مفارقات سلفية في جنازة الشيخ الحويني
19 مارس، 2025
الوهابية ومنهجهم الهدام

بقلم فضيلة الشيخ : أحمد السيد السعيد
(واعظ عام، وعضو لجنة التحكيم والمصالحات بالأزهر الشريف)
لا يمكن للمتابع المنصف للمشهد السلفي المعاصر إلا أن يلحظ حجم المفارقات العجيبة التي ظهرت جلية في جنازة الشيخ أبي إسحاق الحويني -رحمه الله-، والتي كشفت مرة أخرى عن إشكالية الازدواجية في المعايير داخل هذا التيار، بين ما يُحرّم على الآخرين ويُستباح لأنفسهم.
لقد شهدنا دعوات واسعة من أتباع الشيخ ومحبيه إلى استخراج التأشيرات والسفر لحضور جنازته في قطر، بل اعتُبر ذلك نوعًا من الوفاء والتقدير للشيخ رحمه الله. والسؤال الذي يطرح نفسه: ألم يكونوا هم من ينهون عن شدّ الرحال لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويصفونه بالبدعة؟
ألم يعلموا أن المقارنة بين قبر نبي الأمة وجنازة بشر مهما بلغت منزلته العلمية، لا تقبل عقلًا ولا شرعًا؟
ثم رأيناهم يقيمون الدعاء الجماعي للشيخ في جنازته، وقد أُغلق الشارع وارتفعت الأصوات بالتأمين، بينما يعلم القاصي والداني أن هذا التيار ذاته، طالما شدّد على أن الدعاء الجماعي بعد الدفن “بدعة محدثة”، لا أصل لها في السنة، بل وربما شنعوا على غيرهم من أهل الطرق والطرق الصوفية لو فعلوا ذلك في مواقف مماثلة.
ولم تقف المفارقة عند حدود الشعائر، بل تجاوزتها إلى ما هو أوسع، حيث انتشرت بين أتباعهم الرؤى والمنامات التي تبشّر بحسن خاتمة الشيخ ومكانته في الآخرة، مع أن هذا الخطاب كان يُحذّر باستمرار من الاحتجاج بالرؤى في الحكم على الأشخاص أو المآلات، ويراها دليلًا ضعيفًا إن جاءت من غير محيطهم الفكري.
حتى في التغطيات الإعلامية والمرئية استعانوا بالمؤثرات الصوتية، وربما الموسيقى، في نشر الفيديوهات التذكارية للشيخ الراحل، وهم أنفسهم مَن يحذّرون الشباب صباح مساء من “الموسيقى والمعازف”، ويعدّونها من الموبقات.
هذه المفارقات لم تكن مجرد اجتهادات فردية معزولة، بل تعكس نمطاً راسخًا في العقلية السلفية المعاصرة، التي تمارس التشدد مع الآخر، والتيسير مع أنفسهم، وفق مقاييس غير ثابتة.
والأخطر من ذلك، أن هذا الخطاب المتناقض يغذي في نفوس الشباب العوام شعورًا بالتفوق والاستعلاء الفكري على سائر المسلمين، ويزرع فيهم رفض الآخر مهما كان من أهل العلم والصلاح.
إن وفاة الشيخ الحويني -رحمه الله- مناسبة للدعاء له بالرحمة والمغفرة، لكنها -أيضًا- فرصة للمراجعة والتوقف مع هذه الحالة من التناقض الفكري التي تعاني منها بعض التيارات. لعلنا نعود إلى منهج الاعتدال الذي يجمع الأمة، بعيداً عن الغلو، والتعصب، والتناقض.