آيات الحج (8)

بقلم الشيخ : أبو بكر الجندى

 

يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} جمعوا بين شناعات ثلاث: الكفر بالله، والصد عن سبيله ومنع الناس من الإيمان وإيذائهم، والصد أيضا عن المسجد الحرام{الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً} فهو ليس ملكا للمعاندين ولا لآبائهم، بل الناس جميعا فيه سواء{ الْعَاكِفُ فِيهِ} المقيم في مكة {وَالْبَادِ} المقيم في البادية، والمراد غير المقيم في مكة سواء الحاضر أو البادي {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}في الدنيا والآخرة، فمجرد نية الشر فيه توعد الله تعالي عليها بالعذاب الأليم؛ لأن تعظيم الأشخاص والأزمان والأماكن التي عظمها الله تعالي من تعظيم الله، ولا شك أن من أعظم الأماكن هي بيت الله الحرام، هذا البيت الذي تتضاعف فيه الحسنات والخيرات، ومع هذا كره الإمام مالك والشعبي ـ رضي الله عنهما ـ المجاورة والمكث بمكة، وقالا ما لنا ولبلد تضعاف فيه السيئات كما تضاعف فيه الحسنات، ويؤاخذ الإنسان فيها بالخاطر، فالخير فيه عظيم والشر كذلك.

ثم يذكر تعالى عظمة بيته وجلالته وعظمة بانيه، وهو خليل الرحمن، فقال تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} بَيَّنَّا له مكان البيت وهيأناه وسويناه له؛ لِيَبْنِيه ويرفع قواعده فرفعه هو وابنه إسماعيل على تقوى الله، وأسسه على طاعة الله، وأمره أن يخلص هذا العمل لله وكل أعماله، فقال: { أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} من الشرك والمعاصي والأصوات اللاغية التي تشوش على المتعبدين فيه، وكل ما لا يليق ببيت الله، وأضاف الرحمن البيت لنفسه؛ لشرفه وفضله، وليكون أعظم لتطهيره وتعظيمه{لِلطَّائِفِينَ}به{وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}أي: المصلين، وهذا يشمل العاكفين عنده، المقيمين لعبادة من العبادات وتعلم علم وتعليمه، وغير ذلك من أنواع القرب، فهؤلاء لهم الحق ولهم الإكرام، ومن إكرامهم تطهير بيت الله لهم.

{وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}أعلمهم به وادعهم إليه، وبلغ دانيهم وقاصيهم فرضه وفضيلته، ، وعدى الفعل بـ (في) ليكون الإعلام في أوساط الناس كلهم، حتى لا يفهم أن المقصود بالإعلام أهل عصره، أو من يمكنه خطابهم فقط، فإذا دعوتهم يا إبراهيم {يَأْتُوكَ رِجَالًا}مشاة على أرجلهم من رغبة وشوقاً، وذكر المجيء إلى إبراهيم وإن كان المجيء إلى البيت؛ لأن الخليل هو الباني للبيت والمؤذِّن والداعي له.

{وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} من النوق الهزيلة بسبب مواصلة السير ليل نهار حتى تصل إلى أشرف الأماكن{يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} من كل بلد وطريق بعيد، فنادى الخليل: “يا أيها الناس، كتب عليكم الحج، حج البيت العتيق فسمعه من بين السماء والأرض.

ومن مقاصد هذه الدعوة لبيت الله الحرام{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} منافع دنيوية من التجارة وحصول الأرباح الدنيوية، ومنافع دينية في بيت الله، من الطاعات والعبادات الفاضلة، واستجابة دعائهم، ومنافع أخروية كمغفرة ذنوبهم والفوز برضا ربهم والنجاة من سخطه وعقابه، ومنافع لهم في صحتهم وأبدانهم( )، وغيرها من المنافع التي لا يعلمها إلا الله تعالي{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} عند نحر الإبل وذبح البقر والغنم بأن يقول الناحر أو الذابح بسم الله والله أكبر{فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} وهي أيام التشريق الثلاثة{عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا} من بهيمة الأنعام التي نحرتموها أو ذبحتموها تقرباً إلينا كهدى التمتع أو التطوع {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} الذي لا يمتلك ما به الكفاف.

اترك تعليقاً