خطبة بعنوان ﴿ زكاةُ الفطرِ ودورُها في التكافلِ المجتمعي ﴾ لفضيلة الشيخ أحمد عزت حسن

خطبة بعنوان «زكاة الفطر ودورها في التكافل المجتمعي»
إعداد فضيلة الشيخ / أحمد عزت حسن

خطبة الجمعة ٢٨ من رمضان لعام ١٤٤٦هـ. الموافق ٢٨ من مارس لعام ٢٠٢٥

العناصر
أولًا: ما أهمية زكاة الفطر؟
ثانيًا: الزكاة على المجتمع
ثالثًا: الحكمة في إخراج الزكاة من جنس الوعاء الزكوي
رابعًا: أيهما أفضل: توزيعها بنفسي أم توكيل غيري؟

الموضوع
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ، “يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا . يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا”، وبعد.

إن الإسلام دين التعاطف والمواساة، دين المودة والمحبة، دين الترابط بين الأغنياء والفقراء، دين التكافل الاجتماعي، دين يقع في مسئولية الجائعين على جيرانهم الأغنياء، فلا يدخل الجنة مع السابقين من بات شبعان، وجاره جائع،
دين فرض للفقراء حقاً في مال الأغنياء، حيث يقول جل شأنه {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: ٢٤-٢٥]
وخصت الشريعة الإسلامية أيام العيد بمزيد من توصية القادرين بالضعفاء والمساكين، ففرضت في عيد الفطر زكاة الفطر، وشرعت الأضحية في عيد الأضحى، توسعة على الأهل، وعلى الفقراء والمحتاجين.

والإسلام يستهدف مجتمعًا متكافلا متواصلا متحابًا متفاعلا كمثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى وتعين إحداهما الأخرى، كما جاء في الحديث عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله ﷺ: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».

ومن هنا شرعت زكاة الفطر في عيد الفطر، وجعلت حقًا للفقير، وقد حددها رسول الله ﷺ وقدرها، كما حدد قدر نصاب الزكاة في الأموال وما يخرج منها.
ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة»

وتُعرّف الزكاة أولًا بأنّها: “إخراج المال بنيّة التعبّد لله تعالى” وقد افترضها الله تعالى على المسلمين في مكّة المكرّمة، ثمّ بيّن نصابها وأحكامها في المدينة المنوّرة في السنة الثانية للهجرة،

أولًا: ما أهمية زكاة الفطر؟
وزكاة الفطر صدقة واجبة معروفة المقدار، يقدمها المسلم لِفِطْرِه من رمضان، وأضيفت الزكاة إلى الفطر، من إضافة الشيء إلى سببه؛ لأن الفطر من رمضان هو سبب وجوبها، فأضيفت إليه؛ لوجوبها به.

فهي زكاة أبدان لا أموال، فهي فريضة مستقلة ليست مرتبطة بالصيام، فهي واجبة على كل مسلم حتى ولو لم يصم رمضان لصغرٍ، أو لعذرٍ من الأعذار المبيحة للفطر.

* وزكاة الفطر من الشعائر الإسلامية البارزة التي يعرفها الجميع بدون استثناء وهي إحدى وسائل التكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي من أجل تخفيف أعباء المعيشة على الأفراد والأسر الفقيرة في يوم العيد، وهو اليوم الذي يوسع فيه أهل اليسار على أنفسهم وأولادهم بصورة لافتة للنظر، وبما أن الفقراء لا يستطيعون فعل ذلك؛ من أجل فقرهم وعوزهم أوجب الإسلام على أتباعه دفع زكاة الفطر في يوم العيد إليهم ولو كان الشيء المبذول قليلًا ما دام يفضل على قوت المعطي في ذلك اليوم،

وأمر ذلك من أجل إدخال السرور والفرح على قلوب المعوزين وأهليهم ليكون سببًا في إشاعة المحبة والإخاء والتراحم بين الناس، وإزالة وإخراج الشحناء والحسد عن قلوبهم.

وقد حث الدين الإسلامي على الرفق بالفقراء بإغنائهم عن السؤال في يوم العيد، فينبغي على المسلم الذي أغناه الله من فضله ألا ينسى أخاه الفقير، وأن يسعى على تهدئة نفسه، وراحة باله من سؤال الناس في ذلك اليوم، حتى يفرح في العيد هو ومن يعول مثلما يفرح أخوه الغني، وقد قال النبي -ﷺ-: (أغنوهم في هذا اليوم عن السؤال) [البيهقي في الكبرى، والدراقطني في سننه] فهذا هو التكافل الاجتماعي وروح الإخاء الإنساني بين أفراد المجتمع المسلم في أعمق صوره.

وفي هذا النص حِكْمتان عظيمتان.
الحِكْمة الأولى: ويعود خيرها على الصائم نفسه. فهي تطهير لصيام المؤمن، مما يكون قد اعتراه من خلل ونقص وتقصير، فتجبر الخلل الواقع في الصوم، كما يجبر سجود السهو الخلل الواقع في الصلاة، قد يقع الصائم في شهر رمضان ببعض المخالفات التي تخدش كمال الصوم من لغو ورفث وصخب وسباب ونظر محرم.

والحِكْمة الثانية: يعود خيرها على غير الصائم، على الفقراء والمساكين من عباد الله المؤمنين، تعميم الفرحة في يوم العيد لكل المسلمين والناس حتى لايبقى أحد يوم العيد محتاجًا إلى القوت والطعام؛ ومشاركة الناس عيدهم، وتغنيهم عن السؤال والشعور بالمذلة في يوم جعله الله فرحة للمسلمين.

كما يعد أثر زكاة الفطر كبيرًا فى المجتمع؛ فهى توفر للفقير وأهله المؤونة التى يحتاجونها يوم العيد، وتنشر الفرحة فى قلوبهم دون حاجتهم إلى سؤال الناس، ولا شك أن لزكاة الفطر أثر عظيم فى تكافل المجتمع وتماسكه؛ إذ إنها تؤثر فى أفراده خاصة، الأمر الذى يؤثر إيجابًا فى مجتمعهم عامة، كما أن زكاة الفطر تَجبُر وتُتمّم صيام المسلم من النواقص والذنوب؛ كى لا يكون نتاج صيامه هو الجوع والعطش فقط، كما جاء عن أبى هريرة، رضى الله عنه: (رُبَّ قائمٍ ليس له من قيامهِ إلَّا السهرُ ورُبَّ صائمٍ ليس له من صومهِ إلَّا الجوعُ والعطشُ)؛ فهى تجبر نقصه، وأخطاءه، وتطهره من المعاصي، فيُقبِل على العيد بنفس راضية، وسعيدة، وهى أيضًا تربط الأفراد ببعضهم، وتؤلف بين قلوبهم، وتنشر الرحمة والمودة بينهم، وتعزز قِيم التعاون، والعطاء، والبذل فى سبيل رضا الله -تعالي-، مما يحقق الرضا، والراحة، والسرور لأفراد المجتمع جميعهم، ويبعد عنهم الحقد،

** أهمية الزكاة في الإسلام
* والزكاة في الإسلام عبادة مالية فيها أهداف روحانية جليلة لمواساة الفقراء ومساعدة المحتاجين
* بالإضافة إلى أنها طهرة للمزكي وأحد محاسن الإسلام الذي جاء بالمساواة والتراحم والتعاطف والتعاون بين أفراد المجتمع ولقطع دابر كل شر يهدد الفضيلة والأمن والرخاء الذي سببه الحرمان والحاجة؛ فهي عبادة مالية شرعها الإسلام لسد الحاجة للفقراء والمحرومين لكي يمكنهم العيش وبما يوفر لهم الأمن الاقتصادي والاجتماعي،

* وتعمل على إشباع حاجات الفقراء وتحقيق العدالة، والتي تعتبر من مقومات الأمن المجتمعي الذي يؤدي إلى الاستقرار والتماسك الاجتماعي.

* والزكاة في الإسلام ليست مجرد عمل طيب من أعمال الخير والبر، ولكنها ركن أساسي من أركان الإسلام، وشعيرة من شعائره الكبرى، وعبادة من عباداته، وعمود من أعمدته، يوصم بالفسق من منعها، فليست إحسانًا اختياريًا ولا صدقة تطوعية، وإنما هي فريضة تتمتع بأعلى درجات الإلزام الخلقي والشرعي، وهي في نظر الإسلام حق للفقراء في أموال الأغنياء، فليس فيها أي معنى من معاني التفضل والامتنان ممن يخرجها على من يعطيها له.

* والزكاة ليست ضريبة تؤخذ من الجيوب، بل هي غرس لمشاعر الحنان والرأفة، وتوطيد لعلاقات التعارف والألفة بين شتى الطبقات، وقد نص القرآن على الغاية من إخراج الزكاة بقوله تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا …) [التوبة ١٠٣]، فتنظيف النفس من أدران النقص.

ثانيًا: أثر الزكاة على المجتمع من آثار الزكاة التي تظهر على المجتمع المنتظم في تأدية الزكاة:
* إقامة المصالح العامّة للمسلمين، والتعاون فيها.
* تثبيت دين الإسلام في نفوس الناس؛ وذلك عند صرف الزكاة للمؤلفة قلوبهم.
* الدفاع عن أمّة المسلمين أمام أعدائها؛ فجزءٌ من مصارف الزكاة يُصرف في الإنفاق والجهاد في سبيل الله.
* حماية المستضعفين؛ وذلك باستفادتهم من سهم الغارمين.
* القضاء على ظاهرة تضخّم الأموال واحتكارها في يد مجموعةٍ قليلةٍ من الأغنياء، وترك باقي الناس فقراء يتكفّفون العيش.
* غرس مشاعر الحنان والرأفة، وتوطيد علاقات التعارف والألفة بين شتى الطبقات. فالزكاة المفروضة ليست ضريبة تؤخذ من الجيوب بل هي أولا غرس لمشاعر الحنان والرأفة وتوطيد لعلاقات التعارف والألفة بين شتى الطبقات.

** والزكاة أول تنظيم مالي في الإسلام وتمتاز بأنها موردٌ مستمرٌ طوال العام عكس الموارد المؤقتة كالفيء والغنائم.
* فقد فرض الله الزكاة في جميع الأموال على اختلافها وتنوعها، فعندنا زكاة الثروة الحيوانية (الغنم والماعز والبقر والجاموس والإبل)،
وعندنا زكاة الثروة الزراعية (ما تخرجه الأرض من ثمار وزروع وفواكه)،
وعندنا زكاة المنتجات الحيوانية (العسل واللبن)، وعندنا زكاة الثروة المعدنية (الركاز والبترول…)،
وعندنا زكاة الثروة البحرية (الأسماك بأنواعها وما يخرج من البحار من لؤلؤ وعنبر)،
وعندنا زكاة الثروة النقدية والذهب والفضة، وعندنا زكاة التجارة (المنتجات الصناعية التي يتوسط التجار في بيعها بين الصانع والمستهلك.

ويذكر الفقهاء هنا أن الزكاة تخرج من جنس المال المزكَّى في جميع أنواع هذه الأموال السابقة إلا في زكاة التجارة، فالمطلوب من التاجر أن يُخرج الزكاة نقدًا، ومثلها: زكاة الحلي.
فكان من جوانب الحكمة التي تكشفت في ذلك أن يحصل الفقير على أنواع هذه الأموال المتعددة، فالفلاح وأصحاب المزارع والبساتين يخرجون من جنس ما يزرعون، فيحصل الفقير على ما يحتاج إليه من الطعام، مثل الأرز والقمح والذرة والخضروات والفواكه.
وصاحب الماشية بأنواعها يخرج منها فيحصل الفقير على اللحم الذي يصيبه الغني نفسه،
وصاحب النقد السائل، ومثله التاجر يخرج نقدًا، فيحصل الفقير على النقد فيشتري به ما لم توفره له أنواع الزكاة الأخرى من الثياب والدواء ونحو ذلك، والمقصود أن أصل مبدأ توزيع الزكاة على الأموال كافٍ في تحصيل أنواع الأموال التي يحتاج إليها الفقير.

** وقد وضع الفقهاء معيارًا للفقير الذي تجب عليه هذه الزكاة وهو وجودُ ما يَفضُلُ عن قوتِهِ، وقوتِ عيالِهِ، وحوائِجِهِ الأصليةِ في يومِ العيدِ وليلتِهِ، فهذا هو المعيار الذي ذكره جمهور الفقهاء بين الفقير الذي تجب عليه هذه الزكاة، والفقير الذي لا تجب عليه.
وبهذا ندرك الخطأ المنتشر عند بعض الإخوة الفقراء اليوم إذ يظنون أنفسهم غير مطالبين بزكاة الفطر؛ لأنهم لا يملكون النقود أو السيولة المادية في جيوبهم!! وهذا الظن غير صحيح، لأن المعيار هو ما ذكرناه قبلُ، إذ ربما لا يملك الفقير النقود ولكنه يملك شيئًا من (المونة) فتجب عليه الزكاة حينئذٍ.

ولعلك تتساءل أخي الكريم عن الغاية من مطالبة الفقير بهذه الزكاة، مع أنه ممن يستحق أخذها لفقره؟!
والجواب واضح؛ حيث إن للشارع الحكيم -سبحانه- هدفًا أخلاقيًا تربويًا -وراء الهدف المالي- من فرض هذه الزكاة على كل مسلم غني أو فقير، وهو تدريبه على الإنفاق في الضراء كما ينفق في السراء، والبذل في العسر، كما يبذل في اليسر.
فمن صفات المتقين التي ذكرها القرآن أنهم: (يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء) (آل عمران: ١٣٤).
وهذا ينطبق على زكاة الفطر باعتبارها نوعًا من أنواع الإنفاق في سبيل الله تعالى، وبهذا يتعلم المسلم -وإن كان فقير المال، رقيق الحال- أن تكون يده هي العليا، وأن يذوق لذة الإعطاء والإفضال على غيره، ولو كان ذلك يومًا في كل عام. أيضًا الفقراء أعرف ببعضهم البعض، فقد يكون ذلك الفقير على علم ببعض رقيقي الحال، فيحسن إليهم، أو يُعرِّف بهم
وحتى يعرف فضل ونعم الله تعالى عليه، وأن هناك من هو أكثر منه فقرًا وأشد حاجةً.

وذلك لما في هذه الزكوات من إشاعة التكافل الاجتماعي وعميق الأخوة ونشر المودة وبث الرحمة بين أفراد المجتمع المسلم، بحيث تجعله كأسرة واحدة متراصة يرحم فيها القوي الضعيف ويحسن فيه القادر إلى العاجز والغني إلى الفقير.. ومن أجل قيام مجتمع التكافل هذا سن الإسلام قواعد تضمن حق الأفراد في كفالة المجتمع لهم عند الفقر والحاجة، وعلى هذا المجتمع أن يتدخل بتوفير أسباب العيش الكريم لهذه الشريحة التي جعل الله لها حقا في أموال الأغنياء.

الزكاة والتكافل الاجتماعي
والتكافل الاجتماعي يعني أن يكون أفراد الشعب في كفالة جماعتهم، وان يكون كل قادر أو ذي سلطان يمد مجتمعه بالخير للمحافظة على تمتين البناء الاجتماعي، وإحساس كل واحد بواجبه في هذا المضمار، وان تقاعسه قد يؤدي إلى انهيار البناء عليه وعلى غيره، ويشمل هذا المفهوم التأمين الإجتماعي والمساعدات الإجتماعية والضمان الإجتماعي.. وبالمفهوم الإسلامي أصل من الأصول التي تنظم العلاقات في المجتمع في مواجهة الظروف الاستثنائية العامة أو الخاصة، وتعبير عملي عن الإخوة الإيمانية، وثمرة لتآزر العلاقات الروحية والاقتصادية والثقافية التي تربط أفراد المجتمع ببعضهم.

 تحقيق التكافل الاجتماعي بنوعية: المعنوي، والمادي.

لقد نجحت الزكاة في العصور الإسلامية السابقة كمؤسسة -متمثلة في بيت المال- والذي كان من مسؤوليات الحاكم، في تحقيق أهدافها في الإسهام بشكل كبير في تحقيق التنمية الاقتصادية، وقد أوضح ذلك الدکتور ناصح علوان في کتابه “التكافل الاجتماعي في الإسلام” قائلا: “لا يخفى أن مبدأ الزكاة حين طبق في العصور الإسلامية السالفة نجح في محاربة الفقر، وأقام التكافل الاجتماعي، ونزع من القلوب حقد الفقراء على الأغنياء … وعود المؤمنين على البذل والسخاء، و هيأ سبل العمل لمن لا يجد مال”.

