عباس بن فرناس والأزهر الشريف
25 يناير، 2025
الأزهـــــر

بقلم الأستاذ : أحمد المهيدى
عندما مات عباس بن فرناس وهو يحاول الطيران
تساءل العرب هل مات شهيدا أو منتحرا ،وتساءل الغرب ،ترى هل يمكن الطيران !!!!
هذه الكلمات التهكمية لابد وأنك عزيزي القارئ قد صادفتها على السوشيال ميديا فى يوم من الأيام وهى واحدة من عبارات الإستهجان والتهكم التى لاطلاما تلمز بها العلمانيين والملحدين ضد العرب والمسلمين لنعتهم بالتخلف والإنحدار
ولكن لو أنصفوا لذكروا أن عباس بن فرناس ومثله مئات العلماء من المسلمين كانوا هم السبب الرئيسي لنهضة الغرب فقد قامت حضارة الغرب على أكتاف هؤلاء الرجال من خلال ترجمة علومهم التى إحتوت على علوم جمة أثرت الحياة العلمية فى أوروبا .
ومن عجائب وغرائب الزمان أن المتهكمين الذين ينعتون العرب بالتخلف لتركهم للعلوم هم الآن من يهاجمون قرار شيخ الأزهر بتشكيل لجنة لدراسة إمكانية تعريب علوم الطب والصيدلة ضاربين عرض الحائط بدعواتهم الرنانة للتطوير والعلم وهذا يكشف عن بغض دفين لكل ماهو إسلامي ويكشف عن فساد قلوبهم ولكن من هم هؤلاء ومن أين أتوا؟
صنيعة الإستعمار :
لاشك أن أسوء شئ قد قام به الإستعمار هو صنع رجال من بنى جلدتنا نعدهم منا يأكلون أكلنا ويتحدثون لغتنا ولكن إنتمائهم الكلى للغرب فهم عبيد لكل مايأتى من أوروبا حتى ولو كان مخالفاً لأعرافنا وعادتنا وتقاليدنا فكل ما يأتى من الغرب مقبول لديهم بدون جدال .
كيف نجح الإستعمار فى ذلك ؟
إذا أردت أن تدمر أمة لايتوجب عليك أن تغزوها بجيوش جرارة وتتكبد الخسائر كل ماعليك هو أن تحقر من شأن مقدرات هذه الأمة وتنعتها بالبدائية والتأخر وتضع نفسك فى منزلة محرر العقول ومطورها ولتكن ساحراً لتبهر أبناء هذه الأمة بالطبع سيتبعونك لأن النفوس البشرية تحب أن تعتنق وتنساق وراء كل ماهو جديد .
ومع مرور الزمن ستصبح ثقافتك هى السائدة فى هذه الأمة ليس هذا فحسب بل سيتبرأ أبناء هذه الأمة من حضارتهم وثقافتهم ومقدراتهم خوفاً من أن يتهموا بالتخلف أو الرجعية
وهذا ماطبقه الإستعمار بحذافيره فأصبحت الشعوب العربية عبيد لكل مايأتى من الغرب وأصبحت ثقافة الغرب هى المقياس للتطور والحداثة حتى أننا أصبحنا نحدد قيمتنا ونقيسها بمعرفتنا بمقدرات الغرب
فمن يتقن لغة الغرب أكثرنا علما
ومن يقرأ روايات الغرب أكثرنا ثقافة
ومن يلبس الموضة والأزياء الغربية أكثرنا أناقة
حتى تطور الأمر لإنكار الأديان لنصبح أحراراً غير متخلفين ! أجل فإن هذا ما أملاه علينا الفنانين والأدباء والمفكرين الغربيين فلماذا لا نتبعهم وننقاد إليهم ؟
رجال الإستعمار :
رحل الإستعمار فى منتصف القرن الماضي بأسلحته وجيوشه ولكنه ترك لنا رجالاً ونساء قد إنتقاهم بعناية ليكملوا المسيرة من بعده فمخطئ من يظن أن الساسة وحدهم هم العملاء بل أصحاب المناهج ومن يملكون الأفكار هم الأخطر على الأمم فهم مثل حشرة السوس التى تأكل فى جزوع الأشجار والنباتات إذا ظهروا فيها فلا تنتظر من الأشجار والنباتات ثمر
إن رجال الإستعمار هؤلاء قد تربوا جيداً فى أحضان الأفكار والمناهج الغربية وجاءوا يطبقونها فى بلاد العرب بإسم الحداثة والإنفتاح والتطور وتارة بإسم الأدب والفن والثقافة كانوا قديما يذهبون إلى بعثات للغرب مع أقرانهم من دول العالم الثالث فيأخذ أقرانهم علوم الطب والهندسة والصناعة وينقلونها إلى بلادهم لتكون نواة لتطورها ووضعها فى مصاف الدول المتقدمة
أما علمائنا المبجلين يأتوننا من الغرب بأفكار إلحادية وإنفتاحية ودعوات بنبذ بكل مقدرات المجتمع فكان الغرب يأخذ من أبنائنا النوابغ والعلماء الحقيقين كعلماء الطب والفلك والذرة ليستفيدوا بهم ويرسل لنا المحملين بأفكاره وإنحرافاته ، وكأن صانع الطائرة وصانع القطار وعالم الذرة لن يتمكن من الإبداع إلا إذا كان من شاربى الخمور ومن البغاة والملحدين , ولنا فى تجربة قاسم أمين خير دليل فقد أرسلوه هو وكثير من الشبان إلى الغرب ليتعلم منهم ويأتينا بعلوم نبنى بها أوطاننا فعاد إلينا بأفكار إنفتاحية تحت مسمى تحرير المرأة كانت هى النواة للإمتهان الذى يحدث للمرأة في وقتنا الحاضر والتى جعلوا منها سلعة رخيصة يجنون من جسدها العاري الملايين من المسلسلات والأفلام والكليبات والأغانى .
رجال الدين صنيعة الإستعمار:
لاشك أن المستعمر يعرف جيداً أن أفكاره لابد وأنها ستصتدم بالدين الذى تمكن من قلوب الشعوب فكان ولابد أن يصنع لنا دينا يناسبه شريعة ضعيفة لا تستطيع أن تواجه الموجة الشرسة من الإنفتاح القادم من الغرب :
إن أول شئ عليك أن تقوم به لكى تسيطر على مجتمع ما وتحشوه بأفكارك وعقائدك عليك أولاً أن تفرغه من معتنقاته وعقائده ولايمكنك فعل هذا فالحروب المقدسة ضد الأديان لا طائل منها فأهون على معتنقيها أن يتخلوا عن أرواحهم ولا يتخلوا عن مقدساتهم .
فليس أمامك من سبيل سوى أن تجعل من هذا الدين عبئا على عاتق معتنقيه وبعدها سيتم لك مرادك بدون أدنى شك وهذا ما أدركه الإستعمار مبكراً وطبقته المخابرات البريطانية من خلال تجنيد المدعو محمد بن عبد الوهاب الذى أحيا فكر الخوارج وجعل من الدين الذى أصلح الله به الأمم على وأقام به الدول وهدى به النفوس : إلى دين متقزم صغير ضيق الأفق ليس فيه سوى الترهيب والتشدد والعنف والإنغلاق ونبذ الغير
إن الإسلام بمفهومه الكبير الذي يسع الجميع والذى فيه الجميع يبحث ويؤخذ منه ويرد ولم يعصم فيه سوى نبيه صلى الله عليه وسلم قد حوله بن عبد الوهاب وأتباعه إلى دين صغير يهتم بالقشور فقط فتحت مفهوم البدعة قد سقط إجتهاد العلماء الأوائل الثقات على مدار قرون وتحت مصطلح الشرك قد وقع أغلب المذاهب والفقهاء والمناهج فى الكفر .
المظهر أهم من الجوهر :
لم يعتنى دين بالأخلاق وإصلاح السرائر كديننا الحنيف فأنت مهما بلغت صلاتك وعبادتك إذا لم تقترن بالإخلاص والبراءة من الرياء فستذهب هباء وكذلك لا دين لمن لا خلق له ، أما على منهج الوهابية فلاتقلق ليس عليك كل هذا كل ماعليك هو أن تربى لحيتك وتقصر جلبابك وتكفر الأشعرية وتتهم الصوفية بالشرك وحرض على دماء الشعوب مسلمين ومسيحيين إلا بنو صهيون ثم بعد ذلك إذهب إلى المسجد وأبكى فى صلاتك فأنت من الخاشعين بعد هذا كله ولا تقلق سيسمونك بشيخ الإسلام وناصر الدين ومحى السنة وغيرها من الكنيات .
لافتوى إلا لنا ولا إجتهاد إلا لعلمائنا المعصومين :
كان باب الإجتهاد مفتوحاً للجميع ماداموا أهلاً له وقد أثرى العلماء على مدار قرون علوم الأصول والفقه والتفسير والحديث على مدار قرون حتى جاء بن عبد الوهاب وعشيرته التى ألقت بهذا كله خلف ظهورها فلا إجتهاد إلا لمشايخهم فالعقيدة لا تؤخذ الا من بن تيمية الذى خالف أغلب أهل العلم ولكن لا بأس فليخالف من يريد طالما نحن كوهابية قبلنا بمنهجه وتخريج الأحاديث لا يقبل إلا من الألباني الذى إبتدع بدعة لم يسبقه أحد من العلماء بها فجميع من أتوا فى عصور ما بعد جمع الأحاديث قد ساروا على نهج الأوائل الذين تكفلوا بذلك كالبخارى ومسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه والامام مالك وغيرهم أما الألباني فجاء ليفند فى الأحاديث كما يريد ليضعف ويصحح ويحسن مايراه مناسباً لمنهجه
أخطأ الشافعى وأخطأ أبو حنيفة ولكن بن عثيمين وبن باز لا يخطئون هكذا نريد نحن فليوافقنا الجميع وإلا إتهمناكم بالكفر والزندقة
لا جهاد إلا فى بلاد المسلمين :
لم نعرف فى الإسلام عن الجهاد إلا أنه جهاد ضد المعتدين والأعداء فى الخارج أما فى داخل فهو إصلاح ذات البين أما فى شرع الوهابية فالجهاد ضد كل من يخالفنا واجب شرعي فقد حكمنا عليهم أنهم كفار فكم من جماعات متشددة خرجت من طيات هذا الفكر وكم من دماء سفكت أما أبناء العم فسالمين لن تمسهم فتاوينا وسنحكم على من يحاربهم بالإرهاب.
هل يمكن بعد كل هذا لعباس بن فرناس أن يحلق ؟
أجنحة عباس بن فرناس تم كسرها منذ القدم على يد هؤلاء الغوغائين العلمانيين والوهابية حتى يمنعونه من التحليق ثم بعد ذلك يقولون له أنت فاشل ولكن بن فرناس المتمثل فى الأزهر اليوم يباغتهم بمشروع لم يكونوا يحسبوا حسابه لو طبق جيداً سيحلق بإبن فرناس عالياً وهذا ما نأمله فى القريب العاجل بإذن الله تعالى.
حتى ولو لم يحلق بن فرناس هذه المرة
فسيحلق رغماً عن أنوفهم يوماً ما