أحكام الصيام

بقلم فضيلة الشيخ الدكتور : أيمن حمدى الحداد

 

الدرس الثالث : أحكام الصيام

مع الدرس :
الحمدُ لله وكفى وصلاةً وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد؛ فيا عباد: لقد من الله عز وجل علينا بصيام رمضان وفى درس الليلة سوف نتاول بعض الأحكام المتعلقة بالصيام.

الصيام لغة: الإمساك عن الشىء، قال تعالى حكاية عن مريم عليه السلام: ﴿إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً﴾(مريم: ٢٦)،
والصيام شرعاً: إمساك مخصوص بشرائط مخصوصة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بنية مخصوصة؛ قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾(البقرة: ١٨٧)، ومعناه الإمساك عن شهوتى البطن والفرج من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله عز وجل.

– وصيام رمضان ركن من أركان الإسلام الخمسة، ولقد فُرض صيام شهر رمضان فى شعبان من السنة الثانية للهحرة؛ قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾(البقرة: ١٨٥)، وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله ﷺ: «بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ شَهادةِ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وصَومِ رمضانَ وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلًا» رواه البخارى.

هذا ولقد أجمع المسلمون على فريضة صيام شهر رمضان؛ فلو أنكر فريضيته منكر كفر والعياذ بالله.

– ويجب صيام رمضان إما برؤية الهلال، أو باستكمال شهر شعبان ثلاثين يوماً عند تعذر رؤية هلال رمضان؛ قال رسول الله ﷺ: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً» متفق عليه.

ومذهب جمهور الفقهاء؛ أنه إذا ظهر الهلال فى قطر وجب الصيام على كل المسلمين فى سائر الأقطار فاحتلاف المطالع لا يؤثر عندهم، وذهب الإمام الشافعي وجماعة من الحنفية إلى القول باختلاف المطالع.
ويجب الصيام على كل مسلم، مكلف بالغ عاقل، مطيق للصوم، صحيح، مقيم، غير معذور. ولا يصح إلا من مسلم، كما يشترط لصحته شروط منها: نقاء المرأة من الحيض والنفاس.

وينغى تدريب وتعويد الصبيان على الصيام؛ فإن الطفل قبل بلوغه لا يجب عليه الصوم بإجماع المسلمين، لكن يجب على وليه أن يأمره به إذا بلغ سبع سنين، وكذا بقية الطاعات؛ فعن الربيع بنت معوذ قالت: «كنا نصوم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذاك حتى يكون عند الإفطار» متفق عليه.

أركان الصيام :

– الركن الأول: النية: قصد الصوم، والدليل على أن النية ركن لصحة الصيام، قوله ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» رواه البخاري ومسلم.

ويُشترط لصوم رمضان تبْييت النية ليلاً؛ فعن حفصة رضي الله عنها: قال رسول الله ﷺ: «من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له» رواه أحمد وأصحاب السنن.

فمن عقد قلبه ليلاً أنه صائم غداً فقد نوى، وكذلك ما لو تسحَّر بنية الصوم غداً.. فمن أراد صيام رمضان فإنه لا بد له من نية مستقلة لكل يوم، لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة فلا بد لها من نية، هذا مذهب جمهور العلماء من الحنفية والشافعية والحنابلة،

وقال مالك وهو رواية عن أحمد: تكفي نية واحدة عن رمضان كله.

ولا يُشترط تبييت النية لصيام النافلة ليلاً؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ رسول الله ﷺ ذات يوم فقال: هل عندكم شيء؟ فقلنا: لا. قال: فإني إذن صائم. ثم أتانا يوماً آخر فقلنا يا رسول الله: أهدي لنا حيس، فقال: أرينيه فلقد أصبحت صائماً فأكل» رواه مسلم.
– الركن الثاني: الإمساك عن جميع المفطرات من طعام، وشراب، وجماع، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ قال تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾(البقرة: ١٨٧)، والمراد بالخيط الأبيض والخيط الأسود، بياض النهار وسواد الليل.
. آداب يُستحب للصائم أن يحافظ عليها

ـ السحور: فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً» رواه البخارى ومسلم.

– يستحب تأخير السحور: لما روي عن أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «تسحرنا مع النبي ثم قام إلى الصلاة قلت: كم كان بين الأذان والسحور قال :قدر خمسين آية» رواه البخارى ومسلم.

ومن فوائد السحور أنه يُقوى ويُعين الصائم على القيام بأعماله؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «السُّحُورُ أَكْلَةٌ بَرَكَةٌ فَلا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ» رواه أحمد.

ويستحب أن يجعل المسلم فى سحوره شىء من التمر؛ فعن أبي هريرة رض الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «نعم سحور المؤمن التمر» رواه أبو داود.

ـ تعجيل الفطر: فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ :«لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» رواه البخارى.
ـ الإفطار على تمر، فإن لم يكن فعلى رطب، لما فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرَاتٌ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُمَيْرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» رواه الحاكم وحسنه الترمذي.
ـ الدعاء عند الإفطار: فعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ» رواه بن ماجه.

قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي».

وعن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: «ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ، الإِمَامُ العَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الغَمَامِ، وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بعد حين» رواه الترمذي.

ـ البعد عما يتنافى مع الغاية من الصيام؛ من المعاصي الظاهرة والباطنة، فيصون الصائم لسانه عن اللغو والكذب، والغيبة والنميمة، والفحش والجفاء، والخصومة والمراء، ويكف جوارحه عن جميع الشهوات والمحرمات.

. أشياء لا تؤثر في صحة الصيام :

مَنْ أكل أوْ شرِبَ ناسِيًا فلا يُفطِرُ ، فإنَّما هو رِزقٌ رزَقهُ اللهُ؛ فعن أبى هريرةرضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «إذا أكَلَ الصَّائمُ ناسِيًا، أو شرِبَ ناسِيًا، فإنَّما هو رِزقٌ ساقَه اللهُ إليه، ولا قَضاءَ عليه» رواه الدارقطنى.

– الاكتحال فى نهار رمضان.

– من غلبه القىء ولم يبتلع شىء منه فصومه صحيح.

– وضع القطرة فى العين فى نهار رمضان.

– أخذ الدم بغرض التحاليل الطبية.

– استعمال السواك وكذا فرشاة تنظيف الأسنان بشرط ألا يبتلع شىء يصل إلى الجوف.

– المضمضة والاستنشاق بدون مبالغة؛ لحديث لقيط بن صبرة قال ﷺ: «بالَغ في الاستِنشاقِ إلَّا أن تَكونَ صائمًا» رواه أبو دواد والترمذى.
– الإغتسال والتبرد بالماء فى نهار رمضان؛ لما روى أن رسول الله ﷺ «كان يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ مِنَ الْعَطَشِ أو مِنَ الْحَرِّ» رواه أحمد.

– الحقن عن طريق الجلد سواء كان فى العضل أو فى الوريد ما كانت على سبيل التداوى.

– الحجامة فى نهار رمضان؛ فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: «أن النبيَّ ﷺ احْتَجَمَ وهو مُحْرِمٌ، واحْتَجَمَ وهو صَائِمٌ» رواه البخاري.

– بَلْع ما لا يمكن التحرز عنه كالريق، وغبار الطريق، كما يُباح شَمُّ الروائح الطيبة.

مبطــلات الصيــام :

– الأكل والشرب عمداً يبطل الصوم.

-الاستقاءة عمداً؛ بمعنى أن يَتعمد الصائمُ إخراج القيء من جوفه، فإن فعل ذلك؛ بطل صومه.

– يبطل الصوم بالجماع بالتقاء الختانين؛ ويجب عليه الإمساك بقية اليوم لحرمة زمن رمضان، وقضاء صوم ذلك اليوم الذي أفسده، ويجب عليه مع القضاء للصوم الكفارة وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع صيام شهرين متتاليين؛ أطعم ستين مسكيناً.

-الحيض والنفاس؛ فنزول دم الحيض والنفاس، في نهار الصوم يبطل صيام المرأة، ولو بلحظة قبل غروب الشمس، وهذا بإجماع أهل العلم؛ فعن أبى سعيد الخدري أن النبي ﷺ قال: «أليس إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم» أخرجه البخاري ومسلم.

– نية الفطر: فمن أن يفطر بطل صومه وإن لم يتناول شيئاً.

من يُرخـص لهـم الفطــر :

– الصنف الأول: من يُرخص لهم في الفطر ويجب عليهم القضاء، ولا تجب عليهم الفدية؛

– المريض الذى يُرجى شفاؤه، والمسافر؛ قال تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾

– الصنف الثانى: الذين تجب عليهم الفدية ولا قضاء عليهم؛

– المريض الذى لا يُرجى شفاء مرضه، والشيخ الكبير والمرأة العجوز؛ قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ قال: كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة وهما يطيقان الصوم أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكيناً.. رواه أبو دواد.

فالمريض الذي لا يُرجى شفاء مرضه، والشيخ الكبير والمرأة العجوز، هؤلاء جميعًا يُرخص لهم في الفِطر في نهار رمضان إذا كان الصيام يُجهدهم ويشق عليهم مشقة شديدة في جميع فُصول السنة، وعليهم أن يُطعموا عن كل يوم مسكينًا.

– والحبلى والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا؛ قال ابن عباس وعلى الذين يطيقونه قال: أثبتت للحبلى والمرضع.

– مقدار الإطعام: هو صاع أو نصف صاع نبوي، أو مُد من تمر أو بُرٍّ أو أُرز، أو غيره مما يحصل به الإطعام.

– كيفية الإطعام: لها صُورتان:

الصُورة الأولى: يصنع طعامًا فيدعو إليه الفُقراء أو المساكين بحسب الأيام التي عليه، فيُغديهم أو يُعشيهم.

الصورة الثانية: يُعطي كل فقير أو مسكين طعامًا غير مطبوخ، ويقوم الفقير أو المسكين بإعداده بنفسه، ويُستحسن أن يجعل معه ما يُؤدمه من لحم وغيره.

– القول الراجح أن من جاز له الفِطر وزال عُذره أثناء النهار، لا يلزمه الإمساك في بقية اليوم، مثل المُسافر إذا قدم بلده وهو مُفطر، فالواجب عليه هو القضاء فقط، ومثله الحائض والنُّفساء إذا طهُرتا أثناء النهار لا يلزمها الإمساك في بقية اليوم.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا في أمرنا واجعلنا من الراشدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كتبه راجى عفو ربه : أيمن حمدى الحداد
الأثنين ٣ رمضان ١٤٤٦ هجرياً
الموافق ٣ مارس ٢٠٢٥ ميلادياً

اترك تعليقاً