* يفرض على الأغنياء -مع الزكاة- ما يكفي حاجة الفقراء، ولنا القدوة في صحابة النبي ﷺ الذين أثنى عليهم النبي ﷺ بقوله: «إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة، جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم».

وهكذا تعمل الزكاة على تحقيق التكافل الاجتماعي وإشباع حاجات الفقراء وتحقيق العدالة، والتي تعتبر جميعًا من مقومات الأمن المجتمعي الذي يؤدي إلى الاستقرار والتماسك الاجتماعي، وغرس قيم المحبة والانتماء والولاء بين أفراد المجتمع، ونشر الأمن والطمأنينة في ربوع المجتمع، ويبعد الخوف ويحد من الانحرافات والجرائم في المجتمع، وبدون تحقيق ذلك سوف يختل الاستقرار في المجتمع ويحل التناحر والشقاق، وهما من أهم أسباب الخوف والفزع، ولأن وجود أفراد في المجتمع يعانون الجوع والبؤس والحرمان بجانب وجود أخوه لهم في الوطن أغنياء يؤدي بهم إلى الحقد والحسد مما يدفعهم إلى الاعتداء على الأغنياء وأموالهم وينتشر الانحراف ويعيش المجتمع كله في حالة خوف وترويع مما يفقد معه الأمن، والزكاة من أهم الأساليب التي تحقق التكافل من أجل سد حاجة المحرومين، وبذلك فهي تعمل على استتباب الأمن للمجتمع.

* والزكاة وسيلة من وسائل الإسلام التي اتخذها لتقريب المسافة بين الأغنياء والفقراء، فالإسلام رغم اعترافه بالتفاوت الفطري في الأرزاق بين الناس؛ لكنه لم يدع الغني يزداد غنى، والفقير يزداد فقرًا، فتتسع الشقة بين الفريقين، ويصبح الأغنياء “طبقة” كتب لها أن تعيش في أبراج من العاج، ويصبح الفقراء “طبقة” كتب عليها أن تموت في أكواخ من البؤس والحرمان، بل تدخل الإسلام بتشريعاته القانونية، ووصاياه الروحية والخلقية، لتقريب المسافة بين هؤلاء وأولئك، فعمل على الحد من طغيان الأغنياء، والرفع من مستوى الفقراء. و قد وصل إلزام الإسلام على المسلم أن يعطي لأخيه المحتاج إلى الحد أنه إذا لم تكف الزكاة و الصدقات، فعلى المجتمع ككل أن يشارك بعضه بعضا في الكفاف كما قال الله تعالى: “كي لا تكون دولة بين الأغنياء منكم”، وكما قال الرسول ﷺ: “ليس بمؤمن من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه و هو يعلم”، كما قال رسول الله ﷺ: “أيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعا، فقد برئت منهم ذمة الله و رسوله”.

أما تحقيقها للتكافل المعنوي فمن عدة وجوه أهمها:
* أن دفع الزكاة لمستحقيها، سبب لتأليف القلوب، وتأنيس النفوس، وإشاعة جو من التعاطف والتراحم، والاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع،

* كما أنها سبب لتحقيق التعارف والتواصل بين المؤمنين، وتأكيد الأخوة والمحبة بينهم، وليس شيء أجلب لمحبة الناس، وكسب مودتهم من الإحسان إليهم، ومد يد العون لهم، وإسداء المعروف إليهم، والسعي في مصالحهم، والتخفيف من آلامهم.

* كما أنها سبب لتنمية الروح الاجتماعية بين أفراد المجتمعٍ حيث يشعر دافع الزكاة بعضويته الكاملة في الجماعة، وتفاعله معها، ومشاركته في تحقيق مصالحها، وحل مشاكلها، والنهوض بها. فتنمو شخصيته، وتزكو نفسه، وينشرح صدره، ويرتفع كيانه المعنوي، ويشعر بسعادة غامرة وهو يواسي إخوانه، ويقوم بواجبه تجاه مجتمعه كما يشعر آخذ الزكاة، بقيمته وقدره، وأنه ليس شيئاً ضائعاً، ولا كماً مهملاً، وإنما هو في مجتمع كريم يعنى به ويرعاه، ويأخذ بيده، ويعينه على نوائب الدهر.

* والزكاة تستل سخائم الفقراء، وتزكي نفوسهم من الضغينة والبغضاء، والحسد لأهل المال والثراء، بل تجعل الفقير يدعو لهم بالبركة والزيادة والنماء. وبهذا يتحول المجتمع إلى أسرة واحدة، تجللها المحبة والوفاء، ويسودها التعاون والإخاء.
ويتضح من هذا أن الزكاة لم تكن فقط مجرد إعطاء بعض من المال لإطعام الفقراء، إنما كانت وسيلة حقيقية للقضاء على الفقر و ذلك عن طريق توفير فرص عمل مثل أن يعطى الشاب الفقير رأس مال كي يبدأ تجارة و أن يشتري آلة لحرفة يعلمها بدوره.

وبهذه المواساة اليسيرة يتم التكافل الاجتماعي، وتتم الصلة بين أفراد الأمة ويستغني الفقراء عن أجر العمل أيام العيد، ويستغني الفقير عن ذل السؤال ويشارك الأغنياءَ هو وأولاده بهجتهم،  ولذا قيل بجواز أدائها نقدا مراعاة للمقصود منها والغاية التي شرعت لأجلها ” اغنوهم عن المسألة في هذا اليوم”

أيها الإخوة المؤمنين: إن الدنيا عرَضٌ حاضر، يأكل منه البر والفاجر، وإن الآخرة لوعد صادقٌ يحكم فيها ملك عادل، فطوبى لعبدٍ عمِل لآخرته وحبله ممدود على غاربه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فتوبوا إلى الله واستغفروه وادعوه وأنتم موقونون بالإجابة.

الخطبة الثانية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ﷺ. قاد سفينة العالم الحائرة في خضم المحيط، ومعترك الأمواج حتى وصل بها إلى شاطئ السلامة، ومرفأ الأمان.
أيها الإخوة المؤمنين

في زكاة الفطر يجوزُ أن تُعطيَ الجَماعةُ زكاةَ فِطْرِها لشخصٍ واحدٍ، وأن يُعطِيَ الواحدُ زكاتُهُ لجماعةٍ، أي يجوز دفع زكاة الفطر عن النفر الواحد لشخص واحد، كما يجوز توزيعها على عدة أشخاص.
ويجوزُ نقلُهَا إلى بلدٍ آخرَ للحَاجَةِ.

* ولا يجوز دفعها لمن نفقتهم واجبة عليك، كالأصول والفروع، أمثال الأبوين والأبناء.

* ويجوز دفع زكاة الفطر للأخت المتزوجة إن كانت فقيرة.

– ويتساءل البعض قائلًا هل يجوز التوكيل في إخراجها؟
نعم! يجوز دفع زكاة الفطر إلى الوكيل ومن ينوب عنك من جمعية خيرية أو أشخاص مؤتمنين ونحو ذلك من بداية الشهر، فهو من باب التعاون على البر والتقوى، وليس لذلك وقت مقيد، وقد أديت ما عليك حينئذ،
وتعتبر زكاةً صحيحةً مقبولةً إن شاء الله تعالى.
ويجوز توكيل أحد الأقارب بإخراج زكاة الفطر في وطنه الأصلي والأولى إخراجها في البلد الذي يقيم فيه.
كما يجوز توكيل الأهل في الوطن بإخراجها عن المبتعث أو المسافر وإن كان الأولى إخراجها في البلد الذي أدركه العيد وهو فيه.

– ولكني حينما أقوم بتوزيعها بنفسي فتأكد من إيصال الحق إلى مستحقه، وصيانة حق الفقراء من خطر الخيانة، ومباشرة تفريج كربة مستحقها، وإغنائه بها، مع إعطائها للأولى بها؛ من محاويج أقاربه، وذوي رحمه، وصلة رحمه بها، فكان أفضل، كما لو لم يكن آخذها من أهل العدل.
ولكن حينما أدفعها إلى لجنة أو … أخشى أن لا يقوم الوكيل بصرفها في مصارفها الشرعية، وأن لا يرعى حق الله في هذا المال، أو يظلم بعض أصحاب الحقوق، أو يجامل أقاربه على حساب الآخرين؟

والجواب عن ذلك هو أن تعلم أن هذه المخاوف ليست جديدة فقد عُرضت على النبي ﷺ فعن أنسٍ رضي الله عنه أن رجلًا سأل رسول الله ﷺ فقال: “إذا أديتُ الزكاة لرسولك فقد برئتُ منها إلى الله ورسوله؟” قال: نعم إذا أديتَها إلى رسولي فقد برئتَ منها إلى الله ورسوله فلك أجرها وإثمها على من بدّله. (نيل الأوطار للشوكاني ج٤ ص١٧٤)، وقد ذكر النووي في المجموع ج٦ ص١٣٦ عن سهل بن أبي صالح عن أبيه قال: “اجتمع عندي نفقة فيها صدقة -يعني بلغت نصاب الزكاة- فسألتُ سعد بن أبي وقاص، وأبا هريرة، وأبا سعيد الخدري أن أقسمها -أوزعها بنفسي- أو أدفعها إلى السلطان فأمروني جميعًا أن أدفعها إلى السلطان ما اختلف عليّ منهم أحد”،
وفي رواية عن سهيل بن أبي صالح، قال: أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت: عندي مال، وأريد أن أخرج زكاته، وهؤلاء القوم على ما ترى، فما تأمرني؟ قال: ادفعها إليهم. فأتيت ابن عمر، فقال مثل ذلك، فأتيت أبا هريرة فقال مثل ذلك، فأتيت أبا سعيد فقال مثل ذلك.

– أضف إلى ذلك أنهم أقدر على الوصول إلى مزيد من الفقراء الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، فهناك الكثير من المزكّين لا يعرفون -على وجه التحديد- أصحاب المصارف من الفقراء والمساكين.

* وفائدة دفعها إلى جهات الخير أو الدولة
– أَنَّهُ يَكُوْن أَعْلَمُ بمَصَارِفِهَا فِقْهَاً وَحَالاً، فَيَكُوْنُ مُطَلِعًَا عَلَى حَالِ المُتَعَفِفِ الّذِي يَطْلُبُ حَاجَتَهُ مِنْ الْجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ، وَلاَ يَطْلُبُهَا مِنْ الأَفرَادِ، وَلأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْخِلاَف وَتزُوْلُ عَنْهُ التُهْمَة.

والحكمة في إسناد جمع وتوزيع الزكاة للدولة
إن الإسلام رسالة شاملة هادية، جعلت من هدفها تحرير الفرد وتكريمه. وفي هذا الإطار جاء نظام الزكاة، فلم تجعل من شؤون الفرد، بل من وظيفة الحكومة الإسلامية، فوكل الإسلام جبايتها وتوزيعها على مستحقيها إلى الدولة، لا إلى ضمائر الأفراد وحدها، وذلك لجملة أسباب، لا يحسن بشريعة الإسلام أن نهملها:

أولاً: أن بعض الأفراد، قد تموت ضمائرهم، ويضعف إيمانهم، فلا ضمان للفقير إذا ترك حقه لمثل هؤلاء.

ثانيًا: أيضًا في دفع الزكاة للجنة حفظٌ لكرامة الفقير، فلا يتعرض لمهانة الأخذ ولا لمن من المعطي، بل يحصل على حقه بكرامة، بخلاف إحساسه وهو يأخذها من يد الغني يدًا بيد أو وجهًا لوجه.

ثالثًا: تنظيم توزيع الزكاة على الفقراء والمحتاجين؛ لأن ترك الأمر للأفراد قد يؤدي إلى فوضى في توزيع الزكاة، حيث ينتبه لبعض الفقراء ويضيع أكثرهم.

رابعًا: أن صرف الزكاة ليس مقصورًا على الفقراء والمساكين، بل هناك جهات أخرى، ومصالح عامة للمسلمين، يقدرها أولو الأمر وأهل الشورى، كإعطاء المؤلفة، وإعداد الجيوش، وتجهيز الدعاة.

خامسًا: حاجة الدولة إلى نظام مالي تقيم به نظامها، وتنفذ به مشروعاتها. والزكاة مورد هام دائم لبيت المال.

الدعاء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *