْلَاص، وَالْأَمَانَة، وَخَفْضِ الْجَنَاحِ لِلْمُسْلِمِين، وَإِلَى كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ، الصَّاحِب الصَّالِحُ إذَا دَخَلَ بَيْتِك غَضَّ بَصَرَهُ، وَإِذَا أَكَلَ دَعَا لَك، وَإِذَا خَرَجَ مِنْ عِنْدِكَ أَثْنَى عَلَيْك، وَإِذَا جَلَسَ فِي مَجْلِسِ ذَكَرَك بِالْخَيْر، وَإِذَا اغْتَابَك أَحَدٌ فِي مَجْلِسِ وَافْتَرَى عَلَيْك، دَافِع عَنْك بِشِدَّة طَاعَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، وَيَدْعُو لَكَ بِالْخَيْرِ فِي حَيَاتِك وَعِنْد مَوْتِك وَبَعْدَهُ، بَلْ حَتَّى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ قَالَ – تَعَالَى -: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزُّخْرُف: 67]، الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ – فِي الدُّنْيَا – تَحَابُّوا فِي اللَّهِ.

أَمَّا صَاحِبُ السُّوء، قَرِينَ السُّوءِ، فَهُو يَجْرِك إلَى كُلِّ مَعْصِيَةٍ، فَبِاَللَّه عَلَيْكُمْ كَمْ مِنْ مُصَلٍّ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَالْمَسْجِد بِسَبَب صَاحِبَ السُّوءِ! وَكَمْ مِنْ إنْسَانٍ لَا يُدَخِّن دُخْن بِسَبَب قُرَنَاءِ السُّوءِ! كَمْ مِنْ إنْسَانٍ لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ شُرْبِهَا بِسَبَب قُرَنَاءِ السُّوءِ! وَكَمْ مُتَحَجبه رَفَعْت الْحِجَاب وَتَبِرجت بِسَبَبِ قُرَنَاءِ السُّوءِ! قَرِينَ السُّوءِ يَدْعُو قَرِينَةٍ إلَى مَعْصِيَةٍ اللَّهِ، وَالطُّيُورِ عَلَى أَشْكَالِهَا تَقَعْ.

إنْ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الَّذِي يُصَاحِب الطَّالِح وَالْعَاصِي سِينَدم، بَلْ سَيُعْض يَدَهُ مِنْ النَّدَمِ، وَانْظُرْ كَيْفَ صُوَر – سُبْحَانَهُ – مَا سَيَكُونُ عَلَيْهِ الْكَافِرُون وَأَصْدِقَاء السُّوء يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ حَسْرَةٍ وَنَدَامَةٍ، تَصْوِيرًا بَلِيغًا مُؤَثِّرًا، فَقَال: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الْفُرْقَان : 27 – 29].

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْايَاتِ إنْ عَقَّبَهُ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ دَعَا النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لِحُضُور طَعَامٍ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لَا اكُلُ مِنْ طَعَامِك؛ حَتَّى تَنْطِقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ))، فَنَطَقَ بِهِمَا، فَبَلَغَ ذَلِكَ صَدِيقِهِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، فَقَالَ لَهُ: يَا عُقْبَةُ، بَلَغَنِي أَنَّكَ أَسْلَمَتْ، فَقَالَ لَهُ: لَا، وَلَكِنْ قُلْتُ مَا قُلْت؛ تَطْيِيبًا لِقَلْبِ مُحَمَّدٍ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حَتَّى يَأْكُلَ مِنْ طَعَامِي، فَقَالَ لَهُ: كَلَامُك عَلَيَّ حَرَامٌ؛ حَتَّى تَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا بِمُحَمَّدٍ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَفَعَلَ الشَّقِيّ مَا أَمَرَهُ بِهِ صَدِيقَهُ الَّذِي لَا يَقُلْ شَقَاوَة عَنْهُ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْايَاتِ.

بَلْ إنْ صَاحَبَ السُّوءِ الَّذِي قَضَيْتُ أَكْثَر أَوْقَاتَك مَعَه، أَتَدْرِي مَاذَا سَيَفْعَل عِنْدَ مَوْتِكَ؟ هَذِهِ عَنْ تَجْرِبَةِ، وَالدُّنْيَا مَدْرَسَة وَأَسَاتِذَتها الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي، شَاهِد كَمْ مِنْ صَدِيقٍ يَحْمِلُ جِنَازَةَ صَدِيقِه إلَى الْمَسْجِدِ، وَلَكِنَّ لَا يَدْخُلُ إلَى الْمَسْجِدِ؛ لِكَيْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، بَلْ يَبْقَى وَاقِفًا خَارِجَ الْمَسْجِدِ، بِئْس الصَّدَاقَة، بِئْس الْقَرِين، بِئْسَ الصَّاحِب، لَمْ يَصِلْ عَلَيْكَ، وَلَمْ يَدَّعِ لَك، وَلَمْ يُعْرَفْ لَك حَقَّك.

فَيَا مُسْلِمُون ارْجِعُوا إِلَى الْوَرَاءِ، ارْجِعُوا إِلَى تَعَالِيم الْإِسْلَام، ارْجِعُوا إِلَى أَخْلَاقِ الرِّجَالِ الْعُظَمَاء، ارْجِعُوا إِلَى دُرُوس الْهِجْرَة؛ لِتَنَالُوا السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ، وَاخْتِمْ كَلَامَيْ بِوَصِيَّة لُقْمَانَ الْحَكِيمَ لِابْنِه وَلِكُلّ أَبْنَاء الْإِسْلَامُ: “يَا بَنِي، لِيَكُنْ أَوَّلُ شَيْءٍ تُكْسِبُه بَعْدَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ خَلِيلًا صَالِحًا؛ فَإِنَّمَا مَثَلُ الْخَلِيل الصَّالِحِ كَمَثَلِ النَّخْلَة، إنْ جَلَسَتْ فِي ظِلِّهَا أَظْلَتك، وَإِنْ احْتَطَبْت مِنْ حَطَبُهَا نَفَعْتُك، وَإِنْ أَكَلَتْ مِنْ ثَمَرِهَا نَفَعْتُك، وَوَجَدْتُه طَيِّبًا وَلِذَيذا”.

الدُّعَاءِ

اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَحَبِّبْنَا فَى بَعْضِنَا وَانْزِعْ الشَّحْنَاءَ وَالْبَغْضَاءَ مِنْ قُلُوبِنَا وَانْشُرْ الْأَمْنَ وَالْأَمَانَ فَى بِلَادِنَا وَسَائِرِ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ وَارْفَعْ الْبَلَاءَ وَالْغَلَاءَ عَنَّا اللَّهُمَّ انْصُرْ إِخْوَانَنَا الْمُسْتَضْعَفِينَ فَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِوَالِدَيْنَا كَمَا رَبَّيَانَا صِغَارًا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُمَا وَارْحَمْهُمَا يَارِبَ الْعَالَمِينَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ وَارْحَمْ مَشَايِخَنَا وَعُلَمَائِنَا وَإِلَى كُلِّ مَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَلَيْنَا يَارِبَ الْعَالَمِينَ

وَأَقُمْ الصَّلَاةُ