من فضائل شهر شعبان
2 فبراير، 2025
منبر الدعاة

بقلم فضيلة الشيخ الدكتور : أيمن حمدى الحداد
الحمد لله الواحد القهار، مقلِّب القلوب والأبصار، مكوِّر الليل على النهار، ومكوِّر النهار على الليل، وأشهد أن محمداً عبدالله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين أما بعد؛ فيا عباد الله: لقد اقتضت حكمة الله عز وجل أن يجعل لعباده المؤمنين مواسم للخيرات، فكلما انتهى موسم أردفه آخر حتى لا يخلو الزمان من وقت للعبادة فاضل، ومن هذه المواسم شهر شعبان وإنما سُمى بذلك لتشعب الخير فيه، وتنوع الطاعات والقربات.
قال أبوبكر البلخي: شهر رجب شهر الزرع، وشهر شعبان شهر سقي الزرع، وشهر رمضان شهر حصاد الزرع.
عباد الله: إن لشعبان فضائل عظيمة من ذلك؛
– شعبان أحب الشهور إلى سيدنا رسول الله ﷺ؛ فعن عائشة رضي الله قالت: «كانَ أحبَّ الشُّهورِ إلى رسولِ اللَّهِ ﷺ أن يصومَهُ شَعبانُ، بل كانَ يصلُهُ برَمضانَ» رواه النسائي وأحمد.
– شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله عز وجل؛ فعن أسامة بن زيد رضى الله عنهما قال: قلت يا رسولَ اللهِ لم أرَك تصومُ من شهرٍ من الشُّهورِ ما تصومُ شعبانَ؟! قال: «ذاك شهرٌ يغفَلُ النَّاسُ عنه بين رجبَ ورمضانَ وهو شهرٌ تُرفعُ فيه الأعمالُ إلى ربِّ العالمين وأُحِبُّ أن يُرفعَ عملي وأنا صائمٌ» رواه النسائي.
– فبين سيدنا رسول الله ﷺ أن من أسباب صومه فى شعبان أنه شهر ترفع فيه الأعمال فأَحَبَّ أن يكون وقت رفع عمله في طاعة لله عز وجل.
– وبين ﷺ أن شعبان يقع بين شهرين جليلين وهما رجب وهو شهر حرام، ورمضان وهو شهر الصيام، فيهتم الناس بهذين الشهرين ويغفلون عن شعبان فأحبَّ أن يكثر من ذكر الله وطاعته عند غفلة الناس؛ لأن العبادة وقت الغفلة مضاعفة الأجر والمثوبة؛ فعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «العبادة في الهرج كهجرة إليَّ» رواه مسلم.
– كان سيدنا رسول الله ﷺ يكثر من صيام شعبان؛ فعن عائشة رضى الله عنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لاَ يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ صِيَاماً مِنْهُ فِي شَعْبَانَ» متفقٌ عليه.
قال ابن رجب رحمه الله: صيام شعبان كالتمرين على صيام رمضان، لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة، بل قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام، ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط.. لطائف المعارف.
– وكذلك فإن من أجل فضائل شهر شعبان أنه نزل فيه قول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾(الأحزاب: ٥٦)، فليكثر المسلم من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله ﷺ؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «من صلى عَلَيَّ صلاةً ؛ صلى اللهُ عليه عشْرًا، وحُطَّتْ عنه عَشْرُ خطيئاتٍ، ورُفِعَتْ له عَشْرُ درجاتٍ» رواه النسائي وابن حبان.
ومعلوم أن كثرة الصلاة على سيدنا رسول الله ﷺ فيها الخير كله؛ فعن أبى بن كعب رضي الله عنه قال: «قلتُ يا رسولَ اللهِ! إني أُكثِرُ الصلاةَ عليك، فكم أجعلُ لك من صلاتي؟ فقال: ما شئتَ، قلت: الربعَ؟ قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلتُ: النصفَ؟! قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلت: فالثُّلُثَيْنِ؟ قال: ما شئتَ، فإن زدتَ فهو خيرٌ لك، قلتُ: أجعلُ لك صلاتي كلَّها؟! قال: إذًا تُكْفَى همَّك، ويُكَفَّرُ لك ذنبَك» ابن حجر.
– ومن فضائل شعبان أن الله عز وجل فرض على المسلمين صيام رمضان لليلتين خلتا من شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة.
– وكذلك فإن تحويل القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام كان فى شعبان.
فدلنا ذلك على مَزِيَةٍ تُرتجى فى شعبان، ومن هنا ينبغى للمسلم أن يغتنم هذا الشهر فى عمل الصالحات تهيئةً للنفس واستعدداً لرمضان من ذلك؛
– صيام التطوع في شهر شعبان؛ فالصيام من أفضل الأعمال التي يتقرب بها إلى الله عز وجل لأنه سنة نبوية كان يداوم عليها سيدنا رسول الله ﷺ في شهر شعبان، ولأن الصيام يغرس الإخلاص فى القلب لذلك يتولى الله عز وجل الإجزاء عليه؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ﷺ: «قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِي به» رواه البخارى ومسلم.
وكذلك فإن الصيام نجاة لصاحبه من النار؛ فعن أبى سعيد الخدرى قال: قال رسول الله ﷺ: «من صامَ يَوْمًا في سَبيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» رواه البخارى.
– تلاوة القرآن الكريم؛ إنها من أجل القربات إلى الله عز وجل قال تعالى: ﴿إن الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ﴾(فاطر: ٢٩)، وعن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله ﷺ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثلُ المُنَافِقِ الَّذِي يقرأ القرآنَ كَمَثلِ الرَّيحانَةِ ريحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثلِ الحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ» رواه البخارى.
قال سلمةُ بن كهيل: كان يُقال: شهرُ شعبان شهرُ القرَّاء، وكان عمر بن قيس إذا دخل شعبانُ أَغْلق حانوتَه، وتفرَّغ لقراءة القرآن.
– المحافظة على قيام الليل؛ فينبغي للمسلم ألا يغفل عن قيام الليل ولو بركعتين في جوف الليل؛ فعن أبى الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «عليكمْ بقيامِ الليلِ فإنَّه دأبُ الصالحينَ قبلكمْ، وقربةٌ إلى اللهِ تعالى، و منهاةٌ عنِ الإثمِ، و تكفيرٌ للسيئاتِ، و مطردةٌ للداءِ عنِ الجسدِ» رواه السيوطى.
– الصدقة من أفضل الأعمال المستحبة في شهر شعبان فهي من أبواب الخير؛ فعن عقبة بن عامر قال قال رسول الله ﷺ: «كل امرئٍ في ظِلِّ صَدَقَتِه حتى يُقْضَى بين الناسِ» رواه أحمد وابن حبان.
قال يزيد: فكَانَ أبُو مرثدٍ لا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إلَّا تَصَدَّقَ فيهِ بِشيءٍ، و لَوْ كَعْكَةً أوْ بَصَلَةً…
– صلة الأرحام من أحب الأعمال الى الله في شهر شعبان؛ فيتواصل مع الأقارب ويترك الخلافات؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: «من سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» رواه البخارى.
– المدوامة على الاستغفار من العبادات التي أمرنا الله بها قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا﴾(نوح: ١٠-١٢)، والمعنى: اتركوا ما أنتم عليه من الذنوب، واستغفروا الله منها، ﴿إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ كثير المغفرة لمن تاب واستغفر، فرغبهم بمغفرة الذنوب، وما يترتب عليها من حصول الثواب، ودفع العقوبات، ورغبهم أيضاً، بخير الدنيا العاجل، فقال: ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾،
أي: يكثر أموالكم التي تدركون بها ما تطلبون من الدنيا وأولادكم.
عباد الله: إنَّ أيَّام العمر تتصرَّم، وساعات الحياة تنقضي، فقدِّموا لأنفسِكم صالحًا قبلَ فوات الأوان؛ قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾(الزمر:٥٣- ٥٦)،
مَضَى رَجَبٌ وَمَا أَحْسَنْتَ فِيهِ
وَهَذَا شَهْرُ شَعْبَانَ الْمُبَارَكْ
فَيَا مَنْ ضَيَّعَ الْأَوْقَاتَ جَهْلاً
بِحُرْمَتِهَا أَفِقْ وَاحْذَرْ بَوَارَكْ
فَسَوْفَ تُفَارِقُ اللَّذَّاتِ قَهْرًا
وَيُخْلِي الْمَوْتُ كُرْهًا مِنْكَ دَارَكْ
تَدَارَكْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الْخَطَايَا
بِتَوْبَةِ مُخْلِصٍ وَاجْعَلْ مَدَارَكْ
عَلَى طَلَبِ السَّلاَمَةِ مِنْ جَحِيمٍ
فَخَيْرُ ذَوِي الْجَرَائِمِ مَنْ تَدَارَكْ
فاتقوا الله عباد الله واغتنموا أيام وليالى هذا الشهر فى مرضاة الله وطاعته، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.