أهمية حفظ المتون العلمية في عصر التشتت المعرفي
28 أبريل، 2025
الأزهـــــر

بقلم الدكتور : فارس أبوحبيب
إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية
– أهمية حفظ المتون العلمية في بناء الملكة الشرعية:
في زمن تتسارع فيه المعارف، وتتشعب المعلومات، يبقى حفظ المتون العلمية ركيزة أساسية في تكوين طالب العلم الشرعي، وإرساء دعائم الفهم الصحيح لعلوم الدين.
وقد أدرك علماء الأمة، منذ القرون الأولى، أهمية المتون المختصرة في تثبيت أصول العلوم، فصنّفوا المختصرات المحكمة في الفقه، والحديث، والعقيدة، والنحو، والتصوف، وغيرها، ليكون حفظها أساسًا لمن أراد التبحر في هذه الفنون.
إن حفظ المتون العلمية لا يقتصر أثره على التلقين المعرفي فقط، بل يتعداه إلى بناء “الملكة الفقهية” و”الملكة اللغوية”، بحيث يتمكن الطالب من التعامل مع المسائل الشرعية واللغوية بأدوات أصيلة، مستمدة من نصوص معتبرة، محررة العبارة، دقيقة البناء.
وهذا المنهج التربوي التراكمي أثمر علماء موسوعيين، كانت بداياتهم مع حفظ المتون ثم شرحها وفهمها وتحليلها.

ومن هنا تأتي أهمية الدورات العلمية المباركة، التي تُعنى بحفظ المتون وشروحها، كالدورة التي يقيمها فضيلة الشيخ الدكتور ياسر حلمي غياتي، وكيل وزارة الأوقاف بالقليوبية، والتي تشتمل على حفظ وشرح متون عظيمة مثل: متن الخريدة البهية في علم العقيدة الإسلامية، ومتن أبي شجاع في الفقه الشافعي، وألفية ابن مالك في النحو، والحِكم العطائية في التصوف، ومتن السلم في المنطق.
وما أجمل أن يُتوَّج هذا الجهد بإجازة علمية موثقة، يمنحها فضيلته للأئمة بعد اختبارهم في الحفظ والفهم!
إن هذه الجهود المباركة تعيدنا إلى منهج العلماء الأوائل، الذين كانوا لا يعتدون بطالب العلم حتى يحفظ متنًا أو متونًا، ويضبطها على الشيوخ ضبطًا تامًا، ثم ينتقل إلى مدارسة الشروح، ثم المطولات.
– فوائد حفظ المتون العلمية:
* اختصار الطريق العلمي: حيث تضع المتون أصول العلم بين يدي الطالب بلغة موجزة جامعة.
* حماية من التشتت: لأن الحفظ الراسخ يمنع ضياع المعلومة في زحمة التفاصيل.
* تحقيق الفهم العميق: إذ لا يمكن فهم شرح أو تحليل دون حفظ الأصل.
* إعداد للبحث والفتوى والتعليم: فطالب العلم الحافظ يستطيع استحضار المسائل بأدلتها متى شاء.
* بناء شخصية علمية قوية: إذ يتربى على الدقة والتحقيق والانضباط.
وقد قال الإمام النووي رحمه الله: “ولا يحصل له [لطالب العلم] الملكة التامة إلا بحفظ المختصرات أولاً”. (مقدمة المجموع)
وقال الإمام السخاوي: “الحفظ أصل عظيم، عليه مدار كثير من العلوم”.
كلمة أخيرة: حفظ المتون ليست مهمة قديمة أكل الدهر عليها وشرب، بل هي روح متجددة للعلم، وحصن منيع ضد التحريف، ومنهج أصيل لبناء العلماء العاملين الذين تعتز بهم الأمة.
فبارك الله في جهود القائمين على هذه الدورات العلمية، وجعلها في ميزان حسناتهم، ونفع بها الأئمة وعموم المسلمين.