تاريخ ومعالم البيت الحرام ٦

بقلم فضيلة الشيخ : أحمد عزت
الباحث فى الشريعة الاسلامية

٧- عصر المملكة العربية السعودية
بعد إقامة الدولة السعودية على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن وتسلمه الولاية العامة على أرض الحجاز عام ١٣٤٤هـ، أمر بتشكيل إدارة خاصة سُميت مجلس إدارة الحرم كان من مهامها القيام بإدارة شؤون المسجد الحرام ومراقبة صيانته وخدمته بإجراء ترميمات وصيانة شاملة للحرم المكي بأسرع ما يكون الإنجاز، وقد نفذت أوامره في نفس تلك السنة قبل مجيء الحجاج، وفي عام ١٣٤٦هـ تم ترميم الأروقة وطلاء الجدران والأعمدة وإصلاح قبة زمزم، كما تم تركيب مظلات لوقاية المصلين من حرارة الشمس وتبليط ما بين الصفا والمروة بالحجر، وفي شعبان ١٣٤٧هـ تم تجديد مصابيح الإنارة في المسجد الحرام وزيادتها حتى بلغت حوالي ألف مصباح، أما في ١٤ صفر ١٣٧٣هـ فقد أدخلت الكهرباء إلى مكة المكرمة وأُنير المسجد الحرام كما تم وضع المراوح الكهربائية في المسجد الحرام، وتسمى هذه التوسعة: بالتوسعة السعودية الأولى.
وقد أصبحت مساحة المسجد الحرام بعد التوسعة الأولى تستوعب أكثر من ثلاثمئة ألف مُصَلٍّ في وقت واحد وفي صورة اعتيادية مريحة. وفي حالات الزحام تستوعب أكثر من ٤٠٠.٠٠٠ مصل.

– توسعة الملك سعود
أما التوسعة السعودية الثانية فقد استمر العمل فيها بصورة متجددة من عام ١٣٧٥هـ إلى عام ١٣٩٦هـ على أربعة مراحل أربع في عهود ثلاثة وبتنفيذ المقاول محمد بن لادن والذي كان قد أنهى التوسعة السعودية الأولى في المسجد النبوي الشريف.

وكان كل عهد من العهود الثلاثة في هذه التوسعة يحمل تنفيذا متميزا عن الذي يليه، فمرحلة عهد سعود بن عبد العزيز تميزت بعمليات نزع ملكيات العقارات المجاورة للحرم ناحية المسعى وأجياد ثم هدمت العقارات المنزوعة، وتم بناء المسعى من طابقين، لاستيعاب أكبر عدد ممكن من المصلين، حيث بلغ طول المسعى من الداخل ٥ .٣٩٤ متراً، وعرضه ٢٥ مترًا، وبلغ ارتفاع الطابق الأرضي للمسعى ١٣ مترًا، أما الطابق العلوي ٩ أمتار، وأقيم في وسط المسعى حاجز يقسمه إلى قسمين طويلين، خصص أحدهما للسعي من الصفا إلى المروة، والآخر من المروة إلى الصفا، لتيسير السعي، ومنع التصادم بين الساعين ذهاباً وإياباً، وأنشئ للمسعى ١٦ بابًا في الواجهة الشرقية، كما خصص للطابق العلوي مدخلان، أحدهما عند الصفا، والآخر عند المروة، وبني لهذا الطابق سلمان من داخل المسجد، أحدهما عند باب الصفا، والآخر عند باب السلام.
وقد أصبحت مساحة المسجد الحرام بعد هذه التوسعة ١٩٣ ألف متر مسطح، مما جعل الحرم يتسع لحوالي ٤٠٠ ألف مُصَلٍّ، وشملت هذه التوسعة كذلك ترميم الكعبة المشرفة وتوسعة المطاف بتجديد مقام إبراهيم عليه السلام.

أما في عهد فيصل بن عبد العزيز فقد تم عقد مؤتمر في مكة المكرمة ضم عددا كبيرا من المهندسين المعمارين المسلمين عام ١٣٨٧هـ لطرح البدائل الممكنة لتطوير التصاميم، وقد أوصى المؤتمر بإزالة جزء كبير من المبنى العثماني، ولكن الملك فيصل عارض ذلك ورأى الإبقاء والاحتفاظ بالبناء العثماني القديم، وأن يتم عمل تصاميم العمارة الجديدة بأفضل أساليب الدمج التي تحقق أعلى مستوى من الانسجام بين القديم والجديد، وكان ما أراد.

وفي الخامس من صفر عام ١٣٨٩هـ بدأت مرحلة أخرى نتج عنها إضافة جناحين إضافيين، وتجديد المبنى القديم للحرم، وشقت لهذه المرحلة الطرق المحيطة به، وأنشئت الميادين والمحلات التجارية وبلغت تكلفة المشروع حوالي ٨٠٠ مليون ريال سعودي في ذلك الوقت.

 

كما أمر الملك فيصل بإعادة فتح مصنع الكسوة (الخاصة بكسوة الكعبة) بـمكة المكرمة عام ١٣٨٢هـ، واستكملت أروقة الدور الثاني في عهد الملك خالد، كما تم عمل مشارب بئر زمزم إضافة إلى أعمال الترميمات والتجهيزات المستمرة، كما زاد الاهتمام بالطرق الموصلة للحرم الشريف، وتنفيذ مجموعة من الأنفاق عبر الجبال المحيطة بالحرم، وتم افتتاح مبنى مصنع الكسوة (بأم الجود) عام ١٣٩٧هـ. -كما سنذكر تفصيلًا بعد-

٨- توسعة الملك فهد (التوسعة الثانية)
وفي الثاني من شهر صفر عام ١٤٠٩هـ، قام الملك فهد بوضع حجر الأساس لتوسعة المسجد الحرام، والتي تسمى بالتوسعة السعودية الثالثة، والتي كانت حتى ذلك الوقت أكبر توسعة للمسجد الحرام منذ أربعة عشر قرنًا وتضمنت التوسعة إضافة جزء جديد على مبنى المسجد الحالي من الناحية الغربية في منطقة السوق الصغير، بين باب العمرة وباب الملك، وتبلغ مساحة أدوار مبنى التوسعة ٧٦،٠٠٠ م٢ موزعة على الدور الأرضي، والدور الأول، والقبو، والسطح، وتتسع لحوالي (١٥٢.٠٠٠) مُصَلٍّ.

ويشمل المشروع تجهيز الساحات الخارجية، ومنها الساحة المتبقية من جهة السوق الصغير، والساحة الواقعة شرقي المسعى بمساحة إجمالية تبلغ ٨٥.٨٠٠ م٢ تكفي لاستيعاب ١٩٥.٠٠٠ مُصَلٍّ. وبذلك تصبح مساحة المسجد الحرام شاملة مبنى المسجد بعد توسعته والسطح وكامل الساحات حوالي ٣٥٦.٠٠٠ م٢، تتسع لحوالي ٧٧٣.٠٠٠ مُصَلٍّ في الأيام العادية، أما في أوقات الحج، والعمرة، ورمضان فيزيد استيعاب الحرم ليصل إلى أكثر من مليون مُصَلٍّ، كما يضم مبنى التوسعة مدخلاً رئيسياً جديداً، و١٨ مدخلاً عادياً، بالإضافة إلى مداخل المسجد الحرام الحالية، والبالغ عددها ٣ مداخل رئيسية، و٢٧ مدخلاً عادياً، وقد روعي في التصميم إنشاء مدخلين جديدين للبدروم، إضافة إلى المداخل الأربعة الحالية، ويتضمن مبنى التوسعة أيضًا مئذنتين جديدتين بارتفاع ٨٩ مترًا، تتشابهان في تصميمهما المعماري مع المآذن البالغ عددها سبع مآذن.

ولتسهيل وصول أفواج المصلين إلى سطح التوسعة في المواسم تم إضافة مبنيين للسلالم المتحركة: أحدهما في شمالي مبنى التوسعة، والآخر في جنوبيه، ومساحة كل منهما ٣٧٥ مترًا مربعًا، ويحتوي كلاهما على مجموعتين من السلالم المتحركة، طاقة كل مجموعة ١٥.٠٠٠ شخص في الساعة، كما تم إضافة مجموعتين من السلالم المتحركة داخل حدود المبنى على جانبي المدخل الرئيسي للتوسعة وقد صممت السلالم المتحركة بحيث تستطيع بالإضافة إلى وحدات الدرج الثابت التي تبلغ الثماني خدمة حركة الحجاج والمصلين في أوقات الذروة، لا سيما كبار السن منهم دون عناء، وبذلك يصبح إجمالي عدد مباني السلالم المتحركة سبعة، تنتشر حول محيط الحرم والتوسعة لخدمة رواد الدور الأول والسطح.

وقد بلغ عدد الأعمدة لكل طابق بالتوسعة ٤٩٢ عمودًا مكسوة جميعها بالرخام، وقد بلغت تكاليف مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك فهد لتوسعة المسجد الحرم الشريف بمكة المكرمة بما في ذلك نزع الملكيات حولي 30,178.181.775 ريالاً سعودياً، أي حوالي 165، 818، 316، 11 دولار. واستمر العمل الجاد في هذه التوسعة حتى اكتملت بصورتها النهائية المبتغاة عام ١٤١٤هـ.

– توسعة الملك عبد الله (التوسعة الثالثة)

يتم العمل حالياً على أكبر توسعة للمسجد الحرام والتي بدأت في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز واستكملها من بعده الملك سلمان بن عبد العزيز.

تتم أعمال التوسعة من خلال ثلاثة محاور رئيسية، الأول هو توسعة الحرم المكي ليتسع لمليوني مُصَلٍّ، والثاني الساحات الخارجية، وهي تحوي دورات المياه والممرات والأنفاق والمرافق الأخرى المساندة والتي تعمل على انسيابية الحركة في الدخول والخروج للمصلين. أما الثالث فمنطقة الخدمات والتكييف ومحطات الكهرباء ومحطات المياه وغيرها، وتصل مساحة التوسعة إلى ٧٥٠.٠٠٠ متر مربع، ويشتمل المشروع على توسعة ساحات الحرم من جهة الشامية، تبدأ من باب المروة وتنتهي عند حارة الباب وجبل هندي بالشامية وعند طلعة الحفائر من جهة باب الملك فهد. وهذه التوسعة عبارة عن ساحات فقط ومقترح إنشاء ٦٣ برجًا فندقيًا عند آخر هذه الساحات.

وتوسعة صحن المطاف بإزالة التوسعة العثمانية وإعادة أجزائها وتركيبها لاحقًا بما يتناسب مع التوسعة الجديدة وتوسيع الحرم من الجهات الثلاث وقوفًا عند المسعى، حيث أن المسعى ليس من الحرم وتوسيع الحرم من جهة أجياد، كما تتم تعلية أدوار الحرم لتصبح أربعة أدوار مثل المسعى الجديد حالياً، ثم تعلية دورين مستقبلاً ليصبح إجمالي التعلية ستة أدوار، وتشمل توسعة الحرم من ناحية المسفلة بهدم فندق الإطلالة وفندق التوحيد إنتركونتيننتال.

بدأ العمل في إزالة جسر المطاف المؤقت في ٢٦ جمادى الآخرة ١٤٣٧هـ من الجهة الغربية من صحن المطاف ومن خلال ثماني مراحل كان الأولوية منها في إزالة الحلقة الرئيسية للجسر ومن ثم الجسور الأربعة المؤدية إليها، وانتهت أعمال الإزالة في ٧ شعبان ١٤٣٧هـ. تضمنت أعمال الإزالة تفكيك ٨٤ عمود و ٤١٦ كمرة رئيسية ونقلها خارج المسجد الحرام، وبما لا يؤثر على حركة سير الطائفين. بعد إزالة الجسر المؤقت ارتفعت الطاقة الاستيعابية لصحن المطاف من ١٩ ألف طائف بالساعة إلى ٣٠ ألف طائف بالساعة، ليبلغ عدد الطائفين في جميع أداور الحرم إلى ١٠٧ آلاف طائف في الساعة، كما ظهر صحن المطاف ليتمكن فيه الطائفون من رؤية الكعبة المشرفة مباشرة دون أي عوائق بصرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *