حياة الإنسان

بقلم د : علي عبدالله الحامدي


حياة الإنسان طاقة مركزة كالتيار الرئيس المتدفق إلى الأمام باطراد، لكنه أحيانًا يحصل له تشويشات تعرض ذلك التيار إلى اضطرابات وتشتتات كالجداول الصغيرة التي تخرج عن يمين ويسار التيار، لكنها سرعان ما تجف وتظل الطاقة العظمى مركزة في التيار الرئيس ليتدفق بقوة وعنفوان في طريقه إلى الأمام.

وأعظم ما يجعل التيار الرئيس يتذبذب ويضطرب: ما يعرض للإنسان من صدمات وأحزان وغموم وهموم تقوم بصدع تيار طاقته الرئيس وتسريبها على شكل جداول صغيرة عن يمينه وشماله، فتستنزف طاقته، وتكد ذهنه، بل ربما دمرت طاقته بالكلية، وآل أمره إلى تصحره من الداخل، وجفافه الرهيب في باطنه.

وإذا استمر استنزاف تلك الجداول الفرعية لطاقته الرئيسة، فلن تكون الأحداث الصادمة والمحزنة في الحياة الحقيقية هي وحدها ما يستنزفه، بل ستصور له قوى الوهم والخيال أفكارًا وسيناريوهات مؤذية لنفسه ومهدرة لطاقته، تحط من نفسه أمام نفسه، وتصور الناس أعداء ومتربصين له، يتلهفون لرؤية زلاته!

وكلما زادت الجداول الفرعية تدفقًا جف التيار الرئيس لطاقته الحيوية والنفسية اليومية، وصار هو أكثر إيذاء لنفسه من الناس بل من خصومه، وصار يتخيل أشياء لا حقيقة لها، ويتوهم أنه ارتكب زلات هنا وهناك لا تغتفر، وأن عليه الاعتذار عن كل تصرفاته، وكل سلوك من الناس يتوهمه سوءًا منهم بسببه!

وليس هناك ما يحفظ للإنسان تماسك وتدفق تيار طاقته الرئيس أعظم من التوازن في الحياة، ولا يجعل الإنسان متوازنًا في تصوراته وباطنه مثل قرب علاقته بالله، فإنها سكينة وطمأنينة عظيمة تورثه توازنًا وعقلاً، وتغذي روحه وطاقته، وترمم تصدعاته، وتلم شعثه، وتداوي جراحه، وتشفي علله.

والقرب من الله يمنح المرء توازنًا في نظره إلى ذاته، فلا هو يعظمها ولا هو يحتقرها، ويمنحه كذلك توازنًا في نظره إلى الآخرين، فلا يرفعهم فوق منزلته فيتعذب بتملقهم، ولا يهدر حقهم فيأثم بسببهم، بل يعرف حدود الله فيهم، يعاملهم بالعدل والحق والاتزان، فيعطي كل ذي حق حقه، باعتدال وإحسان.

وكذلك القرب من الله يمنح المرء بصيرة ونورًا يفرحه، ويستغني به، ويلهمه طاقة، ويزيد قوته لمواجهة الصدمات والأحزان والاخفاقات وأذى الناس، ويزيل الحساسية المفرطة فيه تجاه الناس، ويدفع عنه الأوهام المتخيلة، ويزرع في قلبه حسن الظن والمسامحة والتجاوز والتغافل، فتكون الحياة هانئة مطمئنة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *