بقلم فضيلة الشيخ : أحمد السيد السعيد
(واعظ عام، وعضو لجنة التحكيم والمصالحات بالأزهر الشريف)
سبحان الله! كنتم بالأمس تصفون البوصيري وأهل المحبة الصادقة بالشرك لمجرد قولهم:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به *** سواك عند حدوث الحادث العممِ
واتهمتم البوصيري بالشرك لمجرد التوسل بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلب شفاعته، رغم أن هذا التوسل تقره النصوص الشرعية من كتاب الله وسنة نبيه، وأجمع عليه سلف الأمة.
ثم اليوم لما توفي الشيخ الحويني (رحمه الله) استعذبتم نفس المعاني ونسبتموها للشيخ، فتقولون:
ومن كأبي إسحاق علمًا ورفعة *** ومن كالحويني إن ألمّت ملمات؟!
فهل صار الحويني هو الملاذ عند نزول الملمات؟
وهل أصبح هو من تُرفع الأكف عند الشدائد بذكره؟!
أم أن الأمر لكم حلال ولغيركم حرام؟!
أليس هذا هو الكيل بمكيالين؟!
أم أنكم إذا ذكر الصوفية النبي الأكرم، إمام الأنبياء وسيد الأولياء -صلى الله عليه وآله وسلم- اتهمتموهم بالغلو، أما إذا ذكرتم مشايخكم جاز لكم ما حرّمتموه على غيركم؟!
نحن لا ننكر الدعاء لأهل الفضل ولا نستنكر الثناء عليهم، ولا ننكر التوسل بمن نظن فيهم الصلاح، ولكن نعجب وننكر ازدواجية المعايير وتناقض الأقوال؛ إذ كيف تستعظمون مدح سيدِنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتستنكرونه، ثم تمدحون مشايخكم بكلمات لو قيلت في البردة لصاح صائحكم: “شرك أكبر”؟!
إن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أولى بالثناء والتوسل والمديح، لأنه باب الله الأعظم، وهو الذي أُمرنا أن نسأل الله له الوسيلة والدرجة الرفيعة، وجعل الله شفاعته حقًا يوم القيامة، أما غيره فهو دونه رتبة وفضلاً مهما علا مقامه عند الناس.
العجيب في قومٍ ما تركوا مناسبة إلا وهاجمونا فيها لأننا نُثني على أولياء الله ونُبجل الصالحين ونعظم مقاماتهم، ثم إذا مات شيخهم، جعلوه في مقام الأنبياء!
شوفوا العبارة:“وكأن المتوفى رسول الله، أنا قلبي وجعني”!
رفعوا شيخهم (الذي نسأل الله أن يرحمه) إلى مقام النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم!
صرّحوا بتشبيه الفجيعة بفقده بفاجعة موت رسول الله، وهي أعظم مصيبة في الإسلام!
أليس هذا هو “الغلو” بعينه؟
أليس هذا هو “التشبه بالأنبياء” الذي طالما خوّفتمونا منه؟
أين ذهبت صرخاتكم حين كنا نُثني على الأولياء أو نذكر مناقب الصالحين؟
أين تحذيراتكم من “رفع المخلوق فوق قدره”؟
أم أن شيخكم يجوز له ما لا يجوز لغيره؟
ألم تكونوا تقولون لنا:
– “لا يجوز تعظيم الصالحين بهذه الطريقة”؟
– “لا ترفعوا مقام الأولياء فوق قدرهم”؟
– “كلمة واحدة منكم قد توقعكم في الغلو والبدعة”؟
اليوم أنتم وقعتم فيما زعمتم الفرار منه!
الخلاصة:
إذا كان الحزن على رسول الله ومحبته ومدح أوليائه عندكم بدعة، فكيف تجعلون شيخكم كأنه النبي؟
وإن كانت المشاعر الجياشة جائزة، فأنتم أول من ظلم الأولياء بإنكاركم محبة الناس لهم ورفع شأنهم.
وهكذا يكيل المتسلفة الوهابية بمكيالين؛ ميزان لشيخهم، وميزان آخر لغيرهم.
