تعجيل إخراج الزكاة في شعبان : بين الضرورة الشرعية والمصلحة الاجتماعية

بقلم فضيلة الشيخ : مخلف العلي القادري الحذيفي
خادم الطريقة القادرية البريفكانية العلية

 

 

مقدمة

الزكاة ركن من أركان الإسلام، وهي وسيلة لتطهير المال وتحقيق التكافل الاجتماعي بين المسلمين. ومع اقتراب شهر رمضان، يعتاد كثير من الناس تأخير إخراج زكاتهم إلى أواخر الشهر أو ليلة العيد، ظنًا منهم أن ذلك أكثر فضلاً. غير أن هذا التأخير قد يُلحق الضرر بالفقراء، الذين يحتاجون إلى الزكاة مبكرًا للاستعداد لشهر رمضان الكريم. ولهذا، فإن تعجيل إخراج الزكاة في شعبان يُعد خيارًا شرعيًا مشروعًا، بل ومستحبًا إذا دعت الحاجة.

أهمية إخراج الزكاة في شعبان

1. تخفيف معاناة الفقراء قبل رمضان

شهر رمضان شهر الصيام والعبادة، ويحتاج الفقراء إلى تحصيل ما يكفيهم من طعام وشراب قبل حلوله، حتى لا يدخلوا الشهر الكريم في ضيق وحاجة. تأخير الزكاة إلى أواخر رمضان يجعلهم يعانون في بدايته، بينما لو أُخرجت في شعبان، لتمكنوا من الاستعداد للصيام براحة واطمئنان.

2. تحقيق المقصد الشرعي من الزكاة

الزكاة شُرعت لإغناء الفقراء وكفايتهم، لا لجعلهم ينتظرون المساعدة في أوقات محدودة فقط. وقد قال رسول الله ﷺ:
“أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم” (رواه البيهقي)،
أي يوم العيد، ولكن لا يعني ذلك حصر إعطائهم في نهاية رمضان فقط، بل ينبغي مساعدتهم قبل ذلك ليعيشوا رمضان بكرامة.

3. اتباع هدي النبي ﷺ والصحابة

كان النبي ﷺ وأصحابه لا يؤخرون الزكاة عن وقتها، وكانوا يقدمون العطاء للفقراء متى ما احتاجوا، ولم يحددوا إخراج الزكاة في رمضان فقط. قال ابن عباس رضي الله عنه:
“كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه كل ليلة فيدارسه القرآن، فلرسول الله ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة” (متفق عليه).
لكن هذا لا يعني أن جوده كان مقتصرًا على رمضان، بل كان مستمرًا طوال العام.

4. تيسير وصول الزكاة إلى مستحقيها دون ازدحام

عند تأخير الزكاة إلى أواخر رمضان، قد يؤدي ذلك إلى تكدس الأموال بيد الجمعيات الخيرية أو القائمين على توزيعها، مما يجعل عملية التوزيع متأخرة، فلا تصل إلى الفقراء في الوقت المناسب.

الأدلة الشرعية على جواز تعجيل الزكاة وإخراجها قبل رمضان

1. حديث العباس رضي الله عنه

ورد في الحديث أن النبي ﷺ أذن للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه بتعجيل زكاته قبل حلول الحول، فقال:
“إنا قد تعجلنا زكاة مالنا قبل أن تحل، فرخص لنا رسول الله ﷺ في ذلك” (رواه أبو داود والترمذي).
وهذا دليل واضح على أن تعجيل الزكاة جائز، خصوصًا إذا دعت الحاجة، مثل حاجة الفقراء في شعبان.

2. قول الإمام النووي رحمه الله

قال الإمام النووي:
“يجوز تعجيل الزكاة لحولين، إذا كمل النصاب، وهو الصحيح عند أصحابنا، ودليله ما سبق في الحديث الصحيح في تعجيل زكاة العباس.”
فتعجيل الزكاة لا يقتصر على شهر رمضان، بل هو جائز قبل ذلك، لا سيما عند الحاجة.

المصلحة الاجتماعية والاقتصادية لتعجيل الزكاة

1. التخفيف عن الجمعيات الخيرية
عند تأخير الزكاة إلى أواخر رمضان، تتكدس الأموال في وقت واحد، مما يؤدي إلى صعوبة التوزيع العادل والسريع. أما تعجيلها في شعبان، فإنه يضمن وصول الأموال إلى المحتاجين في وقت مناسب.

2. مساعدة الفقراء في التحضير لرمضان
كثير من العائلات المحتاجة تعاني من ضيق اليد في نهاية شعبان، ومع حلول رمضان تصبح الأسعار مرتفعة، لذا فإن تقديم الزكاة في هذا الوقت يسهل عليهم تدبير حاجاتهم.

3. تحقيق روح التكافل بين المسلمين
إخراج الزكاة مبكرًا يعكس وعي المسلم بحاجة إخوانه، ويخلق شعورًا بالمسؤولية الاجتماعية، حيث يشعر الفقراء بأن هناك من يهتم لأمرهم قبل دخول رمضان.

دعوة للعمل: لنُخرج زكواتنا في شعبان

بناءً على ما سبق، فإن تعجيل إخراج الزكاة في شعبان عملٌ مستحب، بل قد يكون واجبًا إذا كان الفقراء بحاجة ماسة إليها. لذلك، ينبغي للمسلمين أن يتعاونوا في هذه السنة الحسنة، وأن يجعلوا شعبان شهرًا للعطاء، حتى يدخل الفقراء شهر رمضان في حال من السعة والطمأنينة.

خاتمة

إن تعجيل إخراج الزكاة في شعبان ليس مجرد اجتهاد شخصي، بل هو أمر تدعمه النصوص الشرعية والفتاوى الفقهية، ويحقق فوائد عظيمة للمحتاجين، مما يجعله خيارًا مستحبًا بل وربما مطلوبًا عند الحاجة الماسة. نسأل الله أن يجعلنا من أهل الصدقة والإحسان، وأن يعيننا على تفريج كرب المحتاجين قبل دخول الشهر الكريم.

اللهم اجعلنا من عبادك المتصدقين، ووفقنا لإخراج زكاتنا في وقتها النافع، وارزق الفقراء من فضلك يا أرحم الراحمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *