السرقة والموت

بقلم الشيخ : محمد أبو النصر
الكاتب والباحث فى الشريعة الإسلامية

 

(قصة سرقة غابت فيها الرحمة وانتصرت القسوة وانتهت بربطة الموت)

● قام شخص بسبب الجوع بسرقة جزء من سيارة بعض الناس فانهال عليه الأشخاص الذين سرق منهم بضربه وربطه لمدة 12 ساعة حتى توفي.

● في ظل ظروف قاسية، حيث الجوع يُلجم الإنسان ويُفقده القدرة على التفكير، قام رجل بسرقة اجزاء بعض السيارة ليُطفئ نار جوعه. لكن الذين سرق منهم، بدلًا من أن يُلقوا نظرة شفقة على حاله، أو أن يتذكروا أن الجوع قد يُخرج الإنسان من إنسانيته، قاموا بضربه بقسوة، ثم ربطوه بحبل اليأس لمدة اثنتي عشرة ساعة، حتى أسلم روحه من شدة الألم والعذاب. لقد مات الرجل، ولكن هل ماتت معه قسوة القلوب؟ أم أن الجوع والظلم سيظلان يُخيمان كسحابة سوداء تنتظر من يُزيحها بلمسة إنسانية؟

 السرقة والعقوبة في الشريعة الإسلامية: موازنة بين العدل والرحمة
● السرقة جريمة تُخلّ بالتوازن الاجتماعي وتُهدد أمن المجتمع واستقراره.

وقد وضعت الشريعة الإسلامية أحكامًا دقيقة لمعالجة هذه الجريمة، مع مراعاة العدل والرحمة، وحفظ حقوق الأفراد والمجتمع.

وفي حالة السرقة التي نتحدث عنها، حيث قام الناس بضرب السارق وربطه حتى الموت، يجب أن ننظر إلى هذا الحدث من منظور شرعي شامل، مستندين إلى القرآن الكريم والسنة النبوية، وفقه المقاصد الشرعية.

● حكم السرقة في الشريعة الإسلامية

السرقة جريمة محرمة في الإسلام، وقد ورد تحريمها في القرآن الكريم والسنة النبوية. يقول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38].

هذه الآية تُبين أن عقوبة السرقة هي قطع اليد، ولكنها مشروطة بشروط دقيقة، منها أن تكون السرقة من حرز، وأن تبلغ النصاب المحدد، وأن لا يكون للسارق عذر شرعي يدفعه للسرقة.

● شروط تطبيق حد السرقة

لا يُطبق حد السرقة إلا بعد توفر شروط معينة، منها:

1- بلوغ النصاب: أن تكون المسروقة تبلغ قيمة معينة (نصابًا) محددًا شرعًا.
2- السرقة من الحرز: أن تكون المسروقة محفوظة في مكان محكم.

 

3- عدم وجود شبهة: أن لا يكون للسارق حق أو ملكية في المسروقة، أو أن يكون لديه عذر شرعي كالجوع الشديد.

وفي حالة عدم توفر هذه الشروط، لا يُطبق الحد، وقد يُعاقب السارق بعقوبة تعزيرية تتناسب مع جرمه.

● حكم قتل السارق من قبل الأفراد

في الحالة المذكورة، حيث قام الناس بضرب السارق وربطه حتى الموت، يجب أن ننتبه إلى أن العقوبات في الإسلام هي من اختصاص القضاء الشرعي، وليس للأفراد أن ينفذوا العقوبات بأنفسهم. يقول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}[الإسراء: 33]. قتل السارق دون محاكمة شرعية يُعتبر تعديًا على حق الله وحق الإنسان، وهو محرم شرعًا.

●عقوبة الذين قتلوا السارق

من قتل السارق دون وجه حق، فقد ارتكب جريمة قتل عمد، وعليه أن يُحاسب شرعًا. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا” [رواه البخاري].
وهذا يدل على خطورة القتل بغير حق، سواء كان الضحية مسلمًا أو غير مسلم.

● فقه المقاصد والموازنة بين العدل والرحمة

الشريعة الإسلامية تهدف إلى تحقيق مقاصد عديدة، منها حفظ النفس، وحفظ المال، وحفظ النظام العام. وفي حالة السرقة، فإن العقوبة الشرعية (قطع اليد) تُعتبر رادعة، ولكنها أيضًا تحفظ حق السارق في الحياة والكرامة.

أما قتل السارق دون محاكمة، فإنه يُخل بهذه المقاصد، حيث يُهدر حق الحياة، ويُسبب الفوضى في المجتمع.

● كيفية التعامل مع السارق

1. التسامح والعفو : إذا كان السارق في حالة جوع أو فقر، فيجب على المجتمع أن يساعده بدلًا من معاقبته. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له”[رواه مسلم].

2. التقاضي الشرعي : إذا كانت السرقة تستوجب العقوبة، فيجب أن يتم ذلك عبر القضاء الشرعي، وليس عبر الأفراد.

3. التعزير: إذا لم تتحقق شروط الحد، فيمكن أن يُعاقب السارق بعقوبة تعزيرية تتناسب مع جرمه، كالسجن أو الغرامة.

● الخاتمة :

الشريعة الإسلامية جاءت لتحقيق العدل والرحمة، وحفظ حقوق الأفراد والمجتمع.
وفي حالة السرقة، يجب أن نتعامل معها بحكمة وعدل، دون تجاوز الحدود الشرعية.
قتل السارق دون محاكمة شرعية يُعتبر جريمة في الإسلام، ويجب أن يُحاسب فاعلوها. وعلى المجتمع أن يسعى لمساعدة المحتاجين، وتوفير سبل العيش الكريم، حتى لا يضطر أحد للسرقة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